صراع سعودي إماراتي على النفوذ.. عدن في عين العاصفة من جديد؟
٧ يوليو ٢٠٢٣يُتوقع أن يتفاقم التناحر الداخلي والتدخلات الإقليمية في اليمن ويزداد المشهد السياسي تعقيداً خلال الفترة المقبلة؛ إذ أعلن في الرياض الشهر المنصرم عن تشكيل مجلس حضرموت الوطني، الذي يعد أول مجلس إداري تدعمه السعودية في المحافظة اليمنية. ومن المقرر تشكيل ثاني مجلس من نوعه في وقت لاحق من الشهر الجاري في مدينة عدن الساحلية التي تسيطر عليها قوات مدعومة من الإمارات.
وسوف تعمل هذه الكيانات المدعومة من السعودية بمجرد الانتهاء من تكوينها، على تعزيز فكرة اليمن الموحد في تناقض صارخ مع المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات والذي يسعى للانفصال عن بقية المناطق اليمنية.
وفي مقابلة مع DW، شدد ماثيو هيدغز، الخبير في الشأن اليمني والمقيم في لندن، على أهمية توقيت إعلان مجلس حضرموت: "يتزامن ذلك مع ما يبدو من فشل في مفاوضات السلام بين السعودية وميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، لذا تريد السعودية ضمان موطئ قدم في جنوب البلاد رغم أنه كان من الممكن أن تقوم بذلك منذ سنوات". وأشار الخبير المستقل إلى أن هذه الخطوة "يمكن أن تكون مؤشراً على قبول السعودية بفكرة تقسيم اليمن".
حرب بالوكالة
وتجدر الإشارة إلى أن الحرب في اليمن بدأت عام 2014 باستيلاء الحوثيين على شمالي البلاد، بما في ذلك العاصمة صنعاء ومطارها الدولي وميناء الحديدة غربي البلاد. وتصاعدت حدة الصراع بعد عام، عندما تدخل التحالف الذي تقوده السعودية ويضم دول عديدة على رأسها الإمارات لدعم الحكومة المعترف بها دولياً. وليس سراً أن الحرب في اليمن يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها حرب بالوكالة بين إيران والسعودية.
وفي الجنوب، يعمل المجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي المدعوم من الإمارات على تعزيز جهوده نحو إعلان الانفصال بشكل أحادي.
يشار إلى أنه على مدى العقد الماضي قسمت الحرب اليمن إلى ثلاثة أجزاء: المنطقة الأولى في شمال البلاد وخاضعة لسيطرة الحوثيين، والثانية في الجنوب وخاضعة لسيطرة المجلس الانتقالي الانفصالي، أما باقي أجزاء اليمن فتخضع لسيطرة الحكومة اليمنية المدعومة من التحالف الذي تقوده الرياض.
المصلحة السعودية الحقيقية: ترك الحرب
ويلقي مراقبون بظلال من الشكوك حيال واقعية أن المجالس الجديدة سوف تؤثر على الانتماءات السياسية في الجنوب. وفي ذلك، قال هيدغز إنه "من غير المرجح أن يتطور المجلس الجديد في عدن إلى كيان مجتمعي كبير أو إلى حركة سياسية كبيرة تستطيع مواجهة المجلس الانتقالي الجنوبي على الأرض".
ويتفق معه في هذا الرأي محمد الارياني الباحث بـ"المركز اليمني للسياسات" وهي مركز أبحاث مستقل مقره العاصمة صنعاء. وفي مقابلة مع DW، أضاف "بذلت السعودية محاولات متكررة لتشكيل تحالف سياسي في عدن خاصة مع الفصائل السياسية التي تشاطرها فكرة اليمن الموحد، لكن هذه الجهود باءت بالفشل".
ورغم ذلك، يرى الإرياني أن مثل هذه الكيانات المدعومة من السعودية قد تجلب فائدة أخرى، مضيفاً إذا نجحت السعودية والإمارات في تجاوز خلافاتهما في جنوب البلاد، فإن هذه المجالس الجديدة "يمكن أن تسهل على الأرجح بناء توافق في المناقشات المحلية بين الفصائل الجنوبية مما يساعد في تمهيد الطريق أمام خروج التحالف بقيادة السعودية من الحرب".
أزمة إنسانية الأسوأ في العالم
ورغم أن المعارك في اليمن تشهد هدوءاً في الآونة الأخيرة، إلا أن الصراع الدموي مازال مستمراً في اليمن من الناحية النظرية، خاصة وأن الحرب باليمن تحولت منذ بداية اندلاعها إلى حرب بالوكالة بين السعودية وإيران، لكن السعودية أضحت أكثر انفتاحاً على الخروج من الحرب المكلفة في اليمن خاصة في ظل التقارب بين الرياض وطهران وعودة العلاقات الدبلوماسية.
في أبريل / نيسان الماضي، بدأت عملية تبادل مئات الأسرى بين الحوثيين والحكومة اليمنية فيما أفادت وكالة الأنباء السعودية الرسمية الشهر الماضي بوصول أول رحلة جوية منذ 2016 قادمة من مطار صنعاء الخاضع لسيطرة الحوثيين، إلى مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة. وكانت الرحلة تقل 270 حاجاً يمنياً من بينهم رئيس اللجنة العسكرية التابعة للحوثيين يحيى عبدالله الرزامي، وفق وكالة سبأ "الحوثية".
وفي تعليقه، قال مبعوث الأممي الخاصة إلى اليمن، هانز غروندبرغ، إن هذه التطورات تعد خطوة حاسمة وإيجابية نحو بناء الثقة بين الأطراف المتحاربة.
وعلى أرض الواقع، يرحب اليمنيون بأي بصيص أمل قد ينهي حرباً طال أمدها في بلد يعد من أفقر الدول العربية، خاصة وأن آخر تقرير صادر عن منظمة اليونيسف والذي نُشر مطلع يوليو / تموز الجاري قال إن اليمن مازال أحد أكبر الأزمات الإنسانية في العالم؛ إذ تشهد البلاد أسوأ أزمة أمن غذائي في العالم، حيث يحتاج قرابة 22 مليون يمني أي ما يشكل ثلثي سكان البلاد إلى المساعدات الإنسانية.
وقد تكبد اليمن خسائر بشرية واقتصادية كبيرة منذ الحرب إذ أفاد الصندوق المركزي لمواجهة الطوارئ التابع للأمم المتحدة في منتصف ديسمبر/كانون الأول العام الماضي بأن أكثر من 11 ألف طفل أصيبوا أو قُتلوا منذ تصاعد وتيرة القتال عام 2015.
وقد ذكرت بيانات الأمم المتحدة أن ما يشكل نسبة 1.25٪ من إجمالي تعداد سكان البلاد قد قتلوا بسبب أعمال عنف مرتبطة بالحرب منذ عام 2015 فيما لقي الكثير حتفهم بسبب تفشي الجوع والأمراض في البلاد.
جنيفر هوليس / م. ع