صحافيون ينتفضون في الجزائر من أجل "الكرامة"
٢٠ مارس ٢٠١١جاء في نص النداء الأول لوقفة الصحفيين الجزائريين أن المبادرة "نابعة من الواقع الاجتماعي المرير الذي يعيشه الصحفي الجزائري...في ظل سياق وطني يتسم بالتأجيل غير المبرر لإصدار قانون ممارسة المهنة الصحفية بمشاركة قوية للصحفيين"، ويحرص أصحاب النداء على التأكيد بأن المبادرة حرة ومفتوحة لجميع أبناء المهنة دون إقصاء لأحد، وهدفها النهائي تحقيق شعار "من اجل مهنة نعتز بها جميعا".
انتهاكات بالجملة لأخلاقيات مهنة الصحافة
المبادرة التي استحسنها اغلب الصحفيين، وتفاعلوا معها بايجابية عبر شبكات التواصل الاجتماعي و المواقع الالكترونية و قاعات التحرير، عكست حالة الاستياء العام من الوضعية التي آل إليها الصحفي، ويقول الإعلامي مروان الوناس أحد المؤيدين لمثل هذه المبادرات "إن الصحفي الجزائري يعيش أوضاعا اجتماعية ومهنية مزرية، حيث أصبحت كرامته مستباحة من قبل السلطة التي لم تسمح لحد الآن بخلق مناخ طبيعي للممارسة الصحفية الحقيقية، وحتى هامش الحرية المتوفر، والذي يعتبر أحد مكاسب الانفتاح السياسي والإعلامي في تسعينات القرن الماضي، يتم تضييقه وانتهاكه يوميا من قبل بعض المسؤولين على وسائل الإعلام عن طريق سلوكيات لا علاقة لها بالمهنية ". ويضيف مروان الوناس في حديثه لدويتشه فيله قائلا: "اعتقد أن الصحفيين الجزائريين بحاجة ملحة "لانتفاضة كرامة"، تعيد لهم حرية الكلمة دون خوف أو رقيب إلا الضمير المهني، ولا يوجد أفضل من اللحظة التاريخية الراهنة، للمطالبة بحقوقهم وكرامتهم".
فرصة تاريخية للتغيير
وبالرغم من أن مهندسي النداء وهذه المبادرات لا يحبذون ربط مبادراتهم بالسياق السياسي العام في الجزائر والمنطقة العربية، ويعتبرونها خلاصة نقاش واسع بين أبناء "مهنة المتاعب" منذ سنوات، غير "أن الوقت اليوم جد مناسب حيث كل القطاعات الوظيفية في المجتمع تسعى لبلوغ مراميها وأهدافها في التنظيم وتحصيل للحقوق الاجتماعية".
ويؤكد على ذلك نسيم لكحل الصحفي الجزائري ومدير الموقع الإعلامي المتخصصz-dz.com حين يقول "بأن الصحفي الآن أمام فرصة تاريخية للحديث دون عقدة، و بدون خوف عن وضعيته المهنية والاجتماعية التي كان البعض يعتبرها إلى وقت قريب "طابو" لا يجب كسره، فالوقت مناسب ليعرف المسؤولون والمدراء في وسائل الإعلام العمومية والخاصة بأن الصحفي يحمل رسالة إعلامية وليس مجرد خماس بأبخس الأثمان، له حقوقه التي يجب أن نعززها أكثر بعمل جماعي". ويضيف الصحفي بجريدة الجزائر الجديدة مسعود هدنة "أن مدراء بعض الصحف طرف أساسي في الأزمة التي نعيشها، فهم المسؤولون على قتل الأقلام الحرة، وتهميشهم، وخنق الصحفيين بأجور حقيرة، لا تضمن الحياة الكريمة لأقل من أسبوع".
النقاش مفتوح على الجميع
وعن زمن تنظيم هذه الوقفة الوطنية وتوقيتها، يرى منسقو مبادرة "من أجل كرامة الصحافي" بأن المشاورات جارية مع الجميع لتحديد زمانها ومكانها، ومن أجل جمع الاقتراحات والأفكار حول الشكل والمضامين التي تحملها هذه الانتفاضة تم إنشاء بريد إلكتروني لاستقبال الاقتراحات، قبل الصياغة النهائية لبيان المطالب التي سترفع للحكومة لاحقا، ويحرص المبادرون على عدم التسرع في اتخاذ أي قرار قبل استشارة أبناء المهنة، ويرون بأن الهدف من المرحلة الأولى هو التحسيس بأهمية الحراك، وخلق نقاش واسع بين جميع الفاعلين في الوسط الإعلامي، لأن التسرع والارتجال قادا كل المبادرات السابقة للفشل دون تحقيق مكاسب، بل على العكس من ذلك كان لهذا الفشل نتائج وخيمة على الصحفيين والقطاع بصورة عامة.
الكرة في ملعب الصحفيين
ويعتبر الصحفي بجريدة الأحداث رياض بوخدشة "أن التفاعل الواسع الآن مع المبادرة ينم عن رغبة كبيرة لدى الصحفيين الجزائريين في اتخاذ زمام المبادرة بأنفسهم وعدم انتظار الحكومة و ما تقدمه من اقتراحات تعودت على صياغتها مع اقتراب الاحتفالات باليوم العالمي لحرية التعبير في كل عام". وأوضح بوخدشة أن الفاعلين الاعلاميين تأخروا في فرض نقاش جاد مع الحكومة ممثلة في وزارة الاتصال، مشيرا الى وجود مبررات لهذا التأخر، وفي مقدمتها "الوضع الاستثنائي الذي عاشته الجزائر منذ سنوات، والآن وقد دخل عهد ما بعد حالة الطوارئ، وجب علينا المطالبة في أسرع وقت ممكن بتنظيم مهنة الصحافة لحماية الصحفي من خصومه الذين يرغبون في تدجينه، وجعله أداة في أيديهم مستغلين ظروفه الاجتماعية القاسية".
وتجاوزا لحالة الفوضى في القطاع، والتجميد المستمر للنصوص القانونية والتنظيمية التي أقرها قانون 23 أبريل 1990، كشف وزير الاتصال الحالي ناصر مهل في تصريح صحفي بداية الشهر الجاري عن مشروع قانون للإعلام سيطرح للنقاش والإثراء أمام مختلف المهنيين أثناء النصف الثاني للعام الجاري، من شأنه أن يحد مما أسماه بـ "تجاوزات أخلاقية في مهنة الصحافة"، إلا أن هذه التصريحات لم يتحمس لها أحد، ويرى فيها الصحفيون امتدادا فقط لدعوات سابقة من مختلف الوزراء المتعاقبين على قطاع الإعلام في السنوات الأخيرة من عبد العزيز رحابي إلى مهل مرورا بهيشور ومحي الدين عميمور وخليدة تومي ومحمد عبو.
توفيق بوقاعدة ـ الجزائر
مراجعة: محمد المزياني