"ظروف إحلال السلام في سوريا لم تنضج لكن الهدنة خطوة مهمة"
٣٠ ديسمبر ٢٠١٦لا تزال تبعات وأصداء فرض الولايات المتحدة عقوبات على روسيا رداً على "المضايقات العدوانية للمسؤولين الأمريكيين والعمليات الإلكترونية التي قامت بها الحكومة الروسية واستهدفت الانتخابات الأمريكية" حسب بيان للبيت الأبيض، تتفاعل حتى اللحظة. فقد تناقلت وسائل إعلامية روسية تصريحات نسبتها لوزير الخارجية سيرغي لافروف بعزم موسكو طرد 35 دبلوماسيا أمريكيا من أراضيها. وتوعد لافرورف واشنطن بأن بلاده لن تدع العقوبات تمر دون رد وأن مزاعم تدخل موسكو في الانتخابات الأمريكية لا أساس لها من الصحة. وهذا ما أكدته أيضا السفارة الروسية في واشنطن بوصفها العقوبات الجديدة التي فرضتها الإدارة الأمريكية ضد الدبلوماسيين الروس وأفراد أسرهم، بأنها "تقويض للعلاقات الثنائية بين البلدين"، وأنها لن تبق "بدون رد". غير أن الرئيس، فلاديمير بوتين، خفف من غلو تصريحات وزير خارجيته وقال "إننا لن نخلق مشاكل للدبلوماسيين الأمريكيين، ولن نطرد أيّ دبلوماسي". ونقلت وكالة إنترفاكس الروسية اليوم الجمعة عنه القول: "إن موسكو تحتفظ لنفسها بحق الرد على العقوبات بالنظر الى سياسة ترامب".
لمناقشة آخر التطورات المرتبطة بهذا الملف والتعريج على اتفاق وقف إطلاق النار الأخير في سوريا، أجرت DW عربية الحوار التالي مع الدكتور إدموند غريب، أستاذ العلاقات الدولية في الولايات المتحدة الأمريكية:
كيف تقرأ الرد الروسي على إجراءات أوباما، وخصوصاً أن وزير الخارجية قد توعد واشنطن بالرد ومن ثم عاد بوتين وقال إنه لن يطرد أي دبلوماسي أمريكي؟
من الواضح أن القيادة الروسية قررت تبني سياسة احتواء القرارات التي اتخذتها إدارة الرئيس أوباما بطرد دبلوماسيين روس وفرض عقوبات على أفراد ومؤسسات روسية يُقال إن لها علاقة بالأجهزة الاستخباراتية الروسية، التي اخترقت أجهزة حواسيب "اللجنة الوطنية الديمقراطية"، هذا بالإضافة إلى اتهامات أخرى.
برده بعدم طرد دبلوماسيين أمريكيين، يبعث الرئيس بوتين برسالة حسن نية للرئيس المنتخب، دونالد ترامب. كما أنه بهذا الرد يحاول بوتين معرفة واختبار مواقف ترامب بعد وصوله للبيت الأبيض، وذلك قبل أن يقوم بأي إجراء مضاد.
من جانبي، أعتقد أن الرد الروسي كان ذكياً في محاولة لقطع الطريق على محاولات تعتبرها موسكو استفزازية من قبل بعض القوى السياسية الأمريكية التي لا ترغب في تحسن العلاقة بين روسيا وأمريكا بعد وصول ترامب لسدة الرئاسة. لا ننسى أن ترامب كان قد قال إنه يرغب بتعزيز العلاقات مع الروس وبالتعاون معها ضد الإرهاب وفي الحفاظ على الأمن والاستقرار العالميين. ومن هنا جاءت تغريدة ترامب بالأمس بأنه آن الأوان لنا، كولايات متحدة، أن نتحرك باتجاه أمور أكبر وأهم وبالتالي نضع هذه المسألة جانباً.
نفى الرئيس الروسي قيام روسيا بأي رد دبلوماسي. ولكن هل يُفهم من كلامك أنك تستبعد، وبشكل نهائي، أي رد روسي، ربما في مناطق أو ملفات أخرى؟
قبل تصريح الرئيس الروسي كنت أعتقد أن الروس سيردون ولكن ليس على نفس المستوى، أي ليس سن بسن وعين بعين. أستبعد أن نرى-على الأقل في هذه المرحلة- أي إجراءات قاسية ضد الولايات المتحدة، وإن اتخذت بعض الإجراءات فستكون هامشية وغير مؤثرة.
بشكل مختصر ومكثف، لماذا قررت إدارة أوباما في أيامها الأخيرة اتخاذ مثل هذه الإجراءات؟
فعلاً، هذا سؤال مهم ومثير. يقال أنه حدثت اختراقات منذ عام 2015 وتجاوزات ضد دبلوماسيين أمريكيين منذ فترة طويلة. السؤال هنا لماذا الآن؟ باعتقادي لو وصلت هيلاري كلينتون للبيت الأبيض، لما كنا سنرى مثل هذا التصعيد.
هناك حالة من الإحباط تسود الديمقراطيين بسبب ما يقال عن تدخل أجهزة الاستخبارات الروسية لصالح فوز ترامب. يضاف إلى ما سبق وجود قوى سياسية جمهورية وديمقراطية تعتقد أنه من مصلحة الولايات المتحدة الاستمرار في تبني سياسات متشددة اتجاه روسيا.
تقودنا إجاباتك إلى السؤال: هل تعتقد أن هذه الأزمة سحابة صيف عابرة مرتبطة بآخر أيام إدارة أوباما أم أن ترامب سيبدأ عهده بهذه المعضلة؟ هل هذه القرارات هي لغم وضع في طريق ترامب؟
بالفعل هذه نقطة مهمة، وقد شبه أحد المحللين الأمريكيين تلك القرارات بالألغام. على كل حال، لدى الرئيس الجديد الصلاحيات الدستورية لإلغاء هذه القرارات. ولكن ترامب سيواجه تحدياً في الكونغرس من جمهوريين، تيار المحافظين الجدد، ومن ديمقراطيين، تيار الليبراليين الجدد. ينظر هذان التياران (المحافظون الجدد والليبراليون الجدد) بعين الشك لروسيا ولا يزال كثير يعيشون في أجواء الحرب الباردة. أعتقد أن العلاقة المعقدة أصلاً بين روسيا وأمريكا ستصبح أكثر تعقيداً.
كما أنني أعتقد أن الجزء الكبير من القضية سيعتمد عليه وعلى مستشاريه وقدرتهم على تخطي العقبات والتحديات التي تحاول القوة المناوئه لهم وضعها في الطريق.
رحبت الإدارة الامريكية بحذر بالاتفاق التركي-الروسي لوقف إطلاق النار في سوريا، ولكن يبدو أنها كانت غائبة أو على هامش الاتفاق أو أنها استمرت في نهج سياسة القيادة من الخلف؛ فلا معطيات لدينا عن تفاصيل أعمق. كيف ستكون سياسة ترامب حيال الملف السوري؟
هناك انتقادات في الولايات المتحدة لسياسة الرئيس أوباما وبأنه لم يفعل ما فيه الكفاية بما يخص الملف السوري. وسمعنا في الإعلام كلاماً بأنه تم تهميش أمريكا. غير أن الروس كانوا أذكياء، حيث قام وزير الخارجية الروسي بالاتصال بنظيره الأمريكي لإطلاعه على كل ما جرى. وكان هناك تصريحات روسية وأمريكية بأن واشنطن ليست خارج اللعبة.
التوجه العام للرئيس المنتخب ترامب فيما يخص سوريا يقوم على محاربة الإرهاب والمنظمات المتطرفة والتعاون مع روسيا في هذا الشأن. لا بد من القول هنا أن هناك عقبات كبيرة أمام ترامب ويجب الانتظار لرؤية ماذا سيفعل.
ما هي رؤيتك لفرص الاتفاق في الصمود؟
الاتفاق هش. بيّد أني أعتقد أن اللاعبين الذين يشاركون فيه لاعبون مهمون ومؤثرون. يواجه هذا الاتفاق الكثير من العقبات والعراقيل، وخاصة إذا نظرنا لتاريخ الهدن السابقة. ولكن أعتقد أن الظروف تغيرت ومصالح اللاعبين الثلاثة تغيرت، وخاصة تركيا التي لديها مصالح كبيرة في ضمان إنجاح مثل هذا الاتفاق.
إذن هل ترى أن ظروف إحلال السلام قد نضجت في سوريا؟
باعتقادي أنه من المبكر قول ذلك، ولكن الاتفاق خطوة مهمة باتجاه التوصل لتفاهمات جديدة وتسوية شاملة. من المبكر القول أننا بدأنا نرى النور في نهاية النفق.
ما تعليقك على ما يتردد من كلام عن محور روسي-تركي في سوريا؟
أعتقد أنه من الصعب التحدث عن محور روسي- تركي. لا شك أن تركيا تأثرت كثيراً بالمواقف والقرارات الروسية، هذا بالإضافة للتحديات الداخلية التي تواجهها، كل ذلك دفع تركيا لإعادة النظر بسياساتها الإقليمية. ولكن في النهاية تركيا عضو بحلف شمال الأطلسي ولها علاقات على كل المستويات مع الدول الغربية. كل ذلك يستبعد وجود مثل هذا المحور، ولكن هناك مصالح تركية ومصالح روسية تدفع البلدين للتعاون.
إدموند غريب، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورج واشنطن وفي الجامعة الامريكية في واشنطن. نشر غريب الكثير من المقالات والكتب والأبحاث في القضايا السياسية المتعلقة بالشرق الأوسط، وعلى وجه الخصوص العراق والأكراد وشبه الجزيرة العربية والهلال الخصيب. كما تناولت كتاباته التغطية الإعلامية في الشرق الأوسط، والإعلام الجديد والثورة التكنولوجية في العالم العربي، والمجموعات الإثنية والدينية في الشرق الأوسط.
أجرى الحوار خالد سلامة