صرخة لاجئين سوريين من مخيمات لبنان
١٦ أكتوبر ٢٠١٥عند النظر إليه للوهلة الأولى، يبدو مأوى اللاجئين في منطقة المنية (شمالي لبنان) أقرب إلى مستنبت زجاجي منه إلى مخيم للاجئين. فالخيام التي شُيدت بأغطية بلاستيكية تقع أمام مزرعة للحمضيات. وكان من المخطط أن يكون هذا المأوى مؤقتا، لكنه أصبح الآن مخيما دائما ويأوي 1.3 مليون لاجئ سوري يقيمون رسميا في الوقت الحالي بلبنان. ووفقا لبعض التقديرات فعددهم يصل إلى 1.6 مليون شخص.
ماهر (اسم مستعار) رجل وسيم وأنيق. في مدينة حلب كان يعمل في مجال الزراعة ويعتني بالدفيئات الزراعية (وهي خيام شفافة تنفذ منها أشعة الشمس وتزرع فيها النباتات في درجات حرارة ورطوبة معينة). أما هنا في لبنان فلا يملك إلا بضع شتلات داخل الأواني ووضعها أمام خيمته المشيدة بستائر بلاستيكية وسط حقل يبعد 20 دقيقة من مدينة طرابلس اللبنانية، رغم أن الحكومة اللبنانية تعتبر الأرض بأنها "غير صالحة للسكن". يجلس ماهر القرفصاء على أفرشة نوم بعضها بجانب بعض على الأرض ويصف الوضع قائلاً "هناك العديد من المشاكل هنا في المخيم". وعلى الرغم من صغر خيمته إلا أنه قسمها إلى غرفتين: مطبخ بداخله مواد غذائية مجففة وموقد غاز صغير، أما الغرفة الثانية فهي للنوم وهي في نفس الوقت غرفة الجلوس بداخلها فراش على الأرض، إضافة إلى جهاز كهربائي صغير للتمارين الرياضية في الزاوية. كل شيء يبدو أنيقا جدا ويمكن للمرء أن يرى كل تفاصيل الغرفة. يتحدث ماهر عن الوضع قائلاً: "المشكلة الكبرى لدينا هي أننا لا نستطيع أن نخرج من هنا".
خيمة من بلاستيك فوق أرض "غير صالحة للسكن"
وكما هو حال العديد من السوريين، غادر ماهر مدينة حلب قبل عامين ونصف رفقة زوجته وطفلين، على أمل العودة في غضون أشهر قليلة عندما يستقر الوضع. ولكن "بضعة أشهر"، صارت عاما وصار العام عامين وتحول العيش المؤقت تحت قماش القنب البلاستيك إلى حل دائم على بقعة أرضية "غير صالحة للسكن".
وحتى من الناحية القانونية فالتحديات تتزايد أمام أوضاع اللاجئين ولا يمكن تحملها على نحو متزايد. وتطالب الحكومة اللبنانية من اللاجئين السوريين رسوما كثيرة وتفرض عليهم العديد من الشروط لتجديد تأشيراتهم للبقاء بشكل قانوني في لبنان. ولهذا السبب فاللاجئ ماهر ـ على غرار العديد من مواطنيه ـ ليس لديه أوراق إقامة ولا يمكن أن يتنقل بحرية، كما أنه لا تتوفر لدية أية إمكانية للوصول إلى الخدمات الأساسية. وبالنسبة لليال أبو ظاهر من المجلس النرويجي للاجئين، فغياب حرية التنقل "يؤثر على كل جوانب حياة الناس هنا". وتتساءل أبو ظاهر: "إذا لم يستطع المرء التحرك بحرية، فكيف يمكنه الحصول على وظيفة؟ وإذا كان المرء ضحية لجريمة ما، فكيف يمكن له أن يذهب إلى الشرطة؟".
ورغم القيود المفروضة على التنقل فقد غادر فماهر المخيم مرات قليلة للبحث عن عمل، حتى وإن كان ذلك يعرضه لخطر الاعتقال. وفي أحد الأيام تم اعتقاله عند نقطة تفتيش وقضى شهرا في السجن كما دفع بضع آلاف الدولارات لأحد المحامين لإطلاق سراحه. ومنذ ذلك الوقت يفضل البقاء في المخيم والاستسلام لضيقه من أجل البقاء قرب عائلته.
الأطفال يضطرون لإعالة أسرهم ماليا
رغم أن والد ماهر يعمل في سوق الخضار في طرابلس، لكن الراتب القليل الذي يحصل عليه لا يكفي لإطعام الأسرة كاملة. وأمام هذا الوضع تضطرالعديد من الأسر لارسال أطفالها للعمل والحصول على مصدر بديل للمال، بدل المخاطرة بالزج بالأب في السجن كما توضح ليال أبو ظاهر من المجلس النرويجي للاجئين. "تسود فرضية مفادها أن النساء والأطفال لن يُعتقلوا بسهولة...وبدلا من إرسالهم إلى المدرسة، يذهب الأطفال إلى العمل، لأن رب الأسرة لا يمكن أن يعمل بشكل قانوني هنا."
ومن أجل ضمان حياة أفضل لأطفاله يريد ماهر الهجرة في الأسابيع القليلة المقبلة نحو أوروبا. ومن أجل ذلك اقترض المال الذي سيدفعه للمهربين الذين سيحملونه مع زوجته بناته الثلاث على متن قارب من لبنان إلى تركيا ثم اليونان. ورغم أن القانون يسمح للاجئين السوريين للسفر إلى تركيا، لكن ماهر وعائلته لا يستطيعون ذلك بسبب عدم توفرهم على تصريح الإقامة في لبنان. لهذا السبب فماهر مضطر للهرب مع عائلته بحراً بمساعدة مهربين اثنين بدل مهرب واحد. "طفلاتي ليس لديهن هنا فرص التعلم...فهن لا يستطعن حتى كتابة أسمائهن بأنفسهم"، يقول ذلك بينما بناته يلعبن في إحدى الخيام المجاورة لخيمته.
أمل في الوصول إلى أوروبا أمام انتظار الشتاء
وبينما ينتظر ماهر وصول المال الذي اقترضه تصله أخبار من أفراد عائلته حول الرحلة إلى ألمانيا وكيف هو الوضع هناك. أما هو فلا يريد أن يرحل قبل حلول فصل الشتاء، حينها يكون الطقس باردا والبحر يكون دائما خطيرا. فجسم ابنته رانا البالغة من العمر سبعة أشهر حتى أصغر من سترة النجاة.
غير أن فصل الشتاء في المخيم يحمل معه مخاطر خاصة بها. في هذا اليوم المثالي من شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2015 يجلس العديد من اللاجئين أمام خيامهم ويستمتعون بأشعة الشمس المشرقة، ولكن عندما يكون الطقس عاصفيا فالمخيم غير محمي من العواصف. وهذا يعني أن الصيف يكون حارا والشتاء يكون بارداً وبدون تدفئة. وبمجرد سقوط أمطار خفيفة تتحول الأرض إلى وحل، وعندما تهطل أمطار غزيرة تغمر المياه الخيام، وتنخفض حرارة الجسم ، ما يتسبب في ظهور العديد من الأمراض.
وبالنسبة لمعظم اللاجئين الذين يعيشون في هذا المخيم، فهو يُظهر واقعهم المرير. ورغم نجاح مئات الآلاف من اللاجئين في الوصول إلى أوروبا، إلا أن عددهم لا يمثل سوى 0.2 بالمئة من مجموع اللاجئين السوريين. وعندما سألت ماهر إذا كان الخوف يتملكه بسبب الرحلة التي يخطط لها قال: " حتى ولو كنا سنموت في الطريق، فنحن بالتأكيد لن نبقى هنا".