شواطئ الجزائر ... بين مناطق البيكيني ولباس البحر الشرعي
٣١ يوليو ٢٠١١ينقسم المجتمع الجزائري بشأن ذهاب النساء إلى البحر، بين مؤيد لذهابهن ولباسهن ما شئن من بيكيني وغيره، فيما يذهب إسلاميون ومحافظون إلى اعتبار هذا الأمر من المحرمات في الشريعة الإسلامية، بينما يعتبر طرف ثالث أن منع النساء من الذهاب إلى البحر بشكل مطلق أمر غير عملي.
وتقول ليديا وهي طالبة جامعية في حوار مع دويتشه فيله "أنا طالبة في فرع الصيدلة ووالدي لا يرى مانعا من أن أذهب إلى البحر مع صديقاتي وزملاء الدراسة لأنه يثق فيما أقوم به ولست من النوع الذي يعيش حياة فاضحة كما يرانا الكثيرون" وتضيف بالقول: "كما أني أسبح بالبيكيني أحيانا ... و أحيانا أخرى بمايوه موحد لأني سمينة بعض الشيء" ... . لقد أتبعت ليديا تعليقها الأخير بضحكة تبعتها ضحكات من صديقاتها الممدات على شاطئ "بالم بيتش" غرب العاصمة، حيث يسمح للنساء بالسباحة بالبيكني، كما يسمح لهن بتقبيل ومعانقة أصدقائهن أمام الناس بكل حرية.
شواطئ الحرية
وتضيف سهام صديقة ليديا: "نحن فتيات متحررات ولدينا ضميرنا الديني الخاص بنا، ونشعر بحرية كبيرة في هذا الشاطئ لأنه يصعب علينا السباحة بلباسنا هذا في شواطئ أخرى، يرتاد عليها الإسلاميون، هم لم يضربوننا لكن يستحيل علينا السباحة معهم ووسطهم، لأنهم غالبية تختلف عنا". وغير بعيد عن شاطئ "بالم بيتش"، هناك منطقة صخرية يرتادها العشاق الراغبون في تجاوز مراحل القبلة والعناق، ويستر غالبيتهم نفسه بستائر وخيام صغيرة، والغريب أن هذا الشاطئ يضم أيضا أزواجا لم يجتمعوا بعد في بيت واحد، أو أنهم ينتظرون عرسهم عن قريب.
ويلاحظ عدم وجود طرفين في هذا الشاطئ، الإسلاميون و مصالح الأمن، كأن الأمر يتضمن شبه اتفاق بين الجميع على عدم تعدي حدود الآخر، غير أن الإمام في مسجد حي الجبل شرق العاصمة الجزائرية قيجاور عبد الرحمان، يرى عكس هذا التخمين ويقول في حوار مع دويشته فيله: "الإسلام يحرم مثل هذه التصرفات، إذ يجب على الرجال والنساء احترام الشعور الإسلامي العام، ولباس البيكيني حرام شرعا، ومن أراد أن يقبل ويعانق فما عليه أن يذهب إلى بيته، أو أن يستتر عن عيون الناس ويفعل ما يشاء، نحن في مجتمع إسلامي، و لسنا في أوروبا".
خلاف فكري يؤدي إلى اختلاف في أسلوب الحياة
إلا أن رد الطرف المعاكس للشيخ قيجاور جاء سريعا، إذ ترى الباحثة الاجتماعية نورية عبد الفتاح، أن الجزائر لا يمكنها تطبيق مبادئ الشريعة الإسلامية كما يريد بعض الشيوخ والكثير من الإسلاميين، وتضيف نورية عبد الفتاح: "النظام الجزائري علماني صرف، و الجزائر بلد إسلامي حقيقة، ولكن لا يمكن بعد اثنين وخمسين عاما من الاستقلال فرض توجه محافظ موحد على جميع الجزائريين، ومن الناحية الاجتماعية سيكون هذا الأمر بمثابة دق إسفين خلاف بين جهتين تشكلان قوة كبيرة داخل المجتمع". وتضيف الأستاذة نورية: "صحيح أن الحجاب بين النساء الجزائريات هو الأغلبية، لكن النساء اللواتي لا يلبسن الحجاب كثيرات أيضا، والكثير منهن يردن العيش بحرية وعلى الطريقة التي يرغبن فيها، ويبدو لي أنه من المستحيل أن تسمح الدولة للإسلاميين بمنع هذا التنوع".
شواطئ للإسلاميين
أما في حي باب الوادي الشعبي وسط العاصمة، فهناك حكاية أخرى، إذ لا توجد امرأة واحدة تسبح من دون حجاب أو من دون لباس سباحة على شكل حجاب، و يمكن رؤية الحضور الغفير للعائلات الإسلامية الاتجاه في شاطئ الكيطاني الذي يستحيل فيه من الناحية العملية أي نوع من التقبيل أو المعانقة، لأن الأمر قد يتحول إلى عراك عنيف، بحجة استفزاز الذوق العام.
ويرى الشاب ناصر، الذي يسكن أعالي حي باب الوادي، أن شاطئ الكيطاني هو مكان جيد للعائلات التي لا تريد أن ترى إخلالا بالمبادئ الإسلامية كما يصفها ناصر الذي يضيف: "شخصيا لا أمنع أخواتي المحجبات من القدوم إلى هذا الشاطئ وحتى زوجتي لا يمكنني منعها لأنها ستسبح مستورة من دون أن تنزع حجابها". ويمكن رؤية عشرات العائلات في شاطئ الكيطاني وهي تتمتع بجو البحر اللطيف، فيما تقام الصلوات بين الحين والآخر، في الجانب الخلفي من الشاطئ في جو معاكس تماما لما هو سائد في شاطئ بالم بتيش.
ويبدو أن الحكومة الجزائرية، تريد بشكل واضح منع المواجهة بين الطرفين، حفاظا على الأمن العام، فيما يذهب بعض المراقبين إلى التأكيد على مسألة يهتم بها الكثير من المنتمين إلى المجتمع المدني، وتتمثل أساسا في تزايد عدد الإسلاميين في الشواطئ ورغم أنهم لا يعنفون مخالفيهم، إلا أن مراقبين كثيرين يعبرون عن خشيتهم من التحول إلى الحوار العنيف بين الطرفين بسبب اختلاف المواقف، وخاصة إذا ما غابت الدولة.
هيثم رباني- الجزائر
مراجعة: طارق أنكاي