صراع محتدم على الرئاسة في مصر بين "الإخوان" والعسكر
١٥ أبريل ٢٠١٢اتفق المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر وقادة أهم الأحزاب السياسية، اليوم الأحد (15 نيسان / أبريل 2012)،على تشكيل لجنة تأسيسية جديدة، بعد صدور حكم قضائي بإبطال اللجنة التي كان البرلمان قد شكلها من قبل، لتتولى اللجنة الجديدة صياغة مشروع الدستورالجديد للبلاد. ويقضي الاتفاق بأن يتم الانتهاء من مسألة الدستور قبل انتخابات الرئاسة المقررة آواخر مايو/ آيار المقبل.
وذكر موقع صحيفة الأهرام الالكتروني بأنه تم الاتفاق أيضا على عقد اجتماع بين المجلس العسكري ورؤساء الأحزاب الممثلة في البرلمان ورؤساء الهيئات البرلمانية ورئيسي مجلسي الشعب والشورى، الأحد المقبل، لبحث وإعلان ما تم الاتفاق عليه، تمهيدا لإعلان المشير طنطاوي للدعوة لعقد اجتماع مشترك للمجلسين لبدء إجراءات اختيار ووضع اللجنة التأسيسية الجديدة في ضوء ما يتم التوافق عليه وفي إطار حكم المحكمة الإدارية. وشاركت في الاجتماع كل الأحزاب الممثلة في البرلمان، عدا حزبي التجمع والمصري الاجتماعي، لظروف خارجة عن إدارتهما، كما شارك عدد من شباب الثورة الأعضاء بالبرلمان.
ويأتي هذا الاجتماع غداة اعلان لجنة الانتخابات الرئاسية السبت استبعاد عشرة من المرشحين ال23 للرئاسة بينهم اللواء عمر سليمان النائب السابق للرئيس مبارك ومرشح جماعة الاخوان المسلمين خيرت الشاطر والمرشح السلفي حازم صلاح ابو اسماعيل. ومع ان هذا القرار كان متوقعا لدى البعض، الا ان هذا الاعلان كان له وقع الصدمة حيث قلب المعادلة السياسية في البلاد قبل اقل من ستة أسابيع من الاستحقاق الرئاسي المقرر في 23 و24 ايار/مايو:وامام هؤلاء المرشحين 48 ساعة للطعن في قرار الاستبعاد هذا. ومن المقرر اعلان اللائحة النهائية للمرشحين في 26 نيسان/ابريل الحالي.
وفي سياق متصل، وفي مقابلة مع رويترز، أمس السبت، قبل إعلان استبعاده، قال عمر سليمان (74عاما) إنه قرر خوض الانتخابات استجابة لمطالب شعبية لمواجهة نفوذ الإسلاميين، "الذين لا توجد لديهم الكوادر الصالحة لقيادة البلاد، وستكون مصر في وضع لن تتقدم فيه إلى الأمام". وأشار سليمان الذي يصف نفسه بأنه مسلم متدين إلى أن المواطنين سعوا إليه كي يوازن بين القوى الإسلامية والمدنية. لكنه أضاف إن المصريين يخشون من تحول بلادهم إلى دولة دينية. وتظاهر إسلاميون ضد ترشح سليمان وأقر مجلس الشعب تشريعا سيمنعه من الترشح، إذا وافق عليه المجلس العسكري الحاكم، لكن سليمان قال إنه لا يتوقع أن يتم استبعاده.
مأزق سياسي سببه الأساس الخاطئ
التنافس على منصب رئيس الجمهورية، المحصور بفعل التأثير السياسي بين جماعة الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، الذي يدير شؤون مصر منذ تنحي مبارك، يضع المصريين أمام خيارين – إما استئثار التيارات الإسلامية بهرم السلطة، أو احتمال استنساخ النظام القديم في حلة جديدة. فهل يبقى سباق الرئاسة محصوراً بين الإسلاميين والعسكر؟
هذا السؤال ناقشه برنامج "مع الحدث"، الذي تبثه قناة "DW عربية" في إطار سلسلة برامجها الحوارية التي تحمل عنوان "زمن التغيير". وفي هذا الصدد أشار الخبير الألماني في شؤون الجماعات الإسلامية، الدكتور لوتز روغلر، إلى أن التغيرات التي تمر بها مصر حالياً شهدت "ظهور قوى سياسية جديدة. هذه التغيرات تعتبر إيجابية مقارنة بالماضي".
وحتى مع النفوذ الواضح للتيارات الإسلامية، المتمثل في فوزها بأغلبية مقاعد مجلس الشعب المصري، فإن روغلر يؤكد أن "ائتلاف الثورة وقوى ليبرالية ويسارية لا تزال موجودة بقوة في الشارع". ويتوقع الخبير الألماني أن تشهد المرحلة المقبلة تحالفات بين هذه القوى من أجل الخروج بمرشح توافقي قد يتمكن من مواجهة المرشح الإسلامي ومرشحي النظام السابق في المعترك الانتخابي.
إلا أن الكاتب والإعلامي المصري المقيم في ألمانيا، حامد عبد الصمد، أعرب عن تشاؤمه من الأحوال السياسية المصرية، وأكد أن جميع القوى السياسية "في ورطة سببها عدم البناء على أساس صحيح"، واتهم الإخوان المسلمين "بترك الثورة مبكراً ودخول عالم الصفقات السياسية ... المجلس العسكري أخطأ أيضاً بعدم ترك الأمور لتتطور بشكل ديمقراطي وحر". كما اعتبر عبد الصمد أن الليبراليين لم يحظوا بفرصة كافية لتكوين أحزاب قادرة على المنافسة، ذلك أن الانتخابات البرلمانية أجريت بعد أقل من عام على الإطاحة بنظام مبارك.
من جانبه شدد أحمد سبيع، المسؤول عن الإعلام بحزب الحرية والعدالة، على عدم وجود أي نوع من الصفقات بين المجلس العسكري والإخوان، مستدلاً على ذلك برفض الجماعة للإعلان الدستوري المؤقت، المعروف بوثيقة السلمي، في حين وافقت عليه كل القوى السياسية الأخرى، إضافة إلى رفضها اللجنة الاستشارية التي اقترحها المجلس العسكري لمراقبة عمل البرلمان، في حين أن القوى الليبرالية واليسارية رحبت باللجنة وشاركت فيها بشكل فاعل، بحسب رأيه.
وتابع سبيع بالقول إن "المهرب الوحيد والمخرج الآمن من هذا المأزق هو أن تتحد القوى السياسية وتتوافق" ضد ترشيح عمر سليمان، الذي جاء ترشحه بعد ترشيح الإخوان لخيرت الشاطر ليؤكد أيضاً على عدم وجود صفقة بين الجماعة والمجلس العسكري بخصوص ترشيح الشاطر.
وفي ذات السياق اتهم حامد عبد الصمد كلاً من المجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين بأنهما "يحكمان مصر دون أي سند قانوني، فالمجلس العسكري فقد شرعيته بعد سقوط مبارك، ومع ذلك ما زال فوق القانون. وجماعة الإخوان المسلمين لا تزال جماعة محظورة حتى بعد الثورة ... ولا توجد أي رقابة مالية أو قانونية عليها ... الديمقراطية تبدأ بدستور يرسي دعائم دولة القانون، ولا تبدأ بصندوق الانتخابات".
استنساخ للنظام القديم
ترشح عمر سليمان يطرح تساؤلات وتخوفات في نفس الوقت، فهو شخصية معروفة على المستويين الإقليمي والدولي، ويتمتع بعلاقات جيدة مع الولايات المتحدة وعدد من الدول الغربية، وهو ما قد يعني دعم هذه الدول لترشحه، كونها ترى فيه دعماً للاستقرار في مصر، الدولة الاستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط.
وفي هذا الصدد يوضح خبير الجماعات الإسلامية لوتز روغلر أن عمر سليمان يعني بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل "الاستمرار في سياسة خارجية مصرية معينة ... ولذلك هناك اطمئنان ونوع من الثقة بهذا الرجل وبالسياسة التي مارسها في السنوات الماضية". لكن روغلر أشار أيضاً إلى التعاطف التي تتمتع به "القوى الإصلاحية في دول الربيع العربي، مثل القوى الشبابية والإخوان المسلمين أيضاً"، وذلك في إطار اعتراف الغرب بمرور الحركات الإسلامية الوسطية بتغيرات في دول مثل مصر وتونس والمغرب.
كما يعتبر الكاتب المصري عبد الصمد أن سليمان "لديه قاعدة شعبية من أولئك الذين لا يعرفون حقيقة النظام (السابق) وألاعيبه. إنه (سليمان) يعد بما كان يعد به مبارك قبل عشر سنوات، وهذه كلها أكاذيب ومحاولة لاستنساخ النظام السابق مرة أخرى"، محذراً من أن يرتكب الغرب نفس الخطأ الذي ارتكبه في السابق، عندما دعم حسني مبارك وبشار الأسد ومعمر القذافي.
وفي معرض تبريره تراجع الإخوان عن قرارهم عدم تقديم مرشح للرئاسة المصرية، أكد أحمد سبيع من حزب الحرية والعدالة أن القضية متعلقة "بالإخوان وبوجهات نظرهم، وتم تباحث الموضوع مع كافة الجهات المعنية ... لدينا مؤسسات شورى وبرنامج ومشروع معين، وغيرنا لهم برامج ومشاريع معينة، والشعب المصري هو من يقرر أي البرامج والمشاريع يختار لتطبيقها".
ياسر أبو معيلق/ فلاح آل ياس
مراجعة: منصف السليمي