طائرات مقاتلة دون طيار تحت مجهر القانون الدولي
٣٠ يوليو ٢٠١٢
الأميركيون يستخدمون هذه الطائرات خاصة في ما يعرف ب "الحرب ضد الإرهاب"، وذلك من أجل التجسس أو توجيه ضربات ضد المقاتلين الأعداء. وغالبا ما يتم التحكم في الطائرات بدون طيار وتوجيهها عن بعد من مراكز عسكرية من الولايات المتحدة. وحسب تقديرات مستقلة عن المكتب الأميركي للصحافة الاستقصائية فإن أكثر من 3000 شخص قتلوا في هجمات لطائرات أمريكية بدون طيار في الفترة ما بين 2004- 2012 في باكستان و 800 على الأقل من الذين لقوا حتفهم هم من المدنيين.
"عقوبة إعدام دون محاكمة عادلة"
النيابة العامة في ألمانيا تحقق الآن لأول مرة ضد هذه الممارسة المثيرة للجدل، وذلك بعد ما يقرب من عامين من أجل تحديد مدى أحقيتها في أن تتبع هذا الملف الشائك، خاصة وأنه من المحتمل أن تكون هذه الممارسة مخالفة للقانون الدولي، لأن استخدام الولايات المتحدة طائرات مقاتلة بدون طيار قد لا يتناسب مع العرف الدولي، وهو أمر مثير للجدل من الناحية القانونية
يوخن هيبلر من معهد دويسبورغ للتنمية والسلام يعتبر الهجمات الأمريكية لطائرات مقاتلة بدون طيار خاصة في باكستان أمرا مثيرا للجدل، خاصة وأن الموقف الرسمي للحكومة الباكستانية يعارض هذه الممارسة. ويضيف الخبير في التدخلات العسكرية في مقابلة له ل DW: " لدينا مشكلة تتمثل في أن الضربات العسكرية توجه ضد دولة ليست في حالة حرب، وبهذا تكون هذه الهجمات غير شرعية بموجب القانون الدولي". من جهة أخرى فإن قتل الناس الذين يشتبه أنهم من الإسلاميين المتطرفين لا يتناسب كليا مع القانون الدولي: "سواء في الولايات المتحدة أو في ألمانيا هناك آراء تستند إلى حجج وجيهة، تعتبر أن هذه الممارسة هي عبارة عن عقوبة الإعدام لأناس يتم اتهامهم وقتلهم دون محاكمة أو مسطرة قانونية "
تعريفات مبهمة
منذ أن بدأ جورج دبليو بوش "الحرب على الإرهاب" تتخطى الولايات المتحدة القانون الجنائي الداخلي وتعطي تعريفات غامضة ومبهمة من أجل تبرير ممارساتها العسكرية ، فهي لا تعتبر الإرهاب مجرد جريمة فقط، بل عملا من أعمال الحرب وتصنف الإرهابيين على أنهم مقاتلين محاربين. وفي هذه الحالة تصبح القوانين الدولية للنزاعات والحروب بين الدول سارية المفعول أيضا على هذه الأنواع من الممارسات التي تجيز قتل مقاتلين أعداء - حتى لو كانت هناك خسائر بين المدنيين أيضا. ولكن مسألة ما إذا كان بن يامين يعتبر مقاتلا محاربا في نزاع مسلح، يبقى هو السؤال المركزي الذي يطرحه المدعي العام.
ولكن حتى حق مهاجمة وقتل مقاتلين يرتبط بمجموعة من المعايير التي يجب احترامها ومراعاتها. هذا ما يؤكد عليه مارتن كال، الذي شارك في تأليف تقرير السلام لسنة 2012، ولكن هذه المعايير تبقى في غالبيتها غامضة وقابلة للتأويل كما يشير كال :"في الحقيقة يجب أن يكون الشخص يقاتل بشكل فعال ، يعني هذا في أسهل الحالات، أن يكون لديه بندقية ويشارك مباشرة في العمليات القتالية ضد الجنود الأمريكيين". ولكن هذا على وجه التحديد ما لا ينطبق على معظم القتلى في هجمات الطائرات بدون طيار للولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك فإن القانون الدولي للحروب يطالب بموازنة و" تناسب" اتخاذ قرار توجيه ضربة قاتلة للإرهابيين المشتبه بهم وأعداد الضحايا المدنيين المحتمل وقوعهم. ولكن خبير أبحاث السلام يعيب على القانون الدولي للحروب أنه لا يقدم أي معلومات دقيقة ومضبوطة حول ما هو بالضبط "متناسب". وبهذا تبقى هذه المعايير المبهمة قابلة للتأويل وسوء الاستخدام.
قتل انتقائي لمنع العنف؟
إحدى الحجج الأمريكية في استخدام طائرات مقاتلة بدون طيار، على حد تعبير كال، هي أن هذه الهجمات تدخل في باب القتل المستهدف للمتشددين الإسلاميين وهو "الشر الصغير"، وذلك بهدف منع " الشر الكبير". ويعتبر كال أن استخدام الطائرات المقاتلة بدون طيار بالنسبة للولايات المتحدة ،من وجهة نظر عسكرية، تبقى وسيلة ناجحة للغاية: "لقد استطاعت الولايات المتحدة عبر هذه الممارسة قتل الكثير من أنصار تنظيم القاعدة وكبار الإسلاميين المتطرفين في بلدان مثل اليمن ، مما ساهم في نشر الرعب بين صفوف الشبكات الإرهابية وعرقلة نشاطاتها وتحركاتها". وعلاوة على ذلك فإن هذه العمليات لا تخلف قتلى من الجانب الأمريكي وبواسطة التقنية الدقيقة نسبيا لهذه الطائرات فإنها تستهدف مناطق محددة مما يخلف في غالب الأحيان عدد ضحايا وقتلى أقل من الأشكال الأخرى للحرب.
ولكن كال يعتبر أن هذا النوع من الحروب يثير مخاوف أخلاقية، لأن السياسيين قد يتعاملوا مع هذا النوع من الحروب باستهتار ومجازفة، باعتبارها أداة ناجعة للسياسة، لأنها عبارة عن حرب بالتحكم عن بعد، لا تخلف قتلى في الجنود ومن الناحية المالية هي غير مكلفة نسبيا ولا تثير معارضة داخلية كبيرة لأن الشعب لا يلمسها بشكل كبير.
التحقيق ضد "مجهول"
ولا زال البحث قائما في ما إذا كانت حالة بن يامين ستنتهي برفع دعوى قضائية ضد الولايات المتحدة الأمريكية. فإذا كان الهجوم مخالفا للقانون الدولي، فإن السلطات الألمانية، كما يقول يوخن هيبلر، سترسل على الأرجح طلب استفسار من الطرف الأميركي، ويضيف: " لا أعتقد أن الأميركيين سيبحثون عن إسم الشخص الذي ضغط على زر انطلاق الطيارة في تلك اللحظة الحاسمة ".
سلطات التحقيق الألمانية أمام قضية معقدة وشائكة، خاصة وأن مصلحة الشرطة الجنائية لعبت أيضا دورا أساسيا في تحديد مكان بن يامين، وذلك عبر معلومات المغادرة وبيانات الهاتف التي تبادلتها مع أجهزة الأمن الأمريكية.
أمين بنضريف/ روتا كريستين
مراجعة: محمد المزياني