لجنة الأخلاق السلوك
١٢ يناير ٢٠١٠تبدو الأجواء داخل الحرم الجامعي لجامعة غزة مرحة لا تخضع لأي قيود تذكر. فالطلاب والطالبات يتحركون بطلاقة وعفوية داخل مبنى الجامعة الذي شيد حديثا بطراز عصري. بيد أن هذا الانطباع سريعا ما يتغير عند التدقيق في المشاهد التي تشهدها أروقة الجامعة، خصوصا عند رؤية الطلبة والطالبات يتحركون ضمن مجموعات صغيرة تضم أفراد الجنس الواحد في ظل تحريم تام للاختلاط بين الجنسين. وهو الأمر الذي يصعب تحمله بالنسبة لطالبة الهندسة أديم ، التي تجد أن الجامعة تشبه "مدرسة كبيرة، يتم فيها فصل النساء عن الرجال". فأديم تفضل الاختلاط لأنه "يفتح المجال لتبادل الخبرات وتعزيز الثقة بين الجنسين". وبما أن الجنسين يختلطان مستقبلاً في الحياة العملية كما تقول الطالبة أديم فمن الأفضل أن يتم الإختلاط بينهما منذ البداية.
لكن الحديث بحرية وطلاقة مع الطالبة أديم البالغة من العمر عشرين سنة وعدد آخر من زميلاتها لم يكن ممكناً داخل حرم الجامعة الإسلامية وهن لا يشعرن بإمكانية النقد بكل حرية الا في مقهى بيت مارنا في غزة. هناك تشعرأديم بالحرية والأمان عندما تتحدث لا عن موضوع الاختلاط فحسب، وإنما أيضاً حول شؤون الجامعة الأخرى أيضاً، فهي تجد مثلاً مبالغة في حجم المواد التعليمية المتعلقة بالدين الإسلامي التي " تفوق إلى حد كبير تلك المتعلقة بمجال تخصصها في مجال الهندسة المعمارية."
حصص التربية الإسلامية
تشكل حصص التربية الإسلامية نسبة عشرة بالمائة من مجموع الحصص التعليمية المقررة في شعبة الهندسة. وهي حصص تُعنى بعلم الفقه وتعاليم الشريعة والتاريخ الإسلامي. وتعد تلك الحصص من الركائز الأساسية للنظام التعليمي في الجامعات التسع في قطاع غزة. في حين أن حرية المعتقد هي شعار الجامعة الإسلامية ومن هذا المنطلق يشيد حسام عياش من قسم العلاقات العامة بما وصفه بروح التسامح السائد في الجامعة، مضيفا "أن الدين أمر شخصي، والالتزام به خيار فردي". كما أوضح حسام أن الطلبة لهم الخيار في إقامة الصلوات من عدمها. ونظريا تعتبر جامعة غزة الإسلامية مؤسسة تعليمية رصينة تضم عشر كليات ، من كلية الطب والهندسة إلى كلية الفنون. كما أنها تضم حوالي 21 ألف طالب وطالبة. وبذلك تعتبر أكبر جامعات غزة من حيث عدد الطلاب.
لكن إذا استطاع الطالب الحصول على معدلات جيدة في حصص التربية الإسلامية، فبإمكانه تعويض النقص المحتمل في المعدلات المحصلة في المواد الأخرى التي من المفترض أن تشكل مجال اختصاص الطالب. وفي ظل هذه المعطيات، ترى داليا الطالبة في شعبة التربية "أنه يجب التفوق في الشعب الدينية للحصول على معدلات جيدة". ولا تخفي هذه الفتاة أنها تنظر إلى تلك المقررات الدينية كواجب فقط، وتعتقد أن "ذاكرتها ستنسى كل هذه الأمور بعد اجتياز الامتحانات".
لجنة الأخلاق
بنبرة من الارتياح بدأت داليا وزميلاتها ينتقدن النظام التعليمي للجامعة الإسلامية في غزة، وكأنهن أمام فرصة لا تعوض. وأخذت جيلان زمام الحديث معربة عن استيائها من كون شعبة الهندسة التي تدرسها لم تنج هي الأخرى من آثار الإديولوجيا الإسلامية. موضحة "أن الأساتذة أصبحوا يحاولون نشر أفكارهم حتى في الشعب غير الدينية." ساقت دالين بعض الأمثلة من بينها "أنه يتوجب على طلبة الهندسة إعداد تصاميم للبنايات والبيوت وفق المفهوم الإسلامي. ما يعني أنه يجب أن تشمل هذه التصاميم غرفاً مخصصة للنساء وأخرى للرجال وأن تبتعد عن الغرف المفتوحة". وتنتقد فرض ارتداء الحجاب داخل الجامعة وتقول إنه تم تشكيل "لجنة أخلاق" تقوم بزجر الطلبة إذا ما صدر عنهم سلوك "غير إسلامي". وفي حال تبث على أي طالبة أنها استخدمت مساحيق التجميل أربع مرات، أو ارتدت حجاباً شفافاً، أو التقت بطالب داخل الحرم الجامعي فإنها تمثل أمام اللجنة الأخلاقية التي يقوم مشايخها بتحديد العقاب.
تأثير حماس على الجامعات
وفي ذات السياق، ترى دينا أن الجامعات تحولت بعد سيطرة حماس على قطاع غزة " إلى ديكتاتوريات إسلامية صغيرة يعبر فيها الأساتذة بكل وضوح عن آرائهم ويعلنون انتماءهم إلى حركة حماس". في المقابل، ينفي الأساتذة وبلسان عابد شكري الحاصل على شهادة الدكتوراه من جامعة برلين في شعبة الطب الحيوي هذا الاتهام مؤكدين أن "حماس ليس لديها أدنى تأثير على النظام التعليمي داخل الجامعات، وأن الجامعة الإسلامية كانت موجودة عندما كان هناك احتلال وكذلك الشأن عندما كانت السلطة بيد حكومة الرئيس محمود عباس".
بيد أن الطالبة زهرة التي تدرس في قسم الصحافة والعلاقات العامة تتحدث عن الطريقة التي تجري فيها انتخابات هيئة تمثيل الطلاب في الجامعة وتشير الى وجود عدد من التجمعات داخل الجامعة الإسلامية من بينها "الشبيبة" التابعة لحركة فتح و"الكتلة الإسلامية" التابعة لحركتي الجهاد الإسلامي وحماس. وتقول إن الأشخاص الذين لا يرشحون أنفسهم عن حماس يتعرضون الى الضغط الى أن يقرروا الانسحاب من الانتخابات. وفي نهاية المطاف لا يبقى سوى المرشحين الموالين لحماس، والذين يتم تعينهم على رأس الهيئة الطلابية دون انتخابات".وإلى جانب الأفكار الضيقة السائدة في جامعات غزة، يواجه الطلبة عند إنهاء دراستهم مشكلة البطالة لأن خمسة بالمائة فقط منهم يجدون فرصة عمل في قطاع غزة المدمر.
الكاتب: سيباستيان إنغلبريشت/وفاق بنكيران
مراجعة: منى صالح