صحيفة مطبوعة في مصر تقدم المدونات لغير المدونين
٣ أبريل ٢٠١٠وأخيرا أصبح بإمكان القراء العرب الذين لا يتابعون ما يُكتب في المدونات الالكترونية أن يطّلعوا على مختارات منها. فقد أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان يوم الخميس (ا ابريل/نيسان) أول جريدة مطبوعة يحررها مدونون عرب تحت اسم "وصلة". تهدف الجريدة غير الدورية والتي ستوزع مجانا إلى تحقيق التواصل بين جيل المدونين وجيل النخبة من السياسيين والكتاب والمفكرين لخلق حالة تفاعل بين جيلين مختلفين، وذلك وفقا لما قاله المدير التنفيذي للشبكة، جمال عيد، في مؤتمر صحفي في القاهرة خُصص للإعلان عن إصدار العدد الاول من الجريدة.
ويروي جمال عيد في افتتاحيته للعدد الأول أن فكرة الجريدة بزغت بعد ملاحظته التباين بين تلقي جيل النخب السياسية والفكرية لإنتاج الجيل الجديد من خلال المدونات، فبينما أبدى بعضهم إعجابه بنشاط المدونين وأشاد بحملاتهم مثل الكاتبين صنع الله ابراهيم والياس خوري، اعتبر البعض الآخر أن النشاط الالكتروني على المدونات أو صفحات المواقع الاجتماعية هو "جهل واضمحلال سياسي" مثل رفعت السعيد والسيد ياسين. من هنا نشأت فكرة عمل صحيفة تنقل ما يطرحه الشباب على مدوناتهم في قالب أقرب للشكل الذي اعتاد عليه جيل المخضرمين.
اختيارات بعيدة عن التوجهات النمطية
يحتوي العدد الأول لصحيفة وصلة على 16 صفحة من حجم "التبلويد" تضمنت مقتطفات من مدونات مصرية باللغتين العربية والانجليزية. وكان محور العدد الجدل السياسي الذي رافق عودة الدكتور البرادعي إلى مصر، فقد جاء عنوان العدد "حمى البرادعي"، واللافت للانتباه أن التدوينات المختارة حول موضوع البرادعي جاءت بعيدة عن الطابع الاحتفالي الذي وسم الكثير من مواد المهتمين بالمجال السياسي والحقوقي في الفضاء الافتراضي حول البرادعي، فقد تضمن العدد موادا اهتمت بالتعليق النقدي على الموضوع، مثل مدونة "دماغ ماك" التي انتقدت مبدأ التأييد الكامل لشخص البرادعي دون معرفة برنامجه الانتخابي، أو مدونة "جبهة التهييس الشعبية" التي انتقدت مبدأ التوكيل لأسماء مقربة من البرادعي لا تتفق صاحبة المدونة مع توجهاتهم برغم اتفاقها مع توجهات البرادعي نفسه.
كذلك يتضمن العدد نماذج من مدونات تعرض لقضايا سياسية وحقوقية أخرى مثل تدوينات خاصة بكشف الملاحقات الأمنية التي يتعرض لها المدونون العرب، وتدوينة خاصة بفصل صحفية من اذاعة هولندا بالقاهرة لكتابتها مقال يكذب خبر "رواج غشاء البكارة الصيني في العالم العربي" الذي بثته الاذاعة المذكورة. كذلك نقرأ جانبا من مدونة "المحلة - مصر" يعرض لأسرة اسكندرانية وقعت ضحية تعذيب وتجاوزات من جانب الشرطة. إضافة إلى متابعات لبعض الفعاليات الثقافية مثل معرض مسقط للكتاب، أو تعليقات حول افلام معروضة حديثة. وجميع هذه التدوينات جاءت في إخراج صحفي حديث ومريح للقراءة كما تم ارفاق بعض التعليقات التي كتبها من زاروا المدونة الأصلية، وعكس اختيار التعليقات، والتي شن بعضها هجوما حادا على محتويات المدونة، محاولة لرسم صورة أمينة لطبيعة التدوين الالكتروني.
لكن العدد لم يقتصر على القضايا السياسية فحسب، بل ضم أيضا موادا تقدم نقدا اجتماعيا أو أخلاقيا، مثل مقتطف من مدونة يوميات امرأة مثلية، أو المقتطف الخاص بشخص يقرر ممارسة العادة السرية في الاتوبيس احتجاجا على حالة الدروشة التي وصل لها المجتمع. ورغم الموضوعات الصادمة لتلك المدونات جاءت لغتها مقبولة وخلت من أي ألفاظ جارحة، في ذلك يقول عضو مجلس تحرير الجريدة المدون أحمد ناجي "ننقل التدوينة كما هي، لكننا نتدخل فقط في حالة وجود ألفاظ لا تصلح للنشر، فنحصل على إذن صاحب التدوينة لحذف هذه الالفاظ".
حرص على ترسيخ أعراف صحفية جديدة
هذا المبدأ في التعامل مع نصوص المدونات يسعى لتلافي الأخطاء التي وقعت فيها تجارب شبيهة. ففكرة تقديم نصوص الكترونية المنشأ على شكل مطبوعة ورقية ليست بالجديدة، فقد سبق لدار الشروق ولصحيفة الدستور أن قامتا بتجربة شبيهة وهي نشر مقتطفات من المدونات، لكن التجربة سرعان ما فشلت بسبب تدخل الصحيفة في النصوص من خلال الحذف والاختصار، مما اعتبره المدونون تغييرا وتحريفا لنصوصهم، الأمر الذي زاد من عمق الفجوة المتزايدة بين الصحفيين والمدونيين، كما يقول ناجي. لذلك تسعى صحيفة وصلة لتجسير هذه الفجوة من خلال ترسيخ أعراف صحفية تضمن احترام نصوص المدونات. مثال آخر هو حقوق الملكية الفكرية، فصحيفة وصلة تستخدم نوعا من رخصة حقوق الملكية التابعة لمؤسسة creative commons غير الربحية، والتي تضمن الحق في اعادة نشر المواد مع الإشارة إلى أصحابها لأغراض غير تجارية، وتدعو الصحفية المدونين الراغبين في إعادة نشر موادهم في وصلة بوضع الكود الخاص على مدونتهم.
صحيفة وصلة لا تزال في بدايتها، والحصول على نسخة ورقية منها يتطلب الذهاب إلى مقر الشبكة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة، لكن لدى الصحيفة افكار كثيرة للمستقبل، كما يقول ناجي. فوصلة ستسعى لأن تخرج إلى القارئ بانتظام، بحيث تكون اسبوعية في المستقبل القريب. كما ستعمل على الانفتاح على المدونات العربية بشكل عام، سواء من خلال اختيار بعض النماذج أو عمل ملفات خاصة بمدونات منطقة معينة. كذلك ستقوم وصلة بترجمة المدونات العربية المكتوبة باللغة الانجليزية إلى اللغة العربية، كما ستفحص الصحيفة طريقة التعامل مع تعليقات وردود القراء وفقا لكثافتها بما يصب في صالح خلق الحوار المنشود بين جيل الشباب وجيل المخضرمين.
الكاتب: هيثم عبد العظيم
مراجعة: لؤي المدهون