صلاح عمو.. عندما يصبح الفنان اللاجئ جسراً بين وطنين
٢ ديسمبر ٢٠١٨لم يكن من السهل على صلاح عمو "تجاوز عتبة ألم اللجوء"، لكن الحياة بالنسبة للفنان السوري لن تتوقف، بل وحتى إنه بدأ يبني جسرا بين ثقافة بلده الأم سوريا ووطنه الجديد النمسا، من خلال مشاريع عديدة.
لوحة تجريدية مطرزة بألوان مشرقة، ومصابيح إنارة خزفية على الطراز الشرقي، وآلة البزق الموسيقية، بالإضافة إلى أوان نحاسية علمت فيما بعد أنها للعلاج بالموسيقى. هذه هي الأشياء التي تجذبك للحظات الأولى عندما تدخل غرفة المعيشة في بيت الفنان السوري صلاح عمو؛ الشاب ذو الشعر المفلفل الذي استقبلنا في بيته الواقع في حي وسط العاصمة النمساوية فيينا، حيث يعيش مع زوجته وابنه الوحيد أوميد.
وصل الموسيقي السوري (٤٠ عاماً) لاجئا إلى النمسا قبل ستة أعوام، بعد سنوات قضاها في تعلم وتعليم الموسيقى بالإضافة إلى المشاركة في العديد من المهرجانات والحفلات داخل سوريا وخارجها.
يقول صلاح عمو لمهاجر نيوز: "من الصعب جداً أن يكون لديك كل ما تريده، وتكون على طريق تحقيق طموحاتك، ثم ترى نفسك فجأة لاجئاً في مخيم".
قصة حب مبكرة مع الموسيقا
بدأت قصة حب صلاح للموسيقا منذ الصغر وبعفوية، كما يقول، عندما كانت تغني له والدته وهو صغير وهي تعمل في بستان بيتهم في الدرباسية، مدينته التي تقع شمال سوريا. وقد ظهرت نتائج هذا الحب العفوي أول مرة للعيان بشكل واضح عندما غنى على المسرح لأول مرة وهو في الثانية عشرة من العمر، وذلك في إحدى الحفلات المدرسية.
بعد إكمال البكلوريا ذهب صلاح إلى دمشق ليتعلم اللغة الفرنسية من أجل أن يسافر إلى فرنسا لدراسة هندسة الكمبيوتر، كما خطط له والداه، لكن حبه للموسيقى جعله يتمسك بالموسيقى ويدرسها في المعهد العالي للموسيقا في دمشق، ويؤسس فيما بعد فرقة "جسور" لنشر موسيقا شعوب بلاد الشام والرافدين.
يقول صلاح: "أردنا أن نبني جسوراً بين الثقافات المختلفة ونسلط الضوء على العلاقة بينها"، ويضيف: "كنا نسعى لإظهار تنوع الهوية السورية بكل أبعادها الإثنية والثقافية والجغرافية". ورغم أن جهود جسور توجت بألبوم إلا أن صلاح وزملاؤه لم يقيموا له حفل إصدار. يقول الموسيقي السوري: "أنهينا الألبوم ولكن قررت أننا لن نقيم له حفل إطلاق حتى يتوقف القتل ويعم السلام والأمان في سوريا، وهذا ما لم يتحقق حتى الآن"، مضيفاً إلى أن حال فرقتهم الآن يعكس الوضع السوري، حيث أن أعضاءها مشتتون في مختلف أنحاء البلاد.
تفاصيل صغيرة تضاف لصعوبات اللجوء
يستذكر الفنان السوري قصة لجوئه ويقول بصوت هادئ لا يخلو من تنهدات قصيرة: "خرجت من سوريا إلى بريطانيا، حيث كنت أريد أن أدرس موسيقا الشعوب هناك، لكن نتيجة ظروف الحرب لم أستطع إكمال ذلك وأصبحت لاجئاً"، ويضيف: "قدمت اللجوء في بريطانيا لأنه لم يكن لدي خيار آخر، لكن بنفس الوقت كانت لدي فيزا من النمسا، فقاموا بترحيلي إلى هنا بحسب اتفاقية دبلن".
وخلال مرحلة اللجوء، لم يعاني صلاح عمو من العوائق الاجتماعية للاندماج في المجتمع الجديد، كما يقول، بل واجه صعوبات كانت قد تبدو تفاصيل صغيرة، لكن بالنسبة له لم تكن كذلك. لكن الفنان السوري استطاع تجاوز هذه الصعوبات خصوصاً بعد أن "تجاوز عتبة الألم التي يمر بها اللاجئ"، ويقول: "بالتأكيد أنا حزين لما حصل في سوريا وللسوريين، لكنني أدركت حقيقة أن الحياة يجب أن تستمر".
"بالتميز يجد المرء له مكاناً"
كان طموح صلاح هو أن يجد لنفسه مكاناً في فيينا، رغم أنه كان يدرك منذ البداية صعوبة أن يجد الموسيقي لنفسه مكاناً على المسارح التي عزف فيها موزارت وغيره من عمالقة الموسيقى العالمية. يقول الفنان السوري: "ليست الصعوبة فقط أن المدينة غنية جداً بالموسيقيين والموسيقى الكلاسيكية، ولكن لأنها أيضاً ليست منفتحة كثيراً على موسيقا العالم".
لكن كيف استطاع صلاح أن يجد لنفسه موطئ قدم في مدينة الموسيقا؟ "بالتميز والخصوصية" حسبما يقول، ويضيف: "هناك احترام كبير للتميز هنا، وهذا ما عملت عليه منذ البداية، أن أجعل لنفسي طابعاً خاصاً، بالعمل أكثر على خصوصيتي وبيئتي المحلية ولون الموسيقى التي أقدمها"، ويتابع: "أعتقد أن الفنان إذا أتقن فنه المحلي واستطاع أن يترجمه ويوصله إلى الناس فإن هذه هي العالمية ذاتها لأن العالم الخارجي لكل إنسان هو انعكاس لما في داخله".
ومنذ أن وصل الموسيقي السوري إلى النمسا قام بعدة مشاريع موسيقية لتكون جسوراً بين ثقافات المنطقة التي ينحدر منها، وبين ثقافة وطنه الجديد.
ومن أهم المشاريع التي قام بها هو مشروع مشترك مع الموسيقار النمساوي بيتر غابيز، والذي توج بإطلاق ألبوم مشترك باسم "العاصي: قصر نهر سوري". وقد لاقى مشروعهما نجاحاً حيث وصل إلى المرحلة النهائية للجائزة النمساوية لموسيقا العالم.
أما المشروع الأحدث للفنان السوري فهو مشروع "ديوان فيينا" مع موسيقيين من أوركسترا فيينا السمفوني، والذي يعقد عليه آمالاً كبيرة، ويسعى فيه لدمج الموسيقا الكردية والعربية بالموسيقى الكلاسيكية التي تعرف بها فيينا.
"الوطن إحساس"
أحد مشاريع الأخرى التي عمل عليها صلاح عمو، هو مشروع "روابط سورية" الذي يسعى من خلاله لجمع الفنانين االسوريين الذين يعيشون في النمسا في نشاطات مشتركة. يقول صلاح عنه: "نريد أن نظهر سوريا كبلد لديه ثقافة وليس فقط كبلد يأتي منه اللاجئون".
يقول الفنان السوري: "الآن وبعد سنوات من وصولي أستطيع أن أقول إنني وجدت مكاناً يشبهني وأشبهه، رغم أنني لم أختره بنفسي"، ويتابع: "أحس أن النمسا وطني، أو على الأقل وطني البديل".
ويضيف صلاح: "أعرف أن البلد أو الوطن هو مفهوم معقد ومركب، لكن في النهاية فهو إحساس أيضاً، وهذا ما أشعر به. هنا أشعر بالأمان وأشعر بأنني أستطيع أن أكون ذاتي وأن أكون صلاح، وأن أنجز الموسيقى التي أريدها، وأعمل مع الناس الذين أريدهم. وهذا ما يعطيني إحساس الوطن".
ويرى الموسيقي السوري أنه يقوم من خلال أعماله الفنية ونشاطاته بإيصال رسالة إلى وطنه الجديد أن لديه ما يستطيع تقديمه للنمسا، ويضيف: "هناك رسائل ثقافية ومتعلقة بالموسيقى أريد أن أوصلها، وهذا ما يكون من خلال لعب دور في الحياة الثقافية هنا، وهذا ما أراه يتحقق الآن".
محيي الدين حسين