سوريون يسعون لتخفيف الأحكام المسبقة بين اللاجئين والألمان
٢٠ يونيو ٢٠١٦حط عبد الرحمن عباسي (22 عاما) رحاله منذ سنتين ونصف في ألمانيا. نشط عبد الرحمن في مجال مساعدة وتقديم الاستشارة المجانية للراغبين في الدراسة في ألمانيا عن طريق صفحة على الفيسبوك. وهو الآن طالب في كلية طب الأسنان بجامعة غوتنغن وإلى جانب ذلك يعمل موظفاً في "مركز الهجرة" الذي يقوم برعاية اللاجئين ومساعدتهم في الاندماج. أما علاء فحام (19 عاما)، فهو في السنة التحضيرية قبل الشروع في دراسة الإعلام. لدى علاء خبرة في اليوتيوب، إذ أنه أدار مع صديق له قناة "المهوسون السوريون" على اليوتيوب، والتي فيها أكثر من 42 ألف مشترك وشوهدت فيديوهاتها حوالي 2,25 مليون مرة. التقى علاء وعبد الرحمن وتعرفا على بعضمها واتفقا في نهاية شهر اغسطس/ آب الماضي على إطلاق قناة على اليوتيوب باسم GermanLifeStyle GLS أي "نمط الحياة في ألمانيا" كما أطلقا صفحة على الفيسبوك تحمل الاسم نفسه. تخصصت القناة بادئ الأمر في تقديم معلومات عن الدراسة في ألمانيا، ثم ما لبثت أن تغيرت وتطورت بعد التحاق فايز رمان (25 عاما) بهما، وهو يدرس طب الأسنان في جامعة برلين.
لا للأحكام المسبقة.. لا للتعميم.. لا للتجميل
تتناول فيديوهات قناة "نمط الحياة في ألمانيا GLS" مواضيع شتى بطريقة كوميدية مثل: كيف نحارب العنصرية بالمكدوس؟ ألمان يقلدون اللهجات السورية المختلفة، الخوف من تعلم اللغة الألمانية، المواقف المحرجة التي يتعرض لها القادمون الجدد إلى ألمانيا، الاندماج، تجنب التعميم على أن كل الألمان عنصريون؛ وغير ذلك من المواضيع. "نريد مشاركة خبرتنا وتجاربنا مع القادمين الجدد ليستفيدوا منها ويتجنبوا المطبات التي وقعنا فيها. كما نريد مكافحة الأحكام المسبقة والتغلب عليها. كمثال على هذه الأحكام المسبقة، رسالة وصلتنا من سيدة تدعي فيها أن اللاجئين هم فقط "رجال مسلمون". وكما هو معلوم هناك بين اللاجئين رجال ونساء وأطفال ومسيحيون وملحدون...والخ". يقول فاير في حواره مع DW عربية، ويضيف أن هدفهم هو "تعريف الألمان بالسوريين الجدد، وتذكيرهم أن السوريين الموجودين منذ زمن هنا هم من النخب وساهموا في حضارة وتقدم هذا البلد". ولكن هل من السهولة تغيير أحكام مسبقة وصور نمطية متجذرة في وعي الناس؟ DW عربية سألت بعض المتابعين للقناة عن رأيهم في ذلك، فأجاب اللاجئ السوري إياد الخطيب (38 عاما) أنه يعتقد أن هذه القناة "تساهم بشكل جيد بل ممتاز" في التخفيف من الأحكام المسبقة. وتوافقه الرأي اللاجئة السورية ماريانا كركوتلي، وتقول إن "هذه الفيديوهات وفيديوهات مثلها ساهمت إلى حد بعيد في التخفيف من الأحكام المسبقة. فقد ساعدتني خلال عملي كثيراً في تقريب الصورة إلى القادمين الجدد إلى ألمانيا، حيث أن المشرفين عليها خلفيتهم الثقافية والاجتماعية مثلهم، فيشعرهم هذا بالثقة وكذلك الأمر فيما يتعلق بالألمان".
ويدلي فايز بدلوه ويوضح أن إلغاء الأحكام المسبقة "بشكل تام أمر مستحيل، ولكن يمكننا التخفيف منها. هناك ألمان لن يقبلوا اللاجئين مهما قدمت لهم من أدلة وبراهين، وفي المقابل هناك أناس يرحبون باللاجئين. وفي الوسط هناك شريحة في حالة شك أو ليس لديها فكرة واضحة. بين هذا الشريحة يمكن أن نسجل نجاحات بتغيير أحكامها المسبقة". ويعقب عبد الرحمن، وهو من المشرفين على القناة، مضيفاً "نحرص على الابتعاد عن التعميم، لأننا إذا عممنا فإننا بذلك نعود ونكوّن حكما مسبقا". ويتابع، أنهم لا يهدفون إلى "تجميل صورة أي أحد؛ اللاجئون السوريون كأي مجموعة بشرية بينهم الصالح والطالح، وكذلك ليس كل الألمان عنصريون وليس كلهم جيدون".
الكوميديا لنقل الرسالةا
تركز فيديوهات أخرى على الاختلافات بين الألمان والسوريين من خلال مواقف في الحياة اليومية، مثل: عند دفع حساب غداء مشترك، الاستيقاظ من النوم، طريقة إلقاء التحية والسلام، عادات الضيافة. ويوضح ذلك عبد الرحمن في حواره مع DW عربية "نريد القول إن الاختلاف ليس شيئاً مرعباً، بل شيء إيجابي يساهم في التبادل الثقافي". وتعتمد الفيديوهات على الكوميديا لإيصال الرسائل المبتغاة إلى الجمهورين الألماني والسوري، "نعرض حياة السوريين والألمان بطريقة مضحكة مع شيء من المبالغة، فالسخرية من الآخر أفضل من الخوف منه" يرى عبد الرحمن.
الشبان الثلاثة يقدمون أنفسهم كـ "وسيط وجسر" بين الثقافتين السورية والألمانية، لأنهم لاحظوا "وجود مشكلة في التواصل بين الجانبين". يتوافق كل من إياد وماريانا في الرأي مجدداً، باعتقادهما أن الفيديوهات تساعد على التقريب بين الألمان واللاجئين. ويضيف إياد بأنها "تساهم بشكل فعال. فالشعب السوري بالأصل هو شعب طيب منفتح متقبل للآخر". كما أجمع كل من ماريانا وإياد على نجاح الفيديوهات في إيصال رسالتها. ويرى إياد أن الأسلوب بسيط وفكاهي من دون مبالغة بالتهريج. وتعتقد ماريانا أن الفيديوهات "تضمنت حساً فكاهياً راقياً غير مزعج وليس بالهازئ أو الساخر؛ الأسلوب يضحك ويوصل رسالة".
البحث عن دعم مادي
لقيت القناة صدى جيدا لدى اللاجئين والألمان. وتشرت صحيفتا "زود دويتشه تسايتونغ" و"دي تسايت" الواسعتي الانتشار في ألمانيا تقريرين عنها. وللقناة أكثر من 11 الف مشترك، وحظيت فيديوهاتها بحوالي 700 ألف مشاهدة. ولصفحتهم على الفيسبوك حوالي 72 ألف متابع. ويقول عبد الرحمن إن "40 بالمئة من متابعينا على الفيسبوك هم من الألمان". ويقترح إياد نشر الفيديوهات على نطاق أوسع بين الجمهور الألماني. أما ماريانا فقد شددت على ضرورة أن "يشمل المشروع كلا الجنسين (إناث وذكور) وليس جنساً واحداً فقط، فيكون الطرح أقرب الى الشباب من كلا الجنسين".
وبسؤال المشرفين فيما إذا كان مشروعهم مجرد موضة ويأتي في إطار استغلال قضية اللاجئين والاندماج لتحقيق الشهرة أو مكاسب مادية؟ يرد عبد الرحمن على ذلك بالقول "لو كنا نبحث عن الشهرة، كنا تركنا الدراسة وتفرغنا للفيديوهات، أو كنا عملنا فيديوهات مقالب؛ فهذه تجلب الشهرة والمال. تغيير الأحكام المسبقة وسيلة صعبة لتحقيق الشهرة، ولكنه يبقى هدفنا. يضاف إلى ما سبق أن الدراسة تتصدر سلم أولوياتنا".
يعيش فايز في برلين وعلاء في هامبورغ وعبد الرحمن في غوتنغن. تبعد كل مدينة عن الأخرى حوالي 270 كم. ويلخص فايز بعض الصعوبات التي تعترضهم بقولها أن لديهم "عدد كبير من الأفكار للفيديوهات، ولكن هناك معيقات منها ضيق الوقت بسبب انشغالنا بالدراسة، وبعد المسافة بيننا". لاتنتهي الصعوبات عند ذلك، بل تشمل الجانب المادي أيضا، حيث أكد عبد الرحمن وفايز أن لا أحد يقف وراء مشروعهم وأنهم ينفقون عليه من مصروفهم الشخصي، ويضيف عبد الرحمن "كل ما لدينا كاميراتان وميكرفون صغير لا يصل ثمن جميعها إلى ألف يورو. وعلاء يتولى المونتاج وتحميل الفيديوهات على اليوتيوب وغيرها من الأمور التقنية".
يحلم الشبان الثلاثة بـ "استديو وقناة على الإنترنت، نبث عليها برنامجا يتناول قضايا الساعة". ولا يخفون بحثهم عن دعم مادي، ولكن ليس بأي ثمن، فيقول فايز "إذا جاء عرض لدعم فكرتنا بدون شروط وبدون أن نشتغل حسب ما يريد الداعم، فجوابنا سيكون نعم". ويختم عبد الرحمن بالقول "لا نريد في النهاية أن نصبح دمية بيد أحد".