ضاقت أبواب أوروبا.. فهل يسعى أردوغان لزعامة شرق أوسطية؟
١٨ أبريل ٢٠١٧تتجه الأنظار إلى ما ستؤول إليه العلاقات التركية الأوروبية بعد نتائج الاستفتاء التي ستتيح للرئيس رجب طيب أردوغان توسيع صلاحياته. الإصلاحات الدستورية التي وافق عليها حوالي 51 في المائة من الناخبين الأتراك تواجه انتقادات في الغرب، وتخوفات من أن تؤسس لنظام استبدادي في تركيا.
بيان الاتحاد الأوروبي حول نتائج الاستفتاء جاء حذرا، وركز على أن الأوروبيين سيراقبون كيفية تطبيق الإصلاحات في ضوء التزامات تركيا بوصفها دولة ترغب بالانضمام الاتحاد الأوروبي. واعتبرت بعض العواصم الأوروبية أن النسبة التي انتهى بها الاستفتاء توضح أن هناك انقساما كبيرا في تركيا حول هذه الإصلاحات. إردوغان رد على هذا بتلويحه إلى إجراء استفتاء حول مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كما رفض الانتقادات الأوروبية لسير الاستفتاء.
إذن، في ظل استمرار التوتر والتصعيد بين تركيا والدول الأوروبية، هل يدير أردوغان ظهره للأوروبيين، بعد فوزه في الاستفتاء، ويتوجه بدلا من ذلك نحو التركيز على دور زعامة في الشرق الأوسط؟ وهل هو في الموقع المناسب لممارسة هذه الزعامة؟
أزمة غير مسبوقة
يُجمع مراقبون على أن العلاقات بين تركيا والأوروبيين لم تكن يوما علاقات مثالية وعرفت عدة أزمات، لكن على الأرجح لم يسبق أن عرفت توترا بالمستوى الذي عرفته مؤخرا. وأبرز ما وتر العلاقات في الفترة الأخيرة، اتهام عواصم أوروبية أردوغان بقمع المعارضة وحرية التعبير خاصة منذ المحاولة الانقلابية الفاشلة وهو ما ترفضه أنقرة بشدة. بالإضافة إلى اتهام مسؤولين ألمان جهات تابعة للسلطات التركية بممارسة التجسس داخل ألمانيا، القوة المركزية في الاتحاد الأوروبي والتي يعيش فيها أكثر من 3 ملايين تركي.
الاستفتاء الذي أجري حول إصلاحات دستورية تعطي صلاحيات أكبر للرئيس التركي، شكلت أيضا موضوع خلاف وسجال مع الأوروبيين وصل إلى حد اتهام أردوغان لدول أوروبية بالنازية والفاشية بعد منعها تجمعات لمسؤولين أتراك تروج للإصلاحات. كل هذا جعل البعض يرى أن الانفصال التام بين تركيا والاتحاد الأوروبي بات وشيكا.
لكن رغم كل هذا يرى الكاتب الصحفي ورئيس تحرير موقع رأي اليوم، عبد الباري عطوان، أن أردوغان لا يمكنه التخلي بهذه السهولة عن جارته الغربية، ويشرح ذلك في لقاء مع DW عربية بالقول: "قد لا تكون مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي مهمة بالنسبة لأردوغان الآن، لكنه بالتأكيد حريص على الحفاظ على علاقات قوية مع الاتحاد الأوروبي فحجم التبادل التجاري بين الطرفين ضخم جدا. بين تركيا وألمانيا لوحدها ما قدره 36 مليار دولار من المبادلات التجارية". وأضاف بالقول" ولا ننسى أن الاقتصاد التركي حاليا يعيش وضعا حرجا، فالليرة التركية فقدت من قيمتها، ومستوى النمو تراجع إلى أقل من 3 بالمائة، البطالة وصلت إلى 12 بالمائة، والسياحة تراجعت بنسبة 50 بالمائة مع العلم أن معظم سياح تركيا من أوروبا".
ما مستقبل انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي؟
ويضيف عطوان أن العلاقات لن تتغير لأن نتائج الاستفتاء لن تغير الكثير، "فالعلاقات كانت متوترة أصلا قبل الاستفتاء. وقبله أيضا كان أردوغان صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تركيا وبالتالي لن يتغير شيء، بل بالعكس أعتقد أن أردوغان قد يسعى الآن إلى تلطيف الأجواء مع الأوروبيين".
نفس الطرح يتبناه نبيل عبد الفتاح الخبير المصري في الشؤون التركية في مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، ويقول في تصريحات لـDW عربية: "أردوغان ما كان ليبقى في السلطة كل هذا الوقت لولا الأوروبيين، وبالتالي إذا عزل نفسه عن الأوروبيين والأمريكان خاصة بالنظر إلى حجم معارضيه في الداخل، والذي أثبتت نتائج الاستفتاء أن نسبتهم كبيرة، فلن يستطيع الاستمرار في السلطة. بالتالي لا أتوقع أن يتغير شيء في العلاقات التركية الأوروبية. أما من ناحية الأوروبيين فسياستهم مع أردوغان ستتوقف على الكيفية التي سيطبق بها الإصلاحات الجديدة".
ويميز عبد الفتاح بين مستويين في العلاقات التركية الأوروبية؛ الأول هو علاقات تاريخية عريقة "تتجاوز أردوغان" وبنيت على ركائز ثقافية واقتصادية، فالطرفان تربطهما اتفاقية تجارية ونظام جمركي، بالإضافة إلى اتفاق اللاجئين، وكلاهما عضو في حلف الناتو.
والمستوى الثاني هو مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وفيما يخص هذه النقطة يقول الخبير المصري "إن هناك تفاهما الآن بين الطرفين على أن تركيا لن تحصل على عضوية الاتحاد، لكن المفاوضات ستبقى لأنها مفيدة للطرفين: من جهة إردوغان يستخدمها لأغراض داخلية دعائية كما فعل مع الاستفتاء كما أن الأوروبيين لا تكلفهم المفاوضات شيئا، ففي كل مرة يضيفون شروطا جديدة لتركيا. البقاء في المفاوضات أفضل بالنسبة لهم من الإعلان رسميا وبشكل صريح عن أن تركيا لن تنضم للاتحاد فهذا سيؤثر سلبا على العلاقات مع الأتراك".
هل يكون الشرق الأوسط بديلا لأوروبا؟
وبينما يتزايد التصعيد بين تركيا وأوروبا، يتوقع بعض المراقبين أن يتوجه أردوغان الآن نحو التركيز على زعامة في الشرق الأوسط خاصة بعدما تقوى النفوذ التركي في المنطقة خلال السنوات الأخيرة، وتزايدت أهمية الدور التركي في عدد من الملفات الإقليمية، في ظل الحديث عن ظهور تكتل سني في المنطقة في مواجهة إيران.
ويقول عبد الفتاح إن الشرق الأوسط كما هو الآن ليس بساحة جاذبة لأردوغان. ويشير بالقول "لا أعتقد أنه قد يعوض الاتحاد الأوروبي، أكبر شريك تجاري لبلاده بالشرق الأوسط المتوتر، فالمنطقة مليئة بالأزمات، كما أن الدول المركزية في المنطقة لن تقبل بهذه الزعامة: من جهة إسرائيل، ومن جهة أخرى إيران المنافس الكبير، وهناك مصر التي تربطها علاقات متوترة مع أنقرة. وفوق كل هذا السعودية التي قد تقبل بتعاون مع الأتراك في المنطقة لكنها بالتأكيد لن تقبل بزعامة سنية غير عربية. قد تقبل السعودية بمصر على رأس تكتل سني ولكن ليس بتركيا".
ويرى عطوان أيضا أن أردوغان لم يُخْف يوما طموحاته لتزعم معكسر سني في الشرق الأوسط لكن ذلك يبدو صعب المنال على أرض الواقع لكون منافذه إلى العرب، سوريا والعراق، شبه مغلقة. بالإضافة إلى أن الزعامة تحتاج علاقات جيدة وهذا ما لا يملكه أردوغان، ويختم بالقول :"حتى الحليف السعودي يعيش أوضاعا سياسية واقتصادية صعبة في الوقت الحالي".
الكاتبة: سهام أشطو