صمت غربي ومعارضة "مقموعة"- أيعتزم السيسي البقاء رئيسا للأبد؟
١٧ أبريل ٢٠١٩كان من المفروض، حتى الآن، أن يسلّم الرئيس عبد الفتاح السيسي السلطة إلى رئيس جديد في عام 2022؛ لأن دستور عام 2014 يحدّد فترتين كحدٍ أقصى لحكم الرئيس؛ لكن مشروع التعديل الدستوري، الذي صوّت عليه البرلمان المصري مؤخراً، والمتضمن لعدة تعديلات، منها تحويل مدة الرئاسة من 4 إلى 6 سنوات، لا يضيف للسيسي سنتين فقط في ولايته الحالية، بل يعطيه أيضا الحق لوحده حصراً في ولاية ثالثة، ما يجعله يبقى في سدة الحكم إلى عام 2030، من الناحية النظرية. ويبرّر المشروع التعديل بالقول إن "الواقع العملي أظهر القصر الشديد لمدة الرئاسة"، وهو أمر "غير ملائم للواقع المصري المستقر".
لكن هناك من يرى أن تعديلاً من هذا القبيل، قد لا يكون سوى مقدمة لتعديلات أخرى قادمة تتيح للسيسي البقاء فترة أطول في حكم مصر، أو حتى مدى الحياة، إذ قد يكون المشروع الدستوري الجديد تمهيداً لاستنساخ نموذج أسلاف السيسي قبل ثورة يناير، عندما بقي جمال عبد الناصر في المنصب إلى حين وفاته، وأنور السادات حتى اغتياله، ومن بعده حسني مبارك حتى خلعه.
"لا داعي لها أم إرادة شعب؟"
فقط 22 نائباً من أصل 596 نائباً في مجلس النواب هم من اعترضوا على التعديلات. تصويت بكل هذه الكثافة على السيسي لم يكن مفاجئاً، إذ يشير أستاذ العلوم السياسية حسن نافعة، في حديث مع DW عربية، إلى أن "البرلمان المصري يعبّر عن الأجهزة الأمنية أكثر ممّا يعبّر عن خريطة القوى الاجتماعية والسياسية في مصر"، مبرزاً أن تشكيلة مجلس النواب الحالي لا يوجد بها تيارات فكرية حقيقية، بل "أغلبيتة المجلس الساحقة داعمة للسيسي". ويعود ذلك، حسب نافعة، إلى سيطرة الدولة على مجلس النواب، بتقديم الانتخابات الرئاسية على الانتخابات البرلمانية؛ وبذلك يتمكن الرئيس من إصدار القوانين حسب رؤيته.
حصل السيسي في انتخابات 2014 و2018 على نسبة هائلة اقتربت من مئة في المئة، في عودة إلى النسب الخيالية، التي يحققها الرؤساء العرب في الانتخابات التي تمدّد حكمهم، وتبين بالتالي أن الوفاء لمطلب الشارع إبان الثورة بحصر مدة الرئاسة، أمراً مثارَ شك كبير، لتؤكد التعديلات الجديدة هذا الشك، خاصةً مع حجم الدعاية الداخلية، التي رافقت الرئيس المصري خلال السنوات الأخيرة.
ويبرز حسن نافعة أن الدافع الوحيد لهذه التعديلات هو "إعطاء السيسي فرصة البقاء في السلطة أكبر فترة ممكنة أو حتى مدى الحياة". ويتحدث أستاذ العلوم السياسة عن أنه من الناحية الواقعية، لم يكن هناك أيّ داعٍ لهذه التعديلات، لأن التعديل الدستوري يتم عادة عندما تكون هناك حاجة ماسة وإجماع على ضرورة تحسين النظام السياسي، بينما في مصر "الدستور أصلاً لم يطبق ومواد كثيرة تم تجميدها وأخرى انتهكت".
لكن محمد أبو حامد، أحد أعضاء البرلمان الذين أيدوا التعديلات الدستورية يصر على أن التغييرات ضرورية. وقال لفرانس برس الثلاثاء "دستور 2014 كتب في ظل ظروف استثنائية صعبة". وأشاد أبو حامد بالسيسي كرئيس قائلا إنه "اتخذ تدابير سياسية واقتصادية وأمنية مهمة ... (و) يجب أن يواصل إصلاحاته" في مواجهة الاضطرابات التي تجتاح البلاد المجاورة خصوصا بعد الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير مؤخراً وتصاعد النزاع في ليبيا. وقال إن بقاء السيسي في السلطة يعكس "إرادة الشعب".
ولا تقف التعديلات عند التمديد في مدة الرئاسة، فقد أعطت الرئيس صلاحية تعيين نائب أو نواب له، يحلون محله إذا كان هناك مانع مؤقت في مزاولة مهامه. ومن أكبر معالم التعديلات، تمكين الرئيس من صلاحيات قضائية كبيرة، كتعيين رؤساء الجهات والهيئات القضائية، ورئاسته -إلى جانب مسؤولين آخرين- للمجلس الأعلى للجهات والهيئات القضائية، وتعيينه للأمين العام لهذا المجلس، وكذلك للنائب العام من بين ثلاثة مرشحين، يرشحهم مجلس القضاء الأعلى، واختياره رئيس المحكمة الدستورية من بين أقدم خمسة نواب لرئيس المحكمة.
ومن جانبه، يقول عمرو مجدي من منظمة "هيومن رايتس ووتش" لـDW ألماني، إن الجميع يدرك أن هناك استبداداً عسكرياً في مصر منذ يوليو/ تموز 2013، "لكن السلطة تريد أن تنصّ على هذا الاستبداد في الدستور، وللبدء بذلك يجب أن يبقى الرئيس لمدة أطول".
مواجهة المعارضين بأساليب "خاصة"
بعيداً عن الموقف التقليدي لجماعة الإخوان المسلمين، التي ترفض الاعتراف أصلاً بالسيسي رئيساً، تنشط عدة أحزاب في رفض التعديلات الدستورية. ويعدّ تجمع "الحركة المدنية الديمقراطية" من أكبر حركات المعارضة، ومن أبرز قادته حمدين صباحي، المرّشح الأسبق للرئاسة، ومحمد أنور السادات، النائب السابق بالبرلمان، والحقوقي الشهير جورج إسحاق، كما توجد حركة الاشتراكيين الثوريين، وأعضاء من تكتل 25-30، الذين نشطوا داخل البرلمان في الدعاية لرفض التعديلات الدستورية.
غير أن وجود هذه المعارضة لا يعني وجود مناخ للتعبير السياسي: "الوضع حالياً أسوأ مما عليه الوضع عام 2011.. فرغم أن الدستور كان يمنح حسني مبارك الحق في الترّشح لمدد غير محددة، إلّا أن هامشاً ضيقاً من الحريات كان موجوداً، وكان يمكن ظهور حركات معارضة، أما الآن، فتسود حالة من الخوف بين المعارضين الذين يُمنعون من إسماع صوتهم في الإعلام" يقول حسن نافعة.
يتفق عمرو مجدي مع فكرة عدم وجود معارضة، إذ يشير إلى أنها لا تمثل داخل المجلس سوى 2 أو 3 بالمئة، والبرلمان الحالي لا يقوم بأيّ وظائف تؤكد دوره الحقيقي، بينما يعاني المعارضون داخل البرلمان من حملات تشهيرية واسعة، تصل إلى حد تسريب أمور تخصّ حياة بعضهم الخاصة بل وحتى فتح تحقيق قضائي معهم بناءً على تهم أخلاقية، ما أدى إلى خروج أحدهم من البلاد. ويتساءل مجدي: "إن كان هذا الحال مع أعضاء البرلمان، فيمكنكم تخيّل ما يجري للمحتجين السياسيين في الشارع".
إلّا أن الدولة المصرية تدرك أن هناك "معارضة إلكترونية" لا تقل ضراوة، فزيادة على استخدام الشخصيات والأحزاب المعارضة للمواقع الاجتماعية لانتقاد التعديلات، خلقت حملة "باطل" ضجة واسعة بجمعها أكثر من 320 ألف توقيع على موقعها لرفض التعديلات (الرقم يرتفع مع مرور الوقت). وقد أشار أصحاب الحملة إلى أن الموقع حُجب أكثر من مرة، وهو ما أكدته منظمة "نت بلوكس" التي أوردت أن مصر حظرت حوالي 34 ألف نطاق.
الموقف الغربي من السيسي
في شهر فبراير/ شباط الماضي، رد السيسي بلهجة حادة في قمة شرم الشيخ، التي جمعت القادة الأوروبيين والعرب، على دعوات الغرب لاحترام حقوق الإنسان في بلاده وقال: "أتكلم بكل صراحة وبكل ثقة.. لن تعلمونا إنسانيتنا وقيمنا وأخلاقياتنا"، علماً بأن القمة انعقدت بعد أيام قليلة على إعدام تسعة شباب مصريين، في محاكمة مثيرة للجدل، نددت بها منظمات حقوقية دولية.
في شرم الشيخ انتهى النقاش حينها بصورة مشتركة وبإعلان تعزيز التعاون ودعم جهود محاربة الإرهاب وغير ذلك. وبعدها بحوالي شهر ونصف، استقبل دونالد ترامب السيسي ووصفه بـ"الرئيس العظيم" متجاهلاً الرد على سؤال يخصّ موقف ترامب من التعديل الدستوري، قبل أن يتضمن بيان رسمي من البيت الأبيض، حثاً للحكومة المصرية، على حماية حقوق الإنسان، مقابل الإشادة بدورها في الاستقرار بالشرق الأوسط ومن ذلك التزامها بالسلام مع إسرائيل.
"تصريحات الغرب بالدفاع عن حقوق الإنسان موجهة بالأساس للمنظمات الحقوقية الدولية، أما سياساته، فهي لا تدافع سوى عن مصالحه" يقول حسن نافعة، مبرزاً أن الغرب يفضل نظاماً كنظام السيسي لأغراض تخصّ محاربة الإرهاب، وتمرير أجندات سياسية أهمها صفقة القرن عبر التنسيق مع السعودية والإمارات والتعاون مع إسرائيل لدفع الفلسطينيين نحو قبول الصفقة، زيادة على مراقبة حركة الهجرة واللجوء في اتجاه أوروبا.
وتمتد المصالح الغربية –المصرية إلى مجال التسليح لتقبر كل محاولة حقيقية للضغط، وهو ما يؤكده عمرو مجدي بالقول: "كل الدول الأوروبية تصمت أمام ما يجري في مصر، بل وتُجري صفقاتِ تسلح مع الحكومة المصرية، وهي الأسلحة التي يمكن أن تستخدم في قمع الشعب المصري والناشطين المسالمين".
الكاتب: إسماعيل عزام