صحف ألمانية ـ اتهامات العنصرية تهدد أركان العرش البريطاني
١٠ مارس ٢٠٢١اهتزت العائلة المالكة في بريطانيا على وقع التصريحات القاسية التي أدلى بها الأمير هاري وزوجته ميغانفي مقابلة أدارتها نجمة التلفزيون الأمريكي أوبرا وينفري الأحد (السابع من مارس / آذار 2021) وعرضتها القنوات التلفزيونية البريطانية مساء الاثنين.
في المقابلة سرد الزوجان روايتهما لعدد من الأحداث شملت ادعاءات واتهامات ضد العائلة الملكية البريطانية، لعل أخطرها ما قالته ميغان بشأن مواجهتها لـ "مخاوف وعدة أحاديث" مع الأمير هاري بشأن ابنهما (آرتشي) وتتعلق بـ"مدى قتامة لون بشرة آرتشي عندما يولد". ورفضت ميغان الافصاح عن اسم من تحدث مع زوجها بشأن هذا الأمر، موضحة، أن ذلك سوف يكون أمرا "مضرا للغاية". كما كشفت أنها عانت من تدهور صحتها النفسية خلال فترة وجودها داخل القصر "لم أكن أريد أن أعيش"، وأضافت أنها سعت للحصول على مساعدة من فرد بارز بالعائلة، ولكنها لم تتلق أي رد.
غير أن الأمير هاري أكد في حوار جديد في برنامج "ذيس مورنينغ" (هذا الصباح) مع شبكة "سي.بي.أس" أنه ليس لجدته ولا جده صلة بالأحاديث التي جرت حول لون بشرة آرتشي. وأوضح هاري يوم الاثنين (الثامن من مارس/ آذار) أن جزءا كبيرا من سبب مغادرته وميغان لإنجلترا للعيش في الولايات المتحدة يرجع إلى العنصرية في بريطانيا. كما أكد أن أحدا لم يعتذر له هو وميغان من العائلة الملكية عندما كشفا عن حاجتهما لمغادرة العائلة بسبب نقص الدعم الذي شعرا به.
وتفاوتت تعليقات وسائل الإعلام الألمانية بشأن المقابلة وتداعياتها على العرش البريطاني. صحيفة "كولنر شتات أنتسايغر" (التاسع من مارس/ آذار) كتبت: "لقد بذل الأمير هاري والدوقة ميغان قصارى جهدهما وقدما "حقيقتهما". لم تكن المقابلة مع أوبرا وينفري أكثر إثارة مما اقترحته المقاطع الإعلانية التي سبقت البث، بل كانت مدمرة للقصر البريطاني (..) هناك أقل من ثلاث سنوات بين حفل الزفاف الخيالي في مايو/ أيار 2018 وهجوم الزوجين على القصر والصحف البريطانية. قد يؤكد المتشائمون أن أفراد العائلة المالكة قد قدموا مرة أخرى أفضل ما يفعلونه: عرض ترفيهي مثالي".
العنصرية ـ أخطر الاتهامات ضد القصر
وأكدت ميغان ماركل في المقابلة أن ابنها آرتشي، الذي يبلغ عمره الآن عاما واحدا، حُرم من لقب أمير بسبب مخاوف داخل العائلة المالكة، بشأن مدى سمرة بشرته؛ حتى قبل أن يولد. غير أن والدها توماس ماركل قال، بعد بث المقابلة، إنه لا يعتقد أن العائلة المالكة عنصرية، مشيرا إلى أن الملاحظة المزعومة من أحد أفراد العائلة بخصوص مدى سمرة بشرة ابن ميغان ربما كانت مجرد "سؤالا غبيا". واستطرد في حديث لقناة "آي.تي.في" البريطانية أنه يُكن "كل الاحترام للعائلة المالكة، لا أعتقد أن العائلة المالكة البريطانية عنصرية على الإطلاق. لا أعتقد أن البريطانيين عنصريون، أعتقد أن لوس أنجليس عنصرية وكاليفورنيا عنصرية، لكني لا أعتقد أن البريطانيين عنصريون". وجدير بالذكر أن توماس ماركل على خلاف مع ابنته منذ زواجها من الأمير هاري في 2018.
غير أن صحيفة "ميركيشه أودرتسايتونغ" الصادرة في فرانكفورت (التاسع من مارس/ آذار) دافعت عن العائلة المالكة وكتبت "بعض المزاعم التي قدمتها ميغان في هذه المقابلة يسهل دحضها. إن ادعاءها بأن ابنها آرتشي لم يحصل على لقب أمير لا يرجع إلى التحيز العنصري من قبل "الشركة" (الاسم الذي يطلق أيضا على العائلة الملكية)، ولكن ببساطة فالقاعدة تعود لمائة سنة مضت بقرار من الملك جورج الخامس. وكما اعترفت ميغان، فقد تقمصت دورها الجديد كعضو أساسي في العائلة المالكة "بسذاجة" كبيرة. لكن حسن النية لا يحمي من الأذى الشخصي، إذا لم تُفهم القواعد المتبعة في "الشركة".
أكبر من مجرد خلاف عائلي!
زواج ميغان وهاري عام 2018 أثار فضول الناس بشكل ملفت، وتابعه ما لا يقل عن ملياري مشاهد عبر العالم منهم 30 مليون في الولايات المتحدة وحدها. زوج روًج لصورة عائلة منفتحة على العالم وتنوعه العرقي. "نويه تسوريخر تسايتونغ" (التاسع من مارس/آذار) رصدت التداعيات السياسية والمجتمعية لهذا الصراع العائلي وكتبت "زواج هاري وميغان منذ ما يقرب من ثلاث سنوات أتاح الفرصة لـ"الشركة"، من أجل دفعة جديدة نحو التحديث. مع ميغان ذات الأصول الأمريكية الأفريقية، أتيحت الفرصة للبريطانيين غير البيض وأيضا أعضاء الكومنولث للعثور على شخصية يمكن أن تمثلهم داخل العائلة المالكة لأول مرة. هذا الأمل تبدد الآن. إن الاتهام المستتر بالعنصرية الذي أثارته ميغان ضد العائلة المالكة له تأثير مدمر في بيئة سياسية ساخنة حيث موضوع "التفوق الأبيض" والتمييز والعنصرية، خاصة في بريطانيا والولايات المتحدة، بات يهيمن على الخطاب المجتمعي. هذا يرفع الصراع بين هاري وميغان والعائلة المالكة إلى مستوى، أعلى بكثير من مجرد خلاف عائلي "عادي".
فهل تساهم مزاعم الزوجين في ضرب أركان القصر البريطاني؟ غراهام سميث المتحدث باسم تنظيم "ذا ريبوبليك" الداعي لإقامة نظام جمهوري في بريطانيا قال إن التصريحات سلطت الضوء على مدى "تعفن" المؤسسة الملكية، وأضاف أن "هذه المقابلة لم تؤد إلا إلى إبراز ما يعرفه الكثير من الناس منذ سنوات: النظام الملكي فاسد حتى النخاع ولا يعكس القيم البريطانية". واستطرد موضحا "معظم الناس في المملكة المتحدة لا يأبهون بالعائلة الملكية، إنهم لا يهتمون بها. ويتم التسامح مع النظام الملكي بسبب صورة تدار بعناية ولكنها غير شريفة تم رسمها على مدى العقود القليلة الماضية". وأوضح أن النظام الملكي "سيكون دائما جزءا من تاريخنا" لكنه قال إن هذا النظام "يجب ألا يكون جزءا من مستقبلنا".
ويخشى المراقبون من أن تلحق اتهامات العنصرية ضررا كبيرا بالعائلة الملكية في بلد يشهد مراجعة وطنية كبيرة للماضي الاستعماري بعد الزخم المتجدد لحركة "حياة السود مهمة" في العالم، ما قد يزعزع منظمة دول الكومنولث التي ترتدي أهمية كبيرة للملكة.
الملكة "حزينة" وتأخذ مزاعم العنصرية "بجدية"
ذكرت تقارير بريطانية أن الملكة إليزابيث الثانية رفضت في البداية الموافقة على بيان يرمي لتهدئة الأجواء، مفضلة التريث في إعداد الرد المطلوب. وقد جاء الرد بالفعل يوم (الثلاثاء التاسع من مارس/ آذار) إذ أعربت عن "حزنها" للمصاعب التي واجهها الأمير هاري وزوجته ميغان، مؤكدة أخذ مزاعمهما حول العنصرية "على محمل الجدّ"، وفق بيان صدر عن قصر باكينغهام. وأضاف البيان "القضايا التي طرحت خصوصا تلك المتعلقة بالعنصرية مقلقة. ورغم أن بعض الذكريات قد تختلف، ستؤخذ على محمل الجد وستعالجها الأسرة بعيدا عن الأضواء".
موقع "تسايت أونلاين" (التاسع من مارس/ آذار) علق على رد الملكة بالقول بأن هناك من يرى في "مزاعم الزوجين دليلا إضافيا على التغيير الضروري واللازم في العائلة المالكة التي لا تواكب حركة (مي تو) لمكافحة التحرش والاعتداءات ضد النساء، أو جدل العنصرية وامتيازات البيض". واستطرد الموقع موضحا أن ما صرحت به ميغان "لم يكن مفاجأة للعديد من السود في بريطانيا".
المؤرخ ديفيد أولوسوغا ومقدم البرنامج التلفزيوني الذي يحمل اسم "البريطانيون السود ـ التاريخ المنسي" قال إن بريطانيا ترفض إجراء نقاش صادق حول الأصل والعرق. وقالت الصحفية تيوا أديبايو إن التصريحات أكدت أسوأ مخاوفها. عندما انضمت ميغان إلى العائلة المالكة، كان كل شخص غير أبيض في المملكة المتحدة يشعر بالقلق لأن العائلة المالكة هي (مؤسسة متجذرة في الاستعمار)".
مقابلة من ذهب ـ "أحلى أشكال الانتقام"
تحت عنوان "أحلى أشكال الانتقام" كتب موقع "شبيغل أونلاين" (التاسع من مارس/ آذار) في إحالة لتوصيف لهولي باكستر من صحيفة "الإندبندنت" في مقال اعتبر ما حدث مدمّرا للنظام الملكي البريطاني. وأضاف الموقع أن الملكية البريطانية لن تنهار بفعل انفجار وإنما بسبب أوبرا وينفري. المقابلة حلمت بها النجمة التليفزيونية الأمريكية وانتظرتها لسنوات، وبالضبط منذ زواج هاري بميغان في ربيع 2018، وحينها أخبرتها ميغان بأن الوقت لم يكن مناسبا. وبدا أنه كان من الضروري أن تتحرر هي وزوجها أولا من العائلة المالكة قبل إجراء المقابلة، في أول خروج إعلامي للزوجين منذ استقرارهما في الولايات المتحدة.
شريط الأحداث يُذكر إلى حد بعيد بمأساة الأميرة ديانا عام 1995، والتي جعلت بدورها التاج يرتعش، حين ظهرت على التلفزيون وشاهدها حينها 23 مليون بريطاني على شاشة "بي.بي.سي".
وذكرت تقارير إعلامية أن قناة "سي.بي.إس" أنفقت ما لا يقل عن ستة ملايين يورو للحصول على حقوق بث المقابلة التي أجرتها أوبرا وينفري. صفقة باهظة الثمن، لا تشمل خارج الولايات المتحدة. أما قناة "أي.تي.ف" البريطانية فأنفقت مليون جنيه إسترليني لبث المقابلة. من جهته، قال محرر شؤون العائلة المالكة في قناة "آي.تي.في" إن أكثر من 12 مليونا في بريطانيا شاهدوا بث المحطة البريطانية للمقابلة. فهل ستصبح الخرجات الإعلامية مصدرا لجني الأموال بعد استقرارهما في الولايات المتحدة وتخليهما عن الألقاب الأميرية؟
حسن زنيند