طاقة المستقبل النظيفة ـ مصر مصدر واعد لـ"الهيدروجين الأخضر"
٢٠ أكتوبر ٢٠٢٢في ستينيات القرن الماضي، انتتجت مصر الهيدروجين الأخضر والأمونيا لأول مرة من حزان السد العالي في أسوان فيما كانت مصر في ذاك الوقت ثاني أكبر اقتصاد في أفريقيا، لكنها كانت تمتلك شبكة طاقة غير متطورة ما جعلها تستخدم الكهرباء الناجمة عن السد العالي للسوق المحلي.
وكان إنتاج الهيدروجين والأمونيا الأخضر لصناعة الأسمدة مخصصا للسوق المحلي فيما تستهلك البلاد حاليا حوالي 1.8 مليون طن متري من الهيدروجين ما يعادل مقدار استهلاك ألمانيا، أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي.
وبفضل مناخها وموقعها الاستراتيجي، تتوفر مصر على إمكانيات هائلة لاستغلال طاقة الرياح والطاقة الشمسية
في خليج السويس ما يمهد الطريق أمام أن تكون البلاد مركزا هاما لمصادر الطاقة المتجددة فضلا عن كونها تمتلك سوقا داخلية كبيرة، فيما شهدت الأشهر الماضية تقديم دعم من الحكومة ومؤسسات وشركات دولية.
وفي مقابلة مع DW، قالت هايكه هارمغارت، العضو المنتدب لمنطقة جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، إن التعاون مع "صندوق (مصر) السيادي وإعطاء الأولوية لتحلية المياه للحصول على المياه لإنتاج الهيدروجين الأخضر فضلا عن تحسين المناطق الاقتصادية الخاصة ...كلها تعد خطوات هامة".
هل تدفع أوروبا ضريبة "أحلام اليقظة" في أزمة الطاقة؟
ويتوقع خبراء توقيع مصر عشرات الاتفاقيات ومذكرات التفاهم مع شركات ومؤسسات دولية خلال مؤتمر المناخ "كوب 27" الذي يُعقد في منتجع شرم الشيخ في الفترة من السادس إلى الثامن عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.
ويقول الخبراء إن هذه المذكرات ترمي إلى المضي قدما في الاتفاقات الإطارية لتعزيز انتاج مصادر طاقة متجددة في مصر فيما قالت الحكومة المصرية إنها تعتزم إطلاق استراتيجيتها للهيدروجين الأخضر خلال فعاليات المؤتمر.
تزايد اهتمام الشركات الأجنبية
وفي سياق متصل، أكد مسؤولو البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية على تزايد الاهتمام بهذا القطاع في مصر فيما لم يتوقف الأمر على المؤسسات الأوروبية إذ دخلت شركات هندية على خط المنافسة.
وفي ذلك، قال سومانت سينها، رئيس مجلس الإدارة شركة "رينيو باور" الهندية، إن الشركة تعمل "مع السلطات المصرية للوصول إلى اتفاق إطاري مع مراعاة تنفيذ الاتفاقية خلال مؤتمر المناخ".
وأضاف رئيس شركة "رينيو باور"، التي تعد إحدى كبرى شركات الطاقة المتجددة
في الهند، أنه يتوقع اكتمال الدراسات التفصيلية للمشروع "في الفترة ما بين ثلاثة إلى ستة أشهر المقبلة وهو ما سيؤدي إلى اتخاذ قرارات بشأن الاستثمار بحلول منتصف العام المقبل".
في المقابل، شدد علي حبيب، الخبير والمستشار المصري في شؤون الطاقة، على جهود الحكومة المصرية في تسهيل الاستثمار في هذا المجال. وفي مقابلة مع DW، أضاف "جرى تخصيص مساحات شاسعة على طول نهر النيل بمعدل أكبر من حجم سنغافورة من اجل استغلال طاقة الرياح والطاقة الكهروضوئية. وسوف يجرى إنشاء خطوط طاقة مخصصة لنقل الكهرباء الأخضر إلى مشروع الهيدروجين في ميناء العين السخنة".
وتعد شركة "سكاتك" النرويجية الرائدة في توليد الطاقة الجديدة والمتجددة، من بين الشركات التي ترددت الأنباء أنها سوف توقع اتفاقيات في مصر في نوفمبر / تشرين الثاني.
يشار إلى أن شركة "سكاتك" تعمل في الوقت الحالي على تطوير مشروع للهيدروجين الأخضر بقدرة 100 ميغاواط بالتعاون مع كلا من شركة " فرتيغلوب" المتخصصة في إنتاج الأسمدة النيتروجينية ومقرها الإمارات وشركة "أوراسكوم" المصرية للإنشاءات وصندوق مصر السيادي.
وقالت الشركة في مقابلة مع DW" نعمل مع شركائنا في مرحلة مبكرة على تطوير منشأة لإنتاج الأمونيا الخضراء في مصر بطاقة إنتاجية تبلغ مليون طن سنويا وإمكانيات للتوسع للوصول إلى طاقة إنتاجية تصل إلى ثلاثة ملايين طن".
انضمام شركاء جدد
وفي الوقت الذي تعتزم فيه مصر تعزيز علاقتها الجيدة مع دول التكتل الأوروبي واليابان والصين وروسيا، تأمل أيضا في جذب استثمارات من شركات ليس لها حضورا في السوق المصرية بما في ذلك شركات من الهند وأستراليا والسعودية والإمارات.
ترمي مصر من ذلك إلى أن تلعب دورا جيوسياسيا كبيرا من خلال تقديم نموذج تنموي لبقية بلدان القارة الإفريقية عبر إنشاء روابط جديدة بخلاف الشركات والمؤسسات الأوروبية.
ورغم ذلك، يظل الاتحاد الأوروبي السوق المنطقي لأن يكون وجهة الهيدروجين الذي سوف يُصدر من مصر على شكل أمونيا.
وفي مقابلة مع DW، قال راجات سيكساريا، الرئيس التنفيذي لشركة "أكمي" الهندية، إنه من المرجح أن تكون وجهة "الأمونيا الخضراء من مصر إلى المستهلكين في أوروبا والشرق الأقصى".
ويرى خبراء وشركات أن الأسواق الأوروبية ستكون أكثر ربحية بسبب القرب الجغرافي من مصر.
خطط ومشاريع طموحة.. هل بدأت "ثورة الطاقة الشمسية" في أفريقيا؟
بعض العقبات
ورغم الاستثمارات والطموحات، إلا أن مجال الهيدروجين الأخضر في مصر ما زال يواجه عقبات. وفي ذلك، قال حبيب، الخبير في مجال الطاقة والذي شارك في تأليف ورقة بحثية عن آفاق الهيدروجين في مصر نشرها معهد أكسفورد لدراسات الطاقة، إن العقبة الرئيسية لا تتمثل في "إنتاج الهيدروجين وإنما في تخزينه ونقله".
ويقول الخبراء إن المشروعات الخضراء في مصر ستفضل على المدى المتوسط انتاج الطاقة عن طريق الرياح، لكن بعض مصنعي التوربينات المستخدمة في توليد طاقة الرياح أفادوا بوجود بعض المشاكل مؤخرا.
وفي هذا السياق، تحاول شركة "فورتسكو لصناعات المستقبل" الأسترالية المتخصصة في مجال الطاقة الخضراء والتي أبرمت مذكرة تفاهم مع الحكومة المصرية لبناء منشأة للهيدروجين الأخضر، ضخ استثمارات مباشرة لإنتاج المكونات الرئيسية لهذه المنشأة.
وفي مقابلة مع DW، قال معتز قنديل، رئيس الشركة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إن الشركة "تتطلع إلى تصنيع ما يمكنها تصنيعه في أماكن مثل الولايات المتحدة في أعقاب قانون خفض التضخم. إننا نفعل ذلك بالفعل في أستراليا".
يشار إلى أن الشركة قد أبرمت عدة اتفاقيات للهيدروجين الأخضر بما في ذلك اتفاقيات مع شركة ألمانية وأخرى بلجيكية.
وفي ذلك، قالت هايكه هارمغارت، العضو المنتدب لمنطقة جنوب وشرق البحر الأبيض المتوسط في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، إن مصر قد تجني مكاسب في حالة بيع الغاز في الأسواق الدولية بدلا من استخدامه في محطات الطاقة غير الفعالة فيما لن يكون الهيدروجين الأخضر خيارا للشركات المحلية بشكل تلقائي.
وفي سياق متصل، قال حبيب "أسعار الغاز في أوروبا أكثر مقارنة بالأسعار من مصر، لذا فإنه بالنسبة للصناعات المحلية (في مصر) لا يوجد دافع للانتقال إلى الهيدروجين الأخضر".
لكنه حذر من أن الأوضاع قد تتغير عندما ينفذ الاتحاد الأوروبي خطته الرامية إلى فرض ضرائب على الواردات عالية الكربون.
سوق الهيدروجين
يشار إلى أن الحكومة المصرية تتفاوض في الوقت الراهن مع الاتحاد الأوروبي لإبرام اتفاقية شراكة في مجال الهيدروجين فيما تتوقع المفوضية الأوروبية إحراز بعض التقدم في الخريف.
ويقول مسؤولو البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية إن مصر يمكن أن تلعب دورا في استراتيجية الاتحاد الأوروبي الهامة الخاصة بالمواد الخام.
بدورها، أكدت هارمغارت على ذلك بقولها: "من المحتمل أن تصبح مصر أكثر جاذبية بمرور الوقت لمجموعة كبيرة من المستثمرين لا سيما مع إنشاء مناطق اقتصادية خاصة".
ويرى خبراء أن من شأن هذه المناطق الاقتصادية الخاصة أن تسهل الاستثمار وتحد من البيروقراطية فضلا عن أنه تقدم حوافز للمستثمرين الأجانب.
وفي حالة نجاح، يمكن أن يكون إنتاج الصلب الأخضر في مصر مجالا للاستثمار في المستقبل.
وفي ذلك، قال سروش بصيرات، المحلل في "معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي"، إن بعض أكبر مصانع الصلب "تقع قرب قناة السويس مما يسهل إنتاج ونقل الهيدروجين الأخضر إلى تلك المصانع."
وأضاف "يعد نقل الهيدروجين عائقا أمام الدول التي لا تستطيع إنتاجه محليا، لكن هذا ليس الحال بالنسبة لمصر".
سيرجيو ماتالوتشي / م ع