"شظايا فلسطين": تجسيد لمعاناة الشعب الفلسطيني
٢٢ سبتمبر ٢٠٠٩حفل زفاف، رجال ونساء يرقصون في مرح... فجأة تتحول الفرحة إلى فاجعة، جنود الاحتلال الإسرائيلي يقتحمون الحفل ويقتلون الضيوف. هذا هو المشهد الأول من مسرحية "شظايا فلسطين" التي اعتمد مخرجها نبيل الراعي على الأداء الحركي، والرقص والموسيقى والمؤثرات الصوتية والضوئية بدلا من الكلمات للتعبير عن معاناة الشعب الفلسطيني. وساهم في إنتاج مشاهد هذه المسرحية 14 من طلاب مسرح الحرية في مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين بالضفة الغربية بمشاركة مدرّسهم ومدير المسرح جوليانو مير خميس. الذي يقول بأن هذه المشاهد تعكس التجارب الشخصية للطلاب وما يعايشونه في حياتهم اليومية، ويضيف: "لقد فقدوا أخوانهم وزج بهم في السجون وتعرضت أمهاتهم وآباؤهم للإذلال، وزاروا في حياتهم مآتم أكثر من زيارتهم لأماكن ترفيه".
معاناة مزدوجة
مسرحية "شظايا فلسطين" تعبر بأسلوب مختلف عن ألم ومعاناة الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال الإسرائيلي، وعن حالة الانقسام الفلسطيني والنكبة، وبعض مشاهد الحياة اليومية. وقد جعل أسلوب المخرج منها عملا مؤثرا إلى درجة تنحبس معها أنفاس الحاضرين وتغرورق أعينهم بالدموع بسبب مشاهدها التي تعكس الاضطهاد والكراهية والعنف من ناحية، والتعلق بالأمل والسلام من ناحية أخرى. وفي هذا السياق يقول الراعي بأن المسرحية "صامتة لأن فلسطين حالة غير مقروءة ولا يمكن التعبير عنها بالكلمات. إنها عبارة عن شظايا بينما تعرض المسرحية هذه الشظايا محاولةًًً لملمتها".
مدرسة للتعبير عن المشاعر
يرى مدير مسرح الحرية جوليانو خميس أن اعتماد هذا الأسلوب لإخراج مشاهد المسرحية كان أكثر قدرة على التعبير عن الحالة الفلسطينية من أي كلمات أو نصوص، ولكونه يشكل لغة عالمية يمكن أن تفهم رسالتها في أي مكان. ويضيف بأن الهدف من هذه المسرحية هو أن يتعلم الأطفال كيفية التعبير عن مشاعرهم؛ فالناس في حياتهم الواقعية يميلون إلى كبت مشاعرهم، والبكاء على سبيل المثال محرم على الرجال. ويضيف: "... بدون التعبير عن المشاعر قد لا يكون بإمكاننا تحمل المعاناة اليومية من احتلال وموت وفقر، وفي نهاية المطاف يفقد المرء الإحساس تماما". ويرجع جوليانو النجاح الكبير لهذه المسرحية إلى جهود القائمين على هذا العمل المميز من فنيي إضاءة وصوت، إضافة إلى طلاب المسرح الذين عاش بعضهم مأساة الاجتياحات الإسرائيلية، فكان ذلك محفزا لهم لاسترجاع ذاكرتهم الانفعالية خلال تمثيل مشاهد المسرحية.
جوليانو على خطى والدته
جوليانو مير خميس مدير مسرح الحرية هو ابن لأب فلسطيني وأم يهودية هي المناضلة إرنا مير الحائزة على جائزة نوبل البديلة لتأسيسها في معسكر جنين للاجئين خلال فترة الانتفاضة الأولى مسرحا للأطفال أطلق عليه "مسرح الحجر". ومواصلة لعمل والدته أسس جوليانو "مسرح الحرية" الذي يشكل مدرسة للمسرح، كما أصبح أيضا مركزا ثقافيا يرتاده الأطفال والشباب من جميع معسكرات اللاجئين. بيد أن جوليانو يشير إلى الصعوبات التي يواجهها المسرح في تكوين كوادر جديدة من الممثلين الشباب باعتبار أن مهنة التمثيل ينظر إليها في الأراضي الفلسطينية بأنها مهنة مشينة. لكن جوليانو يؤكد على أن هؤلاء الشباب لا يريدون جميعهم أن يصبحوا ممثلين، لأن مهنة التمثيل أمر ثانوي بالنسبة لهم؛ فهم كما يقول، مناضلون من أجل حرية الفن، ويريدون تحقيق حلم ما. هذا ويعتبر جوليانو شخصية مكروهة في إسرائيل إذ سبق أن تلقى تهديدات بالقتل من قبل متشددين وصفوه بالإرهابي. بيد أن ذلك لا يخيفه، لأن قلبين يخفقان في صدره على حد تعبيره.
الكاتب: كريستين هندينغر/ م. عبد العزيز
مراجعة: ابراهيم محمد