صمت النساء عن العنف الأسري يحمي الجناة ويعيق ملاحقتهم
٣ ديسمبر ٢٠١٦السيدة كاتيا شنايد -التي تبلغ من العمر 46 عاما- تعيش حاليا في بلدة صغيرة في ولاية هيسن الألمانية. وتتذكر السيدة الضربات الأولى التي وجهها شريك حياتها إليها آنذاك وتضيف قائلة: "ضربني بشكل أوجب عليّ الذهاب إلى المستشفى"، ومع إشارتها إلى أن صديقها كان تركياً، فقد بدا وكأن تلك الصور النمطية المنتشرة في المجتمع أصبحت واقعا، بل إن الناس من محيطها الاجتماعي أخذوا في توجيه اللوم إليها فيما حدث، لأنها اختارت العيش مع أجنبي، كما قالوا. لكن ممارسة أعمال العنف ضد النساء في ألمانيا لا تقتصر على شريحة اجتماعية دون أخرى.
السيدة شنايد ذهبت مرة لزيارة أمها في بلدة قريبة من بلدة الشريكين. وتأخرت لبعض الوقت هناك. كما حدث ازدحام في في الطريق لدى عودتها إلى البيت. وغضب شريكها لتأخرها، كما استغربت هي أيضا من موقفه هذا، وتتذكر قائلة: " لم أفهم موقفه هذا، فمن السخرية أن يغضب الإنسان لهذا السبب فقط". وكانت النتيجة أنه "استخدم العنف في حقها بشكل لم تكن تتصوره بتاتاً"، وبعدما انتهى من ضربها استقلت السيدة المعنفة سيارة أجرة نقلتها إلى قسم المستعجلات.
استولى عليها شعور بالخجل عندما سألها الطبيب عن سبب الإصابات التي لحقت بها. "قلت له إني سقطت في الدرج"، ولم يقتنع الطبيب بهذا الجواب ملاحظاً "أني أعمل في مهنتي منذ أكثر من ثلاثين عاما ولم أرَ سقوطا في الدرج بهذا الشكل الخطير". وبقيت صامتة إلى أن غادرت قسم المستعجلات بكسر في أضلاعها وتمزقات في رجليها، حيث وجب خياطتهما. "لم أستطع آنذاك التنفس بسبب الأوجاع"، تضيف السيدة. "كان ذلك قبل 26 عاما".
إحصائيات عام 2015
كل سيدة من أربع سيدات هن عرضة لأعمال العنف الأسري في ألمانيا. ولأول مرة قام المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة BEK برصد عدد حالات العنف الأسري لدى الشرطة والنتيجة هي أن عام 2015 شهد 104 آلاف حالة من حالات تعنيف النساء من قبل شريك الحياة. ويشكل ذلك نسبة الثلث من مجموع عدد كل النساء المعنفات في ألمانيا بصفة عامة.
وصرح رئيس المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة هولغر مونش أن " للعنف ضد النساء صوراً كثيرة"، فهناك 16.200 حالة تهديد وحوالي 66 ألفاً من حالات الإصابة بجروح خفيفة وَ 11 ألف حالة من الجروح الخطيرة. كما تم قتل 331 سيدة من قبل شركائهن في الحياة، يضاف إلى ذلك حالات لا يمكن تحديد أسبابها بشكل واضح، كما يشرح رئيس المكتب الاتحادي لمحاربة الجريمة، مونش، مضيفاً أن "النساء ضحايا أعمال العنف الأسري لهن شعور بعدم وجود مخرج من أوضاعهن، ولذلك يفضل العديد منهن عدم الحديث عن ذلك".
أوقات صعبة
جاء شريك حياتها الى المستشفى وانتظرها هناك جالسا وهو يبكي، ثم اعتذر لها عما حدث، ولكنها ودت فراقه، لذلك كان شريك الحياة ينام خارج غرفة النوم في حين استمرت هي في البحث عن سكن لها لوحدها. آنذاك كانت فترة إعادة الوحدة المانية "وكان من الصعب الحصول على شقة مقابل سعر إيجار معقول".
عند الهروب من محيط المعنفين تفقد النساء في كثير من الأحوال التمويل والإعالة. وإن لم يحصلن على مكان في ملاجئ النساء المعنفات فعليهن استئجار شقة قد يدفع مكتب الضمان الاجتماعي تكاليفها ولكن شقق السكن الاجتماعي قليلة بصفة عامة. كما قد تكون هؤلاء النساء عرضة لأعمال انتقامية من طرف المعنف، وفي كثير من الأحيان يفضلن العيش معه على خلفية أن "الوقت الآن غير مناسب للقيام بمثل هذه الخطوة"، وهذا ما حدث أيضا بالنسبة للسيدة شنايد، حيث إنها استمرت في العيش معه، رغم ما قام به من عنف في حقها.
إحدى زميلاتها في المخبز الذي كانت تعمل فيه السيدة شنايد لبعض الوقت عايشت العديد من المواقف العنيفة للرجل تجاه شريكة حياته، حيث إنه ضربها مرة لدرجة لم تتمكن معها من الذهاب إلى العمل. ولذلك سألت الزميلة عنها في بيتها، غير أن شريك السيدة شنايد استقبلها في باب الشقة وأخبرها أنها ذهبت في زيارة لأمها. ولم تقتنع الزميلة بما حكى الرجل لأن سيارة الزميلة كانت واقفة بالقرب من العمارة، ولذلك فإنها قامت بإخبار الشرطة. واتضح لاحقا أن السيدة شنايد كانت حقا في البيت وأنها كانت مرة أخرى ضحية عنف شريك حياتها. وفي وقت لاحق انتقلت السيدة المعنفة للعيش مع أمها ثم إلى ميونيخ وبعدها إلى أماكن أخرى، حيث إنها حصلت على حماية مستمرة من الشرطة.
الشعور بالخجل يؤدي الى الصمت الطويل
تتحدث السيدة شنايد الآن عن التعنيف الذي لحق بها في الماضي بثبات ووعي. وتحكي أنها كانت من النساء الأوائل اللواتي حصلن على رخصة لسياقة وسائل النقل العمومية في ولاية هيسن. العديد من الناس لا يتصورون أنها "كانت ضحية أعمال عنف" ، حيث إنها تتحدث وتركز حاليا على مواضيع الاندماج وقضايا المرأة والمجتمع من خلال العديد من الكتب التي ألفتها عن تجربتها مع العنف والتعنيف. وهي تؤكد أن الحديث داخل المجتمع الألماني عن المواضيع المرتبطة بالعنف ليس بالأمر الهين، لأن ذلك لا يرتبط فقط بالضرب والتهديدات، ولكن أيضاً بمشاعر الخجل والريبة والصدمات النفسية والتي تدفع بضحايا العنف الى الصمت الطويل.
الوزيرة الاتحادية لشؤون النساء مانويلا شفيزيغ أكدت على ضرورة اهتمام السياسة أيضا بهذا الموضوع مشيرة إلى أن "العنف الأسري ليس قضية شخصية، بل إنه عمل يستحق العقاب ويلزم متابعته جنائيا". قبل ثلاثة أعوام تم تشغيل رقم هاتفي للمكالمات الخاصة بحالات الطوارئ في هذا الإطار. ويتم تنسيق المشروع من طرف المؤسسة الاتحادية لمواجهة العنف ضد النساء وهو الاتحاد الذي يقوم برعاية المراكز الاستشارية في ألمانيا في هذا الموضوع، وقد لوحظ ارتفاع عدد الضحايا الذين يرغبون في الحصول على مثل تلك الاستشارات.
ماكسيميليان كوشيك/ ع.ع