ضحايا الطائرات الأمريكية ينشدون العدالة الألمانية
٢٥ مايو ٢٠١٥لن ينسى فيصل بن علي جابر ليلة التاسع والعشرين من آب/أغسطس 2012. في تلك الليلة كان مع أبناء عائلته في حفل عرس بقرية الكشامير بشرق اليمن. وفجأة أُطلقت خمسة صواريخ من طائرة أمريكية بدون طيار. المهندس جابر نجا بأعجوبة من تلك العملية. لكن ابن أخيه وليد وأحد أقربائه، يدعى سالم لقيا حتفهما. وعلى مثل هؤلاء يطلق دبلوماسيون وسياسيون أو عسكريون مصطلح "أضرار جانبية" في الحرب على الإرهاب. وطبعاً لم تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية مقتل وليد وسالم. لكن القضية الآن وصلت إلى القضاء الألماني وستعرض بعد غد (27.05.2015 ) على محكمة كولونيا الإدارية.
حسب المحامي أندرياس شولر، فإن هذه هي المرة الأولى في العالم، التي يلجأ فيها أقارب ضحايا الطائرات بدون طيار إلى محكمة للنظر فيها قضائيا. ويلقى شولر دعماً من المجلس الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان. ويرى الحقوقي أن ألمانيا تتحمل قسطاً من الذنب بسبب وجود قاعدة رامشتاين الجوية الأمريكية على أراضيها. إذ من قاعدة رامشتاين يتحكم الأمريكيون بطائراتهم عبر الأقمار الاصطناعية. "كل هجوم بالطائرات بدون طيار على باكستان واليمن، يتم بمساعدة من أجهزة التحكم والمراقبة انطلاقا من رامشتاين"، كما يقول المحامي شولر في حديثه مع DW.
ألمانيا كمركز لعمليات الطائرات بدون طيار
تبلغ مساحة القاعدة الجوية الأمريكية في رامشتاين، القريبة من مدينة كايزرزلاوترن، 1400 هكتار. ويحتاج المسؤولون والسياسيون الألمان إلى إذن خاص لدخول القاعدة الأمريكية. ورامشتاين هي أكبر مطار عسكري أمريكي خارج حدود الولايات المتحدة. وهنا يوجد مركز العمليات الجوية والفضائية، حيث يعمل 650 جندياً لخدمة 1500 كمبيوتر حيث ينسقون الهجمات الجوية لأهداف في اليمن والصومال وأفغانستان وباكستان وربما في دول أخرى. وترسل الطائرات بدون طيار معلومات وبيانات عبر الأقمار الصناعية إلى رامشتاين.
وحسب رأي الحقوقي الألماني يورغن تودنهوفر، الذي عمل سابقاً قاضياً في المنطقة وكان عضواً في البرلمان الألماني ويعتبر من اشهر الصحفيين الألمان، فإن الهجمات الأمريكية بهذه الطائرات تشكل عمليات قتل. ولذك فهو يدين أيضا الدور الذي تلعبه ألمانيا في هذه الهجمات: "انطلاقا من رامشتاين تتم أعمال قتل في عدة أماكن في العالم، بدون سند قضائي يسمح بذلك. القتل يتم في جميع أنحاء العالم". تودنهوفر زار العديد من المناطق، التي تم قصفها بطائرات من دون طيار ومنها إقليم وزيرستان الواقع على الحدود الباكستانية الأفغانية. ويضيف تودنهوفر أن محام أكد له في حديث هاتفي، أن 90 بالمائة من عدد الضحايا في تلك العمليات هم من المدنيين.
فوارق شاسعة بين عدد المطلوبين وعدد الضحايا الأبرياء
من خلال الاطلاع على تقرير نشرته منظمة ريبريف Reprieveالبريطانية، تزداد الشكوك في حقيقة عمل تلك الطائرات التي "تصيب أهدافها بدقة" كما تدعي الإدارة الأمريكية. وحسب تقرير لهذه المنظمة غير الحكومية، فقد لقي 1147 شخصاً حتفهم حتى الآن، رغم أن الهجمات كانت تستهدف قتل 41 شخصاً فقط، مسجلين على قائمة المطلوبين للرئيس الأمريكي باراك أوباما. الطائرات الأمريكية حاولت مثلا ست مرات قتل بيت الله مسعود، زعيم إحدى القبائل الباكستانية، ولكن دون جدوى. وفقط خلال هجومها للمرة السابعة تمكنت من قتلته عام 2009، لكن بعد قتل 164 شخصاً من الأبرياء.
ويقول أمريث سينغ من مبادرة "العدالة في المجتمع الأمريكي"، إن الشروط التي وضعها أوباما لتنفيذ هجمات بطائرات بدون طيار لا يتم الالتزام بها عند التطبيق. ومنها مثلا استحالة إلقاء القبض على الشخص المطلوب، أو تهديده للأمن القومي الأمريكي بشكل مباشر. ويضيف في تقرير نشرته منظمته في شهر نيسان/ أبريل الماضي، أنه تم تصفية مطلوبين، وكان من الممكن إلقاء القبض عليهم من طرف السلطات اليمنية. ويحتوي التقرير المذكور على شهادات من أقرباء الضحايا، وعن ذلك يقول سينغ: "هؤلاء الناس يطالبون بالاعتراف بمعاناتهم وآلامهم جراء تلك الهجمات. إنهم يريدون معرفة سبب تعرضهم للهجوم، وريدون بالدرجة الأولى سماع كلمة العدل في ذلك".
قد يحصل المواطن اليمني فيصل بن علي جابر على كلمة حق أمام المحكمة الألمانية. غير أن ذلك لن يعوض له فقدان ابن أخيه، الذي هاجم تنظيم القاعدة في خطبة له قبل أيام قليلة من موته. لم تكن تلك هي خطبته الأولى لمواجهة القاعدة، ولكنها كانت الأخيرة.