صفقة أسلحة جديدة: من تحارب السعودية بالمدرعات الألمانية؟
٤ ديسمبر ٢٠١٢
لا أحد يدري أيّ من خواص المدرعة الألمانية "بوكسر" استهوت السعودية فأقدمت على طلب المئات منها. ولعل أهم ما في هذه المدرعة هو مرونة تغيير مهامها خلال ساعة لتصبح سلاحا يناسب متطلبات ميدانية محددة. فهي يمكن أن تكون ناقلة أشخاص بعجلات معدة لنقل 8 - 10 مقاتلين، أو عربة إسعاف مدرعة تخلي الإصابات من ميدان المعركة، أو عربة قتال في الشوارع ذات سرعة تصل إلى 80 كيلومترا في الساعة. كما أنها تحمل مدفعا من عيار 120 ملم دقيق الإصابة لإمكانية توجيهه الكترونيا، وقابل للتفكيك خلال ساعة. ويمكنها أن تكون عربة قيادة تحمل أجهزة اتصال على الموجة القصيرة أو البعيدة وتعمل في المناطق السكنية. بوكسر يمكن أن تحور في المستقبل لتمسي منصة لحمل أسلحة مقاومة طائرات قصيرة المدى.
"المملكة تعتمد سياسة تنويع مصادر السلاح"
وربما كانت هذه الميزات جميعها وهذه القدرة العالية على المناورة في استخدام المدرعة هي السبب في قرار المملكة العربية السعودية شراءها، لاسيما وأن بعض الخبراء يرون أن المملكة تواجه أخطارا من اتجاهات متعددة، وهي بذلك في حاجة إلى أسلحة حديثة للتصدي لها. مصطفى العاني مدير قسم الدراسات الأمنية والدفاعية في مركز الخليج للأبحاث، وفي حديث إلى DW عربية يرى أن السعودية تواجه مخاطر الحوثيين على حدودها مع اليمن، ومخاطر الوضع الأمني في العراق، وأن أحدا لم يتوقع حدوث اشتباك كبير استمر نحو 3 أشهر مع الحوثيين على حدود المملكة مع اليمن . العاني أشار إلى أن هناك "تهديدات إيرانية ولكنها ليست بالضرورة تهديدات برية، لكن المملكة دخلت الآن مرحلة تجديد أسلحتها، وبسبب مساحتها الشاسعة تحتاج إلى الدروع لدرء الأخطار الخارجية التي تهددها".
للمعارضة السعودية رأي مخالف، ففي حديثه مع DW عربية أشار فؤاد إبراهيم الباحث والمعارض السياسي السعودي إلى أن السعودية سعت منذ ثمانينات القرن الماضي إلى الحصول على الدروع الألمانية، لكن حكومة المستشار الأسبق هلموت كول آنذاك كانت ترفض هذا الطلب السعودي لسببين، أولهما، أمن إسرائيل، والثاني قضية الديمقراطية وحقوق الإنسان. ويضيف إبراهيم قائلا: "فألمانيا لم تكن تريد أن تدعم أنظمة مستبدة تنتهك حقوق الإنسان، لكن المستشارة ميركل وبعد وصولها إلى الحكم بدأت تغير من هذه السياسة".
وفي معرض تحليله للغطاء الشرعي لصفقة الأسلحة أشار إبراهيم إلى أن القانون الألماني يحظر نشر تفاصيل الصفقات العسكرية، وهو يعاقب كل من يبوح بأسرار الصفقات "وهذا القانون هو الذي يفسر إقبال السعودية على طلب أسلحة من ألمانيا".
"مدرعات بوكسر للحرس الملكي الذي يحمي العائلة المالكة"
ولا يخفى أن نسبة كبيرة من ترسانة الأسلحة السعودية هي أمريكية الصنع، وهذا بحد ذاته يثير تساؤلات المراقبين حول اختيار السعودية لمصدر تسليح غير أمريكي لتجهيزها بأسلحة إستراتيجية.
مصطفى العاني عزا ذلك إلى رغبة المملكة في تنويع مصادر أسلحتها إذ إن "هناك عقودا مع الصين، وبريطانيا، والبرازيل، وضمن هذه السياسة عقدت الصفقة مع ألمانيا". وأثنى العاني على السلاح الألماني مبينا أنه يحظى باهتمام كبير في المنطقة.
أما المعارض السعودي فؤاد إبراهيم فذهب إلى أن "صفقة مدرعات بوكسر مخصصة لتسليح الحرس الملكي السعودي، وهي وحدات مختصة بحماية العائلة المالكة التي بدأت تشعر بمخاوف على مكانتها بعد ثورات الربيع العربي".
وفي معرض تبريره لاختيار المملكة شراء دبابات ومدرعات من ألمانيا، أشار إبراهيم إلى أن سلسة من الفضائح ارتبطت بصفقات الأسلحة مع الولايات المتحدة وبريطانيا ومن بينها فضيحة صفقة اليمامة. ولفت المعارض السعودي إلى أن " ولي العهد ووزير الدفاع السعودي الحالي الأمير سلمان بن عبد العزيز يملك علاقات قديمة مع ألمانيا، وقد يكون هو الذي يقف وراء هذه الصفقة".
"المشكلة تكمن في أن النظام السعودي يفتقر إلى جيش يؤمن بدولته"
يشار إلى أن السعودية تمتلك ترسانة أسلحة كبيرة أغلبها من مصادر أمريكية، كما أن تضم أراضيها قاعدة للقوات الأمريكية هي قاعدة الأمير سلطان الجوية وقد انتقل معظم عناصرها الأمريكيين إلى قطر في السنوات الأخيرة. وتثير رغبتها في شراء أسلحة ومدرعات مخاوف ناشطين في حقوق الإنسان من أن توجه هذه الأسلحة إلى معارضة محتملة في المملكة أو في دول الخليج مستذكرين في ذلك ما جرى في مملكة البحرين قبل أشهر.
في هذا السياق ، أشار المعارض فؤاد إبراهيم إلى أن الجزيرة العربية تحولت اليوم إلى مخزن كبير للأسلحة الغربية وليس للمملكة مشكلة في الأسلحة "لكن المشكلة تكمن في أن النظام السعودي يفتقر إلى جيش يؤمن بدولته ومستعد للتضحية في سبيلها"، حسب تعبيره.
وذكّر إبراهيم بما جرى عند أول خطر تعرضت إليه المملكة بعد غزو صدام لدولة الكويت، فقد صدر قرار الملك باستدعاء القوات الأمريكية ، وبناء تحالف دولي للدفاع عن الجزيرة وعن الكويت .
المعارض السعودي إبراهيم اعتبر أن صفقة السلاح "هي محاولة من الحكومة السعودية لشراء تحالف مع ألمانيا، وكذلك الأمر في مشترياتها من السلاح الأمريكي والبريطاني والفرنسي، فهي تريد التحالفات وليس الأسلحة بذاتها".