"طفلة المعادي"..كيف يمكن مكافحة الاعتداء الجنسي على الأطفال؟
١٠ مارس ٢٠٢١منذ أكثر من عقدين من الزمن انتشرت "حكاية شعبية" في دولة عربية ما، تتحدث عن رجل اختطف طفلة، واغتصبها، ومن ثم وضع حجراً على بطنها لتموت ببطء. البعض كان يقول إن هذه القصة تستند إلى واقعة حقيقية، ولا يجوز ذكر اسم الجاني خوفاً على عائلته، فهو لازال حياً يرزق، يعيش بين أحفاده.
الحكاية كانت تروى للفتيات الصغيرات في المدارس والمجالس العائلية لتحذيرهنّ من الوثوق بأي إنسان غريب. ولا يمكن التأكد من حقيقة وقوعها أم لا، ومع ذلك؛ فهي تعطي لمحة عن كيفية التعامل مع قضايا الاعتداء الجنسي على الأطفال في العالم العربي؛ فالمعتاد هو تحذيرالأطفال وتخويفهم حتى لا يقعوا ضحية، ثم حماية "سمعة" الجاني وعائلته.
وفي مصر؛ انتشر هذا الأسبوع مقطع فيديو لرجل يرتدي ملابس عصرية وهو "يهتك عرض" طفلة في إحدى العمارات بحي المعادي الراقي، حيث شرع في ملامسة أجزاء حساسة من جسدها، قبل أن تضبطه امرأة لقبت بـ"الخارقة".
لقد أظهرت كاميرات المراقبة داخل المبنى وجهه بشكل واضح. وعلى العكس من قصة الطفلة في "الحكاية الشعبية" سالفة الذكر، كانت وسائل التواصل الاجتماعي حاضرة هذه المرة، وكشفت شخصه، ولم يحتج الإنترنت إلا وقتاً قليلاً للعثور على حسابه الشخصي وصوره وتفاصيل حياته.
ورغم هذا التغير الواضح في أسلوب التعامل مع قضايا الاعتداء الجنسي على الأطفال في العالم العربي؛ إلا أن مفهوم "التابو" الذي يتعلق بتلك القضايا لايزال موجوداً عند الحديث عنها، علاوة على أن العمود الأساسي للحد منها، والمتمثل في القوانين، لم يتغير كثيراً خلال العقدين السابقين.
سبب استمرار ظاهرة الاعتداء الجنسي على الأطفال؟
في عام 2019، كتب الصحفي بنديكت كاري مقالاً في صحيفة "نيويورك تايمز"، يتناول فيه الأبعاد النفسية لـ"اشتهاء الأطفال"، والذي قد يتطور لاحقاً ليتحول إلى اعتداءات جنسية على الأطفال وحتى الرضع منهم. ويذكر كاري في مقاله نقلاً عن دراسات علمية، "أن معظم تفضيلات مشتهي الأطفال لم تنضج مثل الآخرين، ويبقون منجذبين للفئة العمرية التي جذبتهم جنسياً للمرة الأولى"، مضيفاً أن هناك إجماعاً علمياً على أن هذا اضطراب "بيولوجي"، وبهذا يمكن العثور على علاج له.
هذه الدراسات لا تعطي تبريراً لمرتكبي جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال، ولكنها تساعد على فهم هذا النوع من الشذوذ الجنسي، ما قد يمكّن المجتمع لاحقاً من استئصاله تماماً. ووجود هذا الاضطراب ليس سبباً للتحرش بطفل أو الاعتداء عليه جنسيا، إذ إن كثيرين ممن يحملون هذه الخصلة البيولوجية تمكنوا من ردعها بشكل ذاتي، كما يذكر كاري في مقاله.
ولكن حتى يتم العثور على علاج مناسب، فإن هذه الجرائم مستمرة، والتي يمكن أن تظهر بشكل "قانوني" في بعض الدول العربية تحت مسمى ظاهرة "زواج القاصرات"، والذي سجل نسباً مرتفعة في مصر بنحو 17 في المائة، والأراضي الفلسطينية 21 في المائة، فيما وصلت النسبة في السودان إلى 52 في المائة، وفقا لإحصائيات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2016.
ويذكر موقع "اغتصاب براءة الأطفال"، أن كل طفل من بين أربعة أطفال في المملكة السعودية يتعرض للتحرش، وفي تونس كشف تقرير رسمي تعرض 1149 طفلاً للعنف الجنسي عام 2019، وفي البحرين وقعت 333 حالة تحرش جنسي بالأطفال عام 2017.
ورغم هذه الأرقام إلا أن الدول العربية حتى الآن لا توفر إحصائيات كافية، ما قد يكون انعكاساً لطبيعة "الآلية" التي تتم بها معالجة هذه الجرائم، "فالصمت ولوم الضحية والقوانين البالية من الأسباب التي تسمح بانتشار الجريمة، كما تشرح الناشطة الحقوقية الأردنية بانا زيادة لـDW عربية.
وتتفق مع ذلك الناشطة النسوية المصرية سميرة عبد القادر، والتي ترى أن "المجتمعات العربية تعاني من مشكلة الإنكار في مثل هذه القضايا، ولازالت تعيش في حالة فوضى"، حسب ما ذكرت لـDW عربية.
ما هي الحلول الممكنة؟
وتتفق الناشطتان الحقوقيتان على أن القانون الرادع هو أحد السبل المهمة للحد من هذه الجرائم، فرغم أن معظم القوانين في الدول العربية تتشارك في توصيف اغتصاب القاصر، بأنه "فعل منعدم الرضا يرتكب بحق ضحية لم تبلغ سن الرشد"، إلا أن بعض القوانين تسمح بإفلات مرتكب الجريمة من العقاب، خصوصاً إذا ما تزوج بضحيته، كما هو الحال في الجزائر والعراق والكويت وليبيا، كما يذكر موقع "ارفع صوتك".
وترى بانا زيادة أن "قوانين هتك العرض والاغتصاب ومداعبة الصغير" لا تعتبر رادعة أبداً، بالإضافة إلى أنه يصعب إثبات بعض الوقائع".
هذه الإشكالية القانونية لا تقتصر فقط على الدول العربية، فهناك جدل قائم عالمياً حول آلية الردع، فالقانون في مختلف أنحاء العالم يقسم مشتهي الأطفال، إلى قسمين، من ارتكبوا الجرائم بالفعل، ومن لم يرتكبوها بعد ولكن ألقي القبض عليهم لمشاهدة صور وفيديوهات إباحية تضم أطفالاً.
وفيما يتم معاقبة المنتمين إلى القسم الأول في أغلب الحالات، فإن أصحاب القسم الثاني لايزال يُثار الجدل حولهم. وكان ضابط شرطة بريطاني بارز في مجال حماية الطفل قد ذكر لـ بي بي سي، في لقاء عام 2017، أنه لا ينبغي سجن مشتهيي الأطفال الذين ينظرون إلى صور غير لائقة ولم يرتكبوا جرائم، بل ينبغي إعادة تأهيلهم.
ما يعني أن إمكانية"إعادة التأهيل" قبل ارتكاب الجرائم، قد يكون حلاً مبدئياً للحد من الاعتداءات الجنسية على الأطفال، والذي يتطلب بداية "الاعتراف بوجود مشكلة".
الثقافة الجنسية في المدارس
"أوعى تخلي أي حد يلمس هنا...علشان ده جسمك إنت.. مش من حق أي حد يعمل كده"، هذه أغنية تستخدمها كثير من رياض الأطفال في مصر لتوعية الصغار ضد أي محاولات انتهاكات جنسية قد يتعرضون لها. وصحيح أن مثل هذه المبادرات الصغيرة في المؤسسات التعليمية قد تساعد على إنقاذ الأطفال، لكنها لازالت غير كافية.
وتشرح زيادة أن من الضروري تدريس "الثقافة الجنسية" للأطفال في المدارس، حتى يكونوا على وعي كافٍ بأي جريمة جنسية قد تقع عليهم، مضيفة "الكثير من الأطفال تم الاعتداء عليهم من أقارب أو غير ذلك، ولكن الطفل لا يعلم أنه كان ضحية اعتداء جنسي"، فيما قد تحاول العائلة معاقبة الضحية والصمت خوفاً من العار، ولهذا يجب تثقيف الأطفال في المرحلة الدراسية، كما تؤكد.
"الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي انعكاس للمجتمع"
تذكر سميرة عبد القادر أن الإعلام و مواقع التواصل الاجتماعي انعكاس لطبيعة المجتمع، مضيفة: "في مصر مثلاً، لو شاهدت فيلماً من ستينيات القرن الماضي و فيلماً حديثاً ستلاحظ فرقاً شاسعاً بين الجهتين على مستوى الأخلاق وثقافة الأفلام"،فقد أصبح التحرش و الاغتصاب مادة للكوميديا في الوقت الحاضر، والإعلام ليس أفضل حالاً، كما تؤكد الناشطة.
بيد أن مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً كان لها دور في "كسر الجليد"، كما أسمته عبد القادر، عن طريق النسويات والمهتمين بحقوق المرأة والطفل.
وتتفق الناشطة الأردنية بانا زيادة والمصرية سميرة عبدالقادر على أن الجهود الأخيرة قد تكون بداية لترسيخ حماية الأطفال من المعتدين جنسيا، ولكنها ليست كافية.
مرام سالم