صفقات السلاح السعودية..استراتيجية بن سلمان تخترق قيم الغرب
٦ أبريل ٢٠١٨خلال سنوات قليلة من توليه وزارة الدفاع ثم ولاية العهد بالمملكة العربية السعودية نجح الأمير محمد بن سلمان في تعميق شراكات المملكة العربية السعودية مع دول الغرب كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا بينما تبدو ألمانيا حذرة. كان أحد تجليات هذه الشراكات إبرام صفقات تسليح بمليارات الدولارات، رغم المعارضة الشديدة داخل هذه البلدان ومن منظمات حقوقية دولية عدة، بحجة استخدام التحالف العربي الذي تقوده السعودية لحرب الحوثيين في اليمن لانتهاكات وصفت بأنها جرائم حرب في حق المدنيين، ورغم ذلك تم تمرير أغلب صفقات التسليح.
صفقات بمليارات الدولارات
بلغ حجم صادرات السلاح الأمريكي إلى السعودية خلال فترة 2015 - 2017 أكثر من 43 مليار دولار. وشملت معدات وأسلحة عسكرية ومروحيات وسفن حربية ودبابات آبراهامز إضافة إلى طائرات حربية.
وفيما يتعلق ببريطانيا فإن حجم الصفات العسكرية خلال فترة 2015 - 2017 التي أبرمتها مع السعودية فاقت 13 مليار جنيه استرليني، شملت أسلحة وذخائر ومعدات عسكرية.
أما موسكو فقد وقعت معها الرياض صفقات شملت تزويد المملكة بمنظومة الصواريخ الروسية الشهيرة إس 400 "تريومف"، إضافة إلى فتح مصنع لإنتاج بنادق كلاشنيكوف في المملكة. وبلغت قيمة الصفقات نحو 3 مليارات دولار.
ليسوا سواء
ويستعد الأمير محمد بن سلمان لزيارة باريس ولقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهي زيارة تأتي وفي خلفيتها ضغوط قوية تمارس على ماكرون وصلت إلى حد تقديم طلب رسمي بفتح تحقيق برلماني بشأن مدى قانونية مبيعات الأسلحة الفرنسية للتحالف الذي تقوده السعودية للحرب في اليمن.
مديرة الفرع الفرنسي لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" بينيديكت جينرود قالت إن "الرياض تقود تحالفاً قتل وجرح آلاف المدنيين، وأن عدداً من هذه الهجمات قد تكون جرائم حرب"، وأضافت "بمواصلتها بيع السعودية أسلحة، يمكن أن تصبح فرنسا شريكة في انتهاكات خطيرة للقانون الدولي وتوجه رسالة مفادها الإفلات من العقاب إلى القيادة السعودية".
الحكومة الفرنسية دافعت عن إجراءاتها الخاصة بصادرات الأسلحة للسعودية وقالت إنها تمتلك "نظاماً متيناً وشفافاً لمراقبة تصدير المعدات الحربية" وتتخذ قرارات التصدير "في إطار احترام صارم لالتزامات فرنسا الدولية"، فيما أكد مكتب رئيس الوزراء الفرنسي أن "إجراءات المراقبة المتعلقة بقضية اليمن تم تعزيزها بشدة في الأشهر الأخيرة".
لكن وعلى الجانب الآخر، أوقف مجلس الأمن الاتحادي الألماني تصدير الأسلحة للدول المشاركة في حرب اليمن، فيما أوقفت النرويج صفقات تصدير السلاح للإمارات للسبب ذاته، وتلوح في الأفق إجراءات مماثلة من دول أوروبية أخرى بسبب ضغوط شعبية وبرلمانية.
تفادي الضغوط باللعب على التناقضات
وعلى الرغم من وقف الحكومة الألمانية تصدير السلاح للسعودية بسبب القوانين الصارمة المتعلقة بهذا الأمر، إلا أن عمليات تصدير السلاح لفرنسا لا تخضع لنفس الضوابط المعتمدة لدى بعض حلفائها، إذ تقرها لجنة يشرف عليها رئيس الوزراء وتشمل وزراء الخارجية والدفاع والاقتصاد. بينما تبدو تلك الضوابط أقل كثيرا في واشنطن خصوصا في ظل إدارة الرئيس ترامب التي لا تضع قضايا حقوق الإنسان في أولوية معاييرها السياسية.
"هذا التناقض في المواقف الأوروبية واختلاف القوانين الحاكمة لصفقات بيع السلاح بين الدول أتاح للأمير محمد بن سلمان هامشا من المناورة، جعله ينجح في عقد صفقات تسليح مع دول مختلفة" ولم يمثل رفض بعض الدول بيعه السلاح مشكلة كبيرة، بحسب ما ذكر الدكتور ماكس موتشيللر كبير الباحثين في معهد بون الدولي لدعم السلام BICC في حوار مع DW عربية.
ويضيف موتشيللر قائلاً إن أغلب قوانين الدول الأوروبية والقوانين الأمريكية تتحدث في الظاهر عن ضرورة احترام حقوق الإنسان ودعم السلام والاستقرار الدوليين إلا أن صادرات السلاح الأوروبية والأمريكية لدول في مناطق شديدة التوتر "استمرت دون أن يظهر أي نوع من الاحترام لهذه القوانين"، موضحا أن "السعودية دولة لديها الكثير من المال وبالتالي فهي من وجهة نظر صانع السلاح عميل(زبون) جيد وعليه فإن كثير من قوانين الدول الأوربية تبدو في هذا السياق أكثر تساهلاً مع صفقات السلاح" التي تمثل مصدر دخل كبير لاقتصادها.
مقايضة مواقف
يرى محللون أن إحدى استراتيجيات ولي العهد السعودي الشاب لمواجهة الضغوط المتزايدة على شراء بلاده للسلاح كانت ربط المصالح الاقتصادية بالصفقات العسكرية. فإثر توليه وزارة الدفاع ضم الأمير محمد بن سلمان إلى سلطاته الإشراف على أرامكو التي تعتبر الذراع القوية في سياسة الخارجية السعودية.
وكمؤشر على العلاقة الوثيقة بين صفقات الطاقة والسلاح التي تبرمها السعودية مع شركائها، ما يجري حاليا مع باريس حيث تتزامن المفاوضات الصعبة التي تجريها شركة توتال الفرنسية مع أرامكو السعودية حول توسعة مجمع البتروكيماويات (ساتورب) في الجبيل، مع سعي الرياض للحصول على صفقة سلاح فرنسية. ويجري ذلك كله خلال زيارة ولي العهد إلى باريس.
وحدث الأمر نفسه مع بريطانيا التي سعت لإقناع السعودية بإدراج أسهم من أرامكو في بورصة لندن، وقالت الحكومة البريطانية في وقت سابق إنها ستقدم ضمانات ائتمانية بقيمة ملياري دولار للسعودية كي تتمكن من شراء سلع وخدمات من بريطانيا بسهولة أكبر، حيث تعتبر الأسلحة من أهم المشتريات السعودية من بريطانيا.
اللعب بالورقة الروسية
توسيع الأمير محمد بن سلمان للشراكات الاستراتيجية لبلاده مع دول أخرى أثار قلقاً لدى حلفائه التقليديين وخصوصاً بعد صفقة السلاح الهائلة التي عقدها الملك سلمان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارته التاريخية لموسكو.
ويرى البعض أن الاتفاقية كانت محاولة من السعودية للتلويح للغرب بأن هناك مصادر أخرى للسلاح إذا ما أُغلقت أسواق السلاح الأوروبية مثلا، وليس هذا فقط بل قد يتعدى الأمر مجرد اتفاق لشراء أسلحة ليشمل علاقات سياسية واستراتيجية واتفاقات بشأن ملفات حرجة ثانية أو إقليمية بالخصوص.
لكن ماكس موتشيللر كبير الباحثين في معهد بون الدولي لدعم السلام يقلل مع هذا الطرح، وقال في حواره مع DW إن هذا الأمر مستبعد لأن "أغلب تسليح الجيش السعودي يأتي من الولايات المتحدة وجزء قليل من أوروبا وبالتالي سيكون من المستبعد ولو على مدى المستقبل المنظور ان تخرج السعودية عن الإطار الأمريكي، وربما كان اللعب بالورقة الروسية أمراً مرحلياً فقط لإظهار الغضب السعودي من بعض المواقف الغربية".
مبررات التسليح
وتخوض السعودية حرباً ضروساً ضد جماعة الحوثي المدعومة من إيران والتي بدأت مؤخراً في تهديد العمق الاستراتيجي السعودي بالصواريخ الباليستية، وربما يفسر ذلك مساعي الرياض المحمومة لشراء المزيد من الأسلحة خوفاً من تطور الصراع مع الحوثي إلى مواجهة عسكرية شاملة مع طهران، وهي المساعي التي ربما لاتواجه بالكثير من الحزم من جانب الغرب خاصة حينما يتعلق الأمر بالنفوذ الإيراني في المنطقة، كما يرى مراقبون.
وكان نائب قائد الحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي قد هدد أوروبا بزيادة مدى الصواريخ الباليستية للوصول إليها، قائلاً: "إذا كنا لم نتجاوز حتى اليوم مدى الألفي كيلومتر بصواريخنا، فهذا لا يعود إلى تقييد التكنولوجيا عندنا، بل إلى المنطق الاستراتيجي لأبعاد صواريخنا. واستناداً إلى هذا، فإذا أراد الأوروبيون أن يعتدوا علينا فسنزيد من مدى صواريخنا".
ويرى يان كريبه من المركز العالمي لدعم السلام في لقاء سابق مع DW عربية إن أغلب دول الخليج ترى أن إيران يمكن أن تكون مصدر خطر لها، وهذا لا يعني أن ألمانيا يجب عليها المشاركة في تسليح الدول المجاورة لإيران وأن على الحكومة الألمانية المساهمة في عملية مراقبة التسلح وعمليات نوع السلاح وخلق أجواء الثقة بين بلدان المنطقة.
ويقول زميله ماكس موتشيللر كبير الباحثين في معهد بون الدولي لدعم السلام إن سوق السلاح العالمي متسع للغاية ويمكن للمشتري الذي لم يتمكن من شراء سلاح من دولة ما بسبب قوانينها أن يتوجه لدولة أخرى لديها قوانين أكثر مرونة لبيع السلاح وهذا ما يفعله بن سلمان "ما يستوجب وجود تنسيق أوروبي وسياسة أكثر حزماً حيال هذا الأمر".
وبحسب معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري" فقد ارتفعت مبيعات الاسلحة في الشرق الاوسط خلال السنوات العشر الاخيرة بمقدار الضعف، وباتت هذه المنطقة تمثل 32 في المائة من واردات الأسلحة في العالم. وكانت الأمم المتحدة قد أدرجت التحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن على لائحة سوداء سنوية للدول والكيانات التي ترتكب جرائم بحق أطفال.
عماد حسن