"صالح أكثر عناداً من القذافي وسيدخل اليمن في أتون حرب أهلية"
٢٢ أكتوبر ٢٠١١دويتشه فيله: بعد دعوة مجلس الأمن الرئيس اليمني على عبد الله صالح بالتوقيع على المبادرة الخليجية والتي تنص بدورها على تخلي صالح عن السلطة، هل من المتوقع أن يستجيب صالح فعلياً للقرار الأممي؟
فؤاد الصلاحي: القرار الأممي لم يكن حاسماً بالشكل المطلوب، حيث أعطي الرئيس اليمني مهلة لمدة شهر. ويستطيع على صالح في هذه المهلة إعادة ترتيب الكثير من الأوراق وعسكرة العملية السياسية. فهو لن يسلم بسهولة ولن يتنحى بهذه الكيفية، التي طلبت منه. وكان الرئيس اليمني قد أعلن منذ ثلاثة أشهر موافقته على المبادرة الخليجية، لكنه لم ينفذ منها حرفاً. علي عبدالله صالح رجل قبيلة ولن يتنحى عن السلطة، بل سيحاول إدخال اليمن في أتون حرب الأهلية.
قلت أن صالح "رجل قبيلة ولن يتنحى عن السلطة". فهل يعني هذا أن هناك تشابهاً في العقلية بينه وبين العقيد الراحل معمر القذافي، على الأقل سواء من حيث نشأتهما القبلية وخلفيتهما العسكرية، مما قد يعني أن التنازل عن السلطة ربما ليس مطروحا من قبل الرئيس اليمني، وربما يقاتل حتى النهاية كما فعل القذافي؟
هذا أكيد، علي عبد الله صالح يرى حلمه في توريث ابنه السلطة يضيع أمام عينيه. صالح حكم ثلاثة وثلاثين سنة وليس لديه مشكلة في التنحي، ولكنه كان يأمل في جعل نجله امتداداً لحكمه. ما يزيد الأمر تعقيداً أن رموز المعارضة العسكرية والقبلية هم من خصومه، الذين لديه معهم ثأر قبلي. وهو لا يرى في هؤلاء ممثلين للثورة، بل منافسين له على السلطة والثروة، وهو لديه استعداد أن يقاتل حتى الموت، وهذا ما قاله بالأمس بالفعل. لن يسلم بسهولة وربما يكون أكثر عناداً من القذافي.
لكنه أعلن عن للتعاطي "بايجابية" مع قرار مجلس الأمن، ورغم ذلك فقد شهدت صنعاء تصعيداً عسكريا جديداً بعد ساعات قليلة من صدور القرار الأممي، فهل في ذلك إشارة على أن النظام اليمني غير مستعد للتراجع عن موقفه، كما ذكرت؟
منذ عام 1994 وهو يدعي الموافقة على أي اتفاقيات دوليه أو إقليمية، لكنه كان يشن في ذات الوقت حملات عسكرية على الجنوب. وهو يمارس نفس السياسة الآن، فهو يقول شيء ويفعل شيء آخر. فينما أعلن ترحيبه بالقرار، أعطى أوامره لضرب المتظاهرين في الساحات.
هناك رفض داخل المعارضة اليمنية لشرط عدم الملاحقة القضائية التي تضمنتها المبادرة الخليجية.. فهل لدى المعارضة حلاً آخر للخروج من المأزق الحالي؟
المعارضة أصبحت نفسها أزمة، بعدما انضمت إليها القبائل والعسكر، ومشكلتها الرئيسية أنها لا تمتلك بديل سياسي. نحن أمام معارضة بلهاء وجامدة وغير قادرة على وضع البدائل السياسية. كان يتعين على المعارضة أن تضع بدائل، لكنها تشبثت بالمبادرة الخليجية.
أنت تقول بأن العسكر والقبائل هم من يسيطرون على المعارضة اليمنية الآن، هل يعني هذا أن سيناريو مستقبل اليمن ـ بعد رحيل صالح ـ سيكون مرهون بيد نظام قائم على توليفة من العسكر و القبلية؟
لا ليس بالضرورة، فرغم الحديث عن انتشار السلاح في اليمن، فقد جاءت كل القبائل بدون سلاحها إلى ساحات التغيير. هناك عشر محافظات خارجة عن سلطة النظام ولم يحدث فيها شيء من هذا القبيل. مرحلة ما بعد صالح ستكون سهلة، لكنها لن تخلو من مناورات عسكرية من جيوب عسكرية لإثارة البلبلة. لكن هناك قوى وطنية واسعة تستطيع تنظيم العملية السياسية في البلاد.
في حال عدم استجابة على عبد الله صالح للقرار الدولي، هل ستكون هناك خطوات تصعيديه، سواءً من قبل الأطراف الدولية أو من قبل المعارضة اليمنية، لإجبار صالح على تسليم السلطة؟
المجتمع الدولي لم يتخذ قراراً حاسماً وربما يفعل ذلك بعد شهر، لكن اليمن ستكون قد وقعت بالفعل في المحظور العسكري. كنا نأمل من الدول الأوروبية، التي تدعو للديمقراطية حقوق الإنسان، أن تدعم المعارضة اليمنية، لكن هناك عدم اتساق في أقوالها وأفعالها. كان يتعين على المجتمع الدولي الاعتراف بالمجلس الوطني، لتقليص شرعية وسلطة الرئيس اليمني. لكن هذا لم يحدث.
بالنسبة للمعارضة، فأتوقع بأنه يكون هناك تصعيد من طرفها. هناك 30 ساحة تغيير في اليمن، يتعين على المعارضة أن تتحرك بكل عنفوان الثورة لفرض التغيير، وإلا سيفرض عليهم الرئيس اليمني منطق آخر.
اتسم موقف الجامعة العربية من الأحداث اليمنية بالسلبية ولم يتجاوز عبارات التنديد. هل من المتوقع أن يحدث الآن تغييراً في موقف الجامعة العربية بعد صدور قرار مجلس الأمن؟
الجامعة العربية لن تتخذ موقفاً حاسماً، فأمين عام الجامعة هو سكرتير للحكومات. منذ عشرين سنة والجامعة العربية هي مجرد ناد للمتقاعدين السياسيين. الدول الخليجية ومصر تتحكم في دوائر صنع القرار في الجامعة العربية ولن تفعل شيئا ونحن في اليمن لا نأمل منها شيئا ولا نعول عليها.
نحن أمام دول إقليمية غير راغبة في الضغط على علي عبد الله صالح وإخراج اليمن من الأزمة بسرعة، فالدول الإقليمية، وأولها السعودية، تحاول بسط سيطرتها على المشهد السياسي. تجاربنا في الستينات والتسعينات تدل على أن بعض الدول تحاول الاستفادة من الموقف المتأزم في اليمن. فالسعودية تحاول مسك خيوط التحول في المنطقة وتحديد التوجهات السياسية والفكرية للحكومة القادمة، خوفاً من تداعيات الحراك اليمني على جنوبها وهي تحارب التحولات الديمقراطية في كل أنحاء الوطن العربي، خوفاً من تأثيراتها على الداخل السعودي.
لكن دول الخليج، أو على الأقل بعضها كقطر مثلاً، تلعب دور عراب الثورات، وحتى السعودية دعمت الثورة في ليبيا. ألا يعني ذلك أن هذه الدول تبدو مطمئنة بأن مد الثورات لن يصل إلى شواطئها؟
على العكس، الدول الخليجية أكثر خوفاً اليوم من تأثير الثورات العربية عن فترة الستينات. الدول الخليجية تعاني اليوم من إشكالية حقيقية، فاليوم توجد شريحة كبيرة من الطبقة المتوسطة نتيجة التعليم والبعثات للخارج وهناك انسداد في المسار السياسي في هذه المجتمعات، التي يحكمها الكهول، أصغر أمير سعودي عمره 70 عاماً. هذا بالإضافة إلى الصراع الطائفي والمشاكل الاقتصادية. التغيير قادم لا محالة. يستطيعون الآن شراء الو لاءات السياسية عن طريق الإصلاحات الاقتصادية وتهدئة الأوضاع السياسية لفترة محددة، لكن التغيير قادم لا محالة.
لكن لماذا تحاول الدول الخليجية تسوية الأزمة الحالية في اليمن وتقترح مبادرة تقضي يتنحي الرئيس صالح كما يطالب الثوار، ألا تتناقض هذه الجهود مع تخوفاتها من وصول رياح التغيير إلى بلادها؟
هذه الدول لا تعمل على نصرة الثورة اليمنية، المبادرة الخليجية هي وأد للثورة وهي تحاول تحويل الثورة إلى عملية إصلاح سياسي تدرجي، تقوده النخبة الحاكمة أو جزء من النخبة، التي ستبقى في اليمن. لهذا رفضت المعارضة في الساحات المبادرة، التي لم تعترف بالثورة، بل بوجود أزمة بين السلطة والمعارضة. لكن المعارضة قبلت في النهاية بالمبادرة لأنها تجنب اليمن ويلات الحرب الأهلية.
أجرت الحوار: مي المهدي
مراجعة: عبده جميل المخلافي