"صِرْ ألمانِيَّاً"ـ فيلم وثائقي يسلط الأضواء على الاندماج
١٤ يونيو ٢٠١٣تحرك إنصاف عزام رأسها إلى الأسفل لتقرب عينيها من كتاب مفتوح أمامها وتقرأ منه بألمانية مكسرة: "هل مازال هناك شاغر للعمل كخادمة منزل؟". في إحدى صباحات فصل الشتاء كان موضوع الدرس هو تعلم العديد من العبارات المتعلقة بسوق العمل على طريقة تبادل الأدوار. وتتابع هذه الشابة ذات الأصول السورية، التي ترتدي حجابا خفيفا يكشف ملامحها، دروس الاندماج في برلين إلى جانب مستفيدين آخرين من حوالي عشرين دولةً كبنغلادش، الأرجنتين وبعض دول أوروبا الشرقية.
فيلم يختزل عشرة أشهر من الدروس
وقامت المخرجة بريت باير Britt Beyer بمرافقة المستفيدين من تلك الدروس لمدة عشرة أشهر والنتيجة هي فيلم وثائقي يحمل عنوان " صِرْ أَلمانياً". ويُعتبر الفيلم نظرةً غيرَ مألوفةٍ على موضوع سياسة الهجرة. وتقول المخرجة باير البالغة من العمر خمسةً وأربعينَ عاماً: "لقد تصورت في البداية أن الأمر أكثر تعقيداً". لكن المهاجرين كانوا منفتحين معها. فيلم "صِرْ ألمانِيَّا". هو فيلم مُفعم بالمشاعر ويَعج بمشاهد مُضحكة ويُعالج موضوع الاندماج بطريقة نقدية.
فالعديد من المشاركين في دروس الاندماج يعيشون في ألمانيا منذ عقود بيد أنهم لا يشعرون أنهم في بلدهم، كما هو الحال بالنسبة لإنصاف التي جاءت إلى ألمانيا قبل عشرين عاماً برفقة زوجها. ولا تشعر إنصاف مع زوجها أنه مُرحب بهم. ولم تتمكن إنصاف من تعلم اللغة الألمانية في السنوات التي خلت كما أن الحي الذي تعيش فيه في برلين يَعج بالمهاجرين العرب والمحلات العربية ما يجعل التواصل باللغة العربية ممكناً.
تعلم اللغة الألمانية أو ترك البلاد!
بعد مشاركتها في دروس تعلم اللغة والثقافة الألمانية حصلت عائلة إنصاف عزام على تأشيرة إقامة تصل مدة صلاحيتها عامين مُستوفيةً شرط اللغة. وفي السابق لم تكن مدة صلاحية تأشيرة الإقامة تتعدى أشهراً قليلةً. لكن إنصاف تعاملت مع تلك الدروس كفرصة لتعمل اللغة الألمانية لأنها لا تريد أن تشعر أنها جسم دخيل على المجتمع الألماني.
ويضع المشاركون نصب أعينهم هدف النجاح من الامتحان النهائي والحصول على الشهادة ما يجعلهم تحت الضغط. فالمشاركون الذين يرسبون في الامتحان يتم خفض المساعدات الاجتماعية التي يحصلون عليها من طرف الدولة. وفي أسوأ الحالات يتم إبعاد الراسبين عن ألمانيا.
ويدفع المستفيدون من دروس الاندماج مبلغ يورو واحد لساعة تعلم وهو عرض مغرٍ. كما بعث السياسيون الألمان إشارات للاعتراف بالمهاجرين كجزء كامل من المجتمع الألماني وليس كضيوف. وتقول المخرجة بريت باير: "لقد تطلب الأمر خمسين سنةً حتى تمت إتاحة فرصة الاستفادة من دروس الاندماج للمهاجرين".
محتوى الدروس يثير التحفظ
غير أن محتوى الدروس يطرح علامات استفهام. فحب النظام، الاجتهاد، الالتزام بالوقت قيم يتم تلقينها للمشاركين على أساس أنها فضائل وخصائص "ألمانية"، وهي صورة نمطية تتسم بالتعالي. وترى بريت باير أن الوقت حان للتخلص من تلك التصورات النمطية لأنها أصبحت متجاوزةً في نظرها. وترى أن إبراز القيم سابقة الذكر على أنها خصال تميز الهوية الألمانية يمكن أن ينطوي على خوف الألمان من أن يفقدوها؟ فدروس الاندماج ـ كما ترى باير ـ فرصة لإبراز ودعم التعدد الثقافي في ألمانيا.
ماذا بعد الحصول على الشهادة؟
وفي نهاية الفيلم الوثائقي يتم تصوير إنصاف وهي تتسلم شهادة النجاح في دروس الاندماج. لكن هل ستصبح بفضل هذه الشهادة جزءاً من ألمانيا؟ وهل ستشعر أنها أصبحت "مندمجةً" بعد عيشها لعقود في مجتمع موازٍ؟. الجواب ليس بالضرورة إيجابياً، فألمانيا لا تزال تتبع سياسة " الاندماج بالتقسيط".