صفقة تسليم الكيمياوي تعيد الازدحام لشوارع دمشق
٢٠ سبتمبر ٢٠١٣مها، 58 سنة، موظفة في دائرة حكوميّة وتسكن في منطقة برزة، وهي مضطرة إلى عبور العديد من الحواجز كل يوم لتصل إلى عملها. تقول لـ DW عربية في وصف ازدحام شوارع العاصمة: "أعتبر نفسي محظوظة جداً إن استطعت المرور خلال 40 دقيقة على حاجز التفتيش. وفي ساعات الذروة قد ننتظر أكثر من ساعة كي نعبر. عند توارد الأخبار عن قرب موعد الضربة الأمريكية خفت حركة الناس عموماً وسافر العديد إلى قراهم. لم يبق في البناء الذي أسكن فيه، وهو مؤلف من ثماني شقق، إلا عائلتي وعائلة أخرى. شعرنا بوحشة فظيعة إلا أننا لم نعد نضطر إلى الانتظار على الحاجز أكثر من عشر دقائق. أما اليوم فقد عاد الازدحام ليصبح أسوء مما كان عليه سابقاً، خصوصاً مع إغلاق شوارع وطرق جديدة وبدء دوام المدارس على فترتين".
شوارع مزدحمة ومقاه فارغة
تتحول شوارع دمشق المزدحمة نهاراً إلى شبه فارغة مع حلول المساء، لتختفي السيارات بشكل شبه تام مع تقدّم ساعات الليل، أما المقاهي والمطاعم فقد هجرها روّادها العديدون رغم أنها كانت تشكّل ملتقى دائماً لهم. يعلل فراس (36 سنة) ذلك بالارتفاع الكبير للأسعار وانخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية ويقول: "إنّ عملي كمهندس اتصالات في شركة خاصة يؤمّن لي راتباً شهريّاً مرتفعاً. كنت ألتقي أصدقائي في المقهى بشكل يومي، أما الآن فلم نعد نلتقي إلا نادراً بسبب ارتفاع الأسعار. لقد شعرت بالارتياح للمبادرة الروسيّة، أشعر أنني كسبت المزيد من الوقت، فاقترحت على أصدقائي أن نلتقي مثل "أيام زمان" دون أن نفكر بمصاريف هذا اللقاء".
أما أيمن (21 سنة) فيعمل في أحد مقاهي دمشق، ويخبر DW عربية عن ملاحظته لزبائن جدد أتوا مع التهديدات الأمريكية وغادروا معها: "ينخفض عدد الزبائن بتواتر في المقهى نتيجة الغلاء والظروف المعيشيّة الصعبة، إلا إنّ التهديدات الأمريكية أتت بالعديد من الزبائن الجدد. كانوا سعداء جداً بلقاء بعضهم، وكأنهم بحاجة لموعد مع الموت ليلتقوا من جديد. لقد وعدونا بالعودة إلى المقهى إذا بقوا أحياء بعد الضربة على حد تعبيرهم، ولكنهم لم يعودوا مع المبادرة الروسية".
المبادرة الروسية تقسم السوريين
عاد سكّان دمشق لروتينهم اليومي بعد انخفاض حدّة التهديدات الأمريكية إثر اتفاق وزيرا خارجية الولايات المتحدة وروسيا كيري ولافروف، وتشغل المبادرة الروسيّة اليوم بال العديد من السوريين لينقسموا بين مؤيّد ومعارض حول موضوع جديد.
بعد العديد من المحاولات استطعنا إقناع فادي (28 سنة) بلقاء مع DW عربية لسؤاله حول موقفه كمؤيّد للنظام السوري من المبادرة الروسية واتفاق كيري – لافروف.
سألنا فادي عن رأيه بموافقة الحكومة السورية على وضع السلاح الكيمياوي السوري تحت الإشراف الدولي فقال: "قدّمت سوريا في عام 2001 مشروع قرار بنزع أسلحة الدمار الشامل في المنطقة إلى مجلس الأمن، تم رفضه حينها. وموافقة الحكومة على المبادرة الروسية اليوم منسجمة تماماً مع مشروع القرار الذي قدمته عام 2001. إضافة إلى أنّ الحكومة بهذه الموافقة جنبّت الشعب السوري عدواناً، سيذهب ضحيته عشرات الآلاف من المدنيين بالإضافة إلى تدمير ما بقي سالماً من البنية التحية. وبالتالي فإن ذلك يُعدّ انتصاراً للدبلوماسية السورية بمقدار ما تتجنبه من خسائر بشرية ومادية".
أمّا إن كان تنفيذ المبادرة الروسية يمس بمفاهيم السيادة والممانعة والمقاومة التي يرتكز عليها مؤيدو النظام السوري في دفاعهم عنه فيقول فادي: "لا أعتقد بأن المبادرة تمس السيادة السورية، لأن دخول البعثة الدولية إلى سورية سيتم بموافقة الحكومة وبالتنسيق معها، كما أنني لا أعتقد أنّ وضع السلاح الكيمياوي تحت الإشراف الدولي يؤثر على محور المقاومة والممانعة، لم تستخدم المقاومة اللبنانية عام 2006 السلاح الكيمياوي في ردّها على إسرائيل، بل استخدمت أسلحة سورية تقليدية كانت كافية لردع العدوان الإسرائيلي وانتصار محور المقاومة".
"مناورة للبقاء في الحكم"
ويرى الكثير من السوريين أن سياسة النظام السوري وتعنّته أدّت إلى تدخّل العديد من الدول العربية والغربية في الشأن السوري بشكل سافر. بناء على ذلك لا تتوافق آراء سلمى (32 سنة) مع آراء فادي أبداً، فرغم معارضة سلمى للنظام إلا أنها لا تشعر بالراحة إزاء تسليم النظام لأسلحته الكيمياوية، وتعتقد أنها مناورة من النظام لتأجيل الضربة والدخول في مفاوضات لا نهاية لها.
تقول سلمى لـ DW عربية: "يراهن النظام دوماً على عامل الوقت، وتعتمد سياسته على النّفس الطويل للبقاء في الحكم. لم يكتف بزجّ الجيش في مواجهة مع الشعب وقصف سوريا بأسلحتها وتدمير البنية التحتية، بل يقوم اليوم بتسليم جزءٍ من سلاحها الاستراتيجي. شخصيّاً لا أعتقد أن الضربة الأمريكية كانت ستؤدي إلى إسقاطه، ولكن المبادرة الروسية ستؤدي بالتأكيد إلى إطالة وتأزم الوضع في سوريا، إضافة إلى أنها تفسح المجال لدول أخرى لتتدخل بشكل أكبر وأكثر خطورة في السياسة السورية".
ينسى كلّ من فادي وسلمى مواقفهما، حين يقفان على الحاجز وسط زحمة المرور والأخبار وغلاء الأسعار، ويحاولان مع غيرهما من السوريين العيش (كل يوم بيومه) وتحقيق انتصار صغير بالبقاء على قيد الحياة.