صحافيون أوروبيون وعرب: الإعلام كجسر للحوار وليس للصدام
١٢ أبريل ٢٠١٠ناقش إعلاميون أوروبيون وعرب في مدينة اشبيلية جنوب إسبانيا "دور وسائل الإعلام في تشكيل العلاقات بين الثقافات في منطقة البحر الأبيض المتوسط" من خلال نماذج تظهر الإشكاليات والاختلالات التي تتسبب فيها طريقة معالجة وسائل الإعلام لعدد من القضايا التي تهم علاقات بلدان ضفتي البحر الأبيض المتوسط.
وقال أندريه أزولاي رئيس مؤسسة "آنا ليند الأوروبية المتوسطية لحوار الثقافات" (مقرها في بروكسيل)، في حوار مع دويتشه فيله، أنّ ملتقى الإعلاميين الأوروبيين والعرب في اشبيلية جاء بمبادرة من مؤسسة آنا ليند ومؤسسة الثقافات الثلاث( مقرها في اشبيلية). وأضاف أزولاي بأن الحوار بين الجانبين كان "مفتوحا وغير رسمي وانصب على تبادل وجهات النظر بشأن طريقة معالجة وسائل الإعلام للقضايا التي تهم علاقات الثقافات في المنطقة المتوسطية". وشدد أولاي على أن الملتقى "محاولة للقيام بتحليل نقدي للجدلية الإعلامية في الفضاء المتوسطي وخصوصا ما يتخللها في بعض الأحيان من انحرافات في معالجة قضايا العلاقة بين الثقافات وتقديمها في قالب صدام أديان أو حضارات بدل الحوار".
"وقت مناسب للحوار"
ويرى أندريه أزولاي أن الوقت "مناسب جدا" لطرح قضية تأثير وسائل الإعلام الحديثة في علاقات الثقافات بمنطقة البحر الأبيض المتوسط ، أولا من أجل القيام بوقفة تأمل وتقييم لما تبثه وسائل الإعلام وتأثيرها في تشكيل طريقة التفكير لدى الأفراد والمجموعات في دول ضفتي البحر الأبيض المتوسط،. ولاحظ رئيس مؤسسة "آنا ليند" أن السنوات الأخيرة شهدت مظاهر "انحرافات عديدة في المادة الإعلامية سواء التي تبث من جنوب أو شمال المتوسط"، مشيرا في هذا الصدد إلى "مساهمة بعض وسائل الإعلام في تغذية فكرة صدام الحضارات".
أما المنطلق الثاني الذي استند إليه حوار الإعلاميين الأوروبيين والعرب في اشبيلية، كما يقول أزولاي، فيتمثل في الاستناد إلى دراسة علمية أنجزتها مؤسسة "آنا ليند" بالتعاون مع معهد "غالوب" المتخصص في استطلاعات الرأي، حول تأثير وسائل الإعلام في طريقة التفكير وخصوصا ما يتعلق بنظرة كل طرف للآخر من الجنوب أو الشمال. وشملت الدراسة حوالي 13 ألف أسرة من الدول 43 الأعضاء في "الاتحاد من أجل المتوسط". وتم التركيز، من خلال الدراسة، على الكيفية والقوة التي تؤثر بها وسائل الإعلام في اتجاهات التقارب أو التنافر بين شعوب ضفتي المتوسط. واعتبر أزولاي أن الوقت بات ملائما لجمع إعلاميين من أوروبا والعالم العربي ليبحثوا معا الكيفية الأفضل لقيام وسائل الإعلام بدور إيجابي وبناء في إطار حوار الثقافات.
قضايا الدين والسياسة امتحان لحيادية الصحافة
وحول القضايا التي كانت أكثر إثارة للنقاش بين الإعلاميين الأوروبيين وزملائهم العرب، قالت الصحافية المصرية إيثار الكتاتني، التي تحدثت لدويتشه فيله من اشبيلية عبر الهاتف، إن قضايا العلاقة بين الغرب والعالم الإسلامي وموضوع المرأة والإسلام وملف النزاع الإسرائيلي والفلسطيني، استأثرت بحيز مهم من مناقشات المشاركين في الملتقى، وان الحوار حول هذه القضايا " أظهر انه ليس هنالك رأي "صحيح" وآخر "خطأ"؛ بقدر ما هنالك نظرة متعددة الأبعاد يتعين أخذها بعين الاعتبار من قبل الإعلاميين عندما يتناولون قضايا شائكة تتجاوز أبعادها وخلفياتها النطاق المحلي وتتداخل مع أطراف أو ثقافات أخرى".
ولاحظت الصحافية المصرية أن مناقشات ملتقى اشبيلية كشفت أن "عدم المعرفة الجيدة بثقافة " الآخر" وعدم الإلمام بالخلفيات التاريخية والثقافية والاجتماعية للحدث، الذي يقوم الصحافي بتغطيته، وكذلك الجهل باللغة المحلية في المجتمع الذي يعمل فيه المراسل، عوامل تجعل مهمة الصحافي صعبة جدا ويكون أكثر عرضة للوقوع في سلبيات وأخطاء مهنية". وحول طبيعة تلك السلبيات التي يمكن أن يقع فيها الإعلاميون، أشارت الكتاتني أن ملتقى اشبيلية ناقش مثلا المصطلحات التي تستخدم في وسائل الإعلام وكيفية "اختيار" أو" انتقاء" الصحافي لمواضيع دون أخرى، وكيف يساهم ذلك في تشكيل نظرة معينة عن ثقافة "الآخر". فمثلا تناول بعض وسائل الإعلام الأوروبية لمظاهر اضطهاد المرأة المسلمة بنوع من التعميم على كل فئات النساء في المجتمعات الإسلامية ودون تمييز، أو قيام وسائل الإعلام ببث صور أو معلومات تنطوي على خلط بين أوضاع اجتماعية أو سياسية معينة ومفاهيم دينية أو ثقافية. ومن الأمثلة على ذلك استخدام الصحافة المصرية على نطاق واسع لمصطلح "شهيدة الحجاب" خلال تغطيتها لحادثة مقتل المواطنة المصرية مروة الشربيني في ألمانيا، أو تعميم بعض وسائل الإعلام العربية لمظاهر العنصرية أو العداء للإسلام على المجتمعات الغربية.
وبرأي الصحافية المصرية إيثار الكتاتني فإن القضايا المتعلقة بالسياسة "تشكل في كثير من الحالات في الصحافة العربية إشكاليات وعدم تقيد بالحيادية والموضوعية" وأضافت أن "من بين الأسباب التي تؤدي إلى هذه المشكلات أن بعض الصحافيين يكتبون عن قضايا معينة لأنهم يشعرون بالتزام سياسي أو ثقافي معين وليس لأنهم يقومون بواجب مهني تحكمه قواعد من أهمها الحيادية والموضوعية في التناول".
بداية حوار وليس نهاية مطاف
ويبدو أن الحوار الذي دار بين إعلاميين عرب وأوروبيين في اشبيلية قد فتح نوافذ وآفاق لحوار أوسع بين الإعلاميين من بلدان ضفتي المتوسط، أكثر من توصله إلى توصيات محددة على غرار ما تنتهي إليه عادة الندوات والملتقيات من هذا النوع. وقد أكد اندريه أزولاي "أن ملتقى اشبيلية بداية وليس نهاية مطاف". وأضاف قائلا "نحن في بداية مسلسل للحوار يتطلب وقتا لأنه يهدف إلى التعمق في تقييم دور وسائل الإعلام وإلى التفكير المشترك بين الإعلاميين من بلدان ضفتي المتوسط في بناء علاقات في إطار أخلاقيات مهنة الصحافة".
من جهتها لاحظت الصحافية المصرية إيثار الكتاتني أن القضايا التي نوقشت خلال ملتقى اشبيلية "أظهرت حاجة الإعلاميين في الجانبين الأوروبي والعربي إلى تسليط الأضواء على طريقة تناول الصحافيين لقضايا العلاقة بين الثقافات والحوار حول السبل الأنجع التي تجعل الصحافي يساهم في الحوار بين الثقافات وليس في تأجيج النزاعات والصدام بين الأديان والثقافات". وأشارت الكتاتني إلى ضرورة مشاركة الصحافيين الشباب في مسلسل الحوار الإعلامي نظرا للدور المهم الذي ينتظرهم في المستقبل. ويذكر أن إيثار الكتاتني صحافية مصرية شابة تعمل في مجلة "ايجيبت توداي"؛ وهي حائزة على جائزة مؤسسة آنا ليند للصحافة.
ويذكر أن "جائزة آنا ليند للصحافة في منطقة الحر الأبيض المتوسط " أنشئت عام 2006 لتكريم الأعمال الصحافية التى تعالج قضايا التنوع الثقافي والعلاقات بين الثقافات، وتشمل مختلف أصناف الأعمال الصحافية : تلفزيون، راديو ، صحافة مكتوبة وإلكترونية. وتمنح الجائزة سنويا في حفل ينظم في إمارة موناكو وتشترك مؤسسة آنا ليند في تنظيم هذه الجائزة مع المفوضية الأوروبية و"تحالف الحضارات" التابع للأمم المتحدة.
الكاتب: منصف السليمي
مراجعة: أحمد حسو