طرابلس اللبنانية: في "مسرحية المصالح" أين الأمل؟
١٢ أبريل ٢٠١٤نحن الآن في أحياء التماس سابقا. هنا محال تجارية تبحث عن زبائن، مواطنون تسكنهم "صدمة" الاستقرار الفُجائي، وباعة يصولون ويجولون في رحلة البحث عن زبائنهم الجدد. لماذا فجأة اختفت أصوات الرصاص والقذائف؟ نسأل وأمام ناظرينا مبانٍ شاهِدة بأضرارها على سبع سنوات من الاقتتال بين جبل محسن (غالبية علوية) وباب التبانة (غالبي سنية).
بطاطا... بَصَل
"بطاطا، بطاطا قرّب يا أبو العيلة، قربي يا ست البيت... أرخص الأسعار، أطيب الخضار"، ينادي أبو محمد بصوته المتهدج. ندنو منه لنسأل عن مدى إيمانه بنجاح الخطة الأمنية هذه المرة فيجيب: "اسألوا السياسيين... سمحوا بعشرين جولة من القتال، وفجأة توقفت المعارك بقرار سياسي. كلهم يبحثون عن مصالحهم ولا أحد يهتم لشؤون المواطن الفقير المحتاج. أنا لم أعد أثق بأحد، أعيش كل يوم بيومه، وأشكر الله في نهاية كل يوم". "بطاطا، بصل، بطاطا"، يعود لينادي على الخُضر، ويقول وقد ابتعد عنا قليلا: "لربما أوقفوا القتال لأن هناك استحقاقات سياسية. هي المصالح... بطاطا، بصل، بندورة قرّب يا ابو العَيْلة".
صالح حامد، رئيس جمعية الفكر والحياة يقول لـ DW إن الجولات العبثية ضربت اقتصاد طرابلس... فركع وسَجَد". برأيه ما جرى لا يعدو كونه "مراهقات وتقاتل بين الأخوة بسبب الفقر والبطالة المقنعة. عشرون جولة قتال عايشناها في كذبة كبيرة. كان يطلق على الجولات وصف: اقتتال طائفي بينما هي في حقيقة الأمر جولات من اقتتال المصالح لا أكثر ولا أقل". صالح حامد هو ابن منطقة المنية في طرابلس، يُحمّل "المسؤولين الفاسدين مسؤوليةَ إفساد حياة المواطنين (...)".
في جولتنا على خطوط التماس، يلاقينا شاب ليرفع قميصه ويرينا ثلاث رصاصات اخترقت جسده النحيل، ويقول: "من يهتم لأمري؟ لا أحد. خضعت لثلاث عمليات فماذا استفدت؟ لا شيء"، يسأل نفسه بأسى ويجيب مباشرة، لكنه يرفض تصوير إصابته، قائلا: "لنُصوّر كل ما يعطي أملا بالمستقبل (...)". بلال السماك، أيضا فقد عينه وأصيب بجراح متفرقة في جسده، يجمعه مع الكثير من الشبان القلق على المستقبل الغامض. كثر من بين هؤلاء الشباب فقد وظيفته جراء جولات الاقتتال.
يتكرر الكلام على ألسنة الشباب حول انتزاع السوريين النازحين لفرص عمل الشباب في طرابلس. فواز حمزة، يملك محلا لبيع الأجهزة الخلوية في منطقة الضم والفرز قرب مستشفى النيني، يقول لـ DW إن "العشوائية في جولات القتال تقابلها عشوائية في التنظيم، فمثلا تجد المضاربة الكبيرة بين أصحاب المحال من اللبنانيين والسوريين اللاجئين، وفي شارع صغير تجد 4 إلى 5 مؤسسات صغيرة تعمل في المجال عينه". يتابع حمزة قائلا: "الأجواء الأمنية أثرت كثيرا في القدرة الشرائية للمواطنين، ويمضي أسبوع كامل أعمل فيه يوما واحدا فقط بينما كنت في السابق أبدأ من التاسعة صباحا ولغاية الواحدة منتصف الليل من دون توقف... أمل أن يحل الاستقرار وكلنا أمل بنجاح الخطة الأمنية (...)".
حتى التعليم تأثر
"أسماء بعض السياسيين باتت تستجلب لأبناء طرابلس الكوابيس"، يقول خالد الحسن، من أبناء التبانة. النقمة كبيرة هنا، الجميع يشتكي أن أبناءهم لا يذهبون إلى المدرسة. 50 يورو في السنة للطفل الواحد بدل تسجيل لا يستطيعون دفعها. يقولون إن 15 في المائة فقط يتعلمون، والباقون في الشوارع.
يتحدث محمد شرف الدين (طالب جامعي) لـ DW قائلا إن تحصيله العلمي تأثر كثيرا بفعل المعارك: "أول شيء تضرر المنزل وسيارتين... وبسبب الأضرار الكبيرة اضطررنا لنقل أغراضنا الخاصة إلى منزل آخر صغير جدا، فتأثرت كثيرا وكنت أحاول بشتى الطرق أن أركز على دراستي ولكن دون جدوى. لم يبق لنا سوى الأمل بالمستقبل (...)".
"بعد كل الجولات القتالية ليس من السهولة بمكان أن تشعر بالاستقرار أو بنجاح الخطة الأمنية سريعا"، تقول السيدة ليلى شحود لـ DW. شحود من أبناء جبل محسن، تؤمن بأنه "كلما تقدم الوقت على الاستقرار ازداد الشعور بالأمان والطمأنينة. طرابلس ومناطق الاقتتال - تقول- بحاجة إلى مصالحات حقيقية وليس مجرد احتفاليات وحلوى توزع؛ المصالحة يجب أن ترتكز على تعويضات مادية ومعنوية ومصالحات عائلية تبدأ صغيرة لنصل إلى المصالحة الكبرى... وكل خطوة إيجابية مشكورة لنصل إلى الاستقرار الدائم".
في الإطار عينه تتحدث "رولا المُراد"، وهي رئيسة "حزب 10452"، أول حزب نسائي مُرخص في لبنان. تقول لـ DW: "من منا لا يحب الأحلام والصورة الملونة بأجمل الألوان... ولكن على الأرض نعيش مسرحية... في المسرحية مسرح وكواليس. على المسرح تجد من هم مع النظام السوري ومن هم ضده. من هو علوي ومن هو سني.. وفي الكواليس نحن نعرف من يمول ومن يسلح، من لبنان وخارجه.... ويتم استغلال المواطن الفقير فتكتمل عناصر المسرحية (...)".
تبدي رولا تخوفها من أن تعود طرابلس للاشتباكات عند كل استحقاق". نسألها إذا ما كان الإنماء هو الحل بالتوازي مع الخطة الأمنية، فتقول إن "في لبنان مفهوم خاطئ للإنماء، فهو ليس بتعبيد طريق مثلا بل بالقيام بمشاريع كبرى تفيد الشباب، وتؤمن لهم فرص عمل، ولكن أنا أشكك بأن السياسيين يمكن أن يؤمنوا مصالح المواطن، فالمواطن متى ارتاح ماديا لن يلتفت إلى السياسة والسياسيين بل سيذهب لعمله ويهتم بأسرته وهذا ليس من مصلحة السياسيين (...)".
مليون دولار... ابتهاجا!!
يخشى أبناء جبل محسن وباب التبانة، من عودة الاشتباكات وإن كان أملهم أكبر هذه المرة بنجاح الخطة الأمنية التي ينفذها الجيش اللبناني في المدينة. يلفت أحد الشبان إلى أنه في ليلة انتشار إشاعة وفاة رئيس الحزب العربي الديمقراطي علي عيد من جبل محسن، اشتعلت طرابلس بالرصاص والقذائف ابتهاجا. قيل إن مليون دولار صُرفت تلك الليلة لإطلاق الرصاص والقذائف ابتهاجا... فهل تعلم هكذا مبلغ ماذا يعني لو صرف على مساعدة الأسر الفقيرة في المدينة؟... لا تعليق"، يختم، ويبتعد متأففا.