شتيفان بوخن: في سوريا حل ثالث بين نظام الأسد والأخوان
٢ يوليو ٢٠١١كان شتيفان بوخن من أوائل الصحافيين الذين دخلوا مدينة بنغازي بعد سيطرة الثوار عليها وطرد قوات القذافي منها. كما شهد المعارك، التي دارت في رأس لانوف والزاوية والبريكة، حيث كان يتنقل في المناطق التي يسيطر عليها الثوار. وحين حاصرت قوات القذافي مدينة مصراتة حاول بكل ما أوتي من قوة دخول هذه المدينة للتعرف على أحوال سكانها المحاصرين. وهناك عاش تجربة فريدة إذ أصابت قذيفة صحفيين غربيين كانا بصحبته وقتلا على الفور بينما نجا هو بأعجوبة. وما أن حانت له الفرصة للتوجه إلى طرابلس الغرب، حيث يتحصن القذافي، ليحل محل مراسل القناة الأولى في التلفزة لألمانية ARD، حتى سارع للسفر إلى العاصمة الليبية دون اكتراث بالمخاطر التي قد يواجهها هناك جراء تواجده الطويل في مناطق الثوار.
وقبل ليبيا كان بوخن يتجول بين القاهرة والإسكندرية، مع فريقه التلفزيوني، ليغطي يوميات الثورة المصرية التي أطاحت بنظام الرئيس حسني مبارك دون أن تتحول إلى العسكرة. وحين بدأنا العمل للإعداد لفتح حوار مباشر بين قراء موقعنا، موقع دويتشه فيله العربي في شبكة التواصل الاجتماعي، فيسبوك، وأحد الباحثين أو المحللين السياسيين، حول موقف أوروبا من الثورات العربية، كان بوخن أول من فكرنا به. فالرجل يجيد العربية بطلاقة ويتابع الأوضاع في العالم العربي عن كثب. الرجل رحب بالفكرة ووافق على تخصيص ساعتين من وقته للحوار المباشر مع أصدقاء موقع دويتشه فيله.
سيل من الأسئلة
وما أن فتحنا باب الحوار، في تمام الساعة السابعة مساء، بتوقيت أوروبا، من يوم الخميس (30 حزيران/ يونيو 2011) حتى انهالت الأسئلة على بوخن من كل حدب وصوب، أو كما قالت السيدة فارفالا بويتا: "انفتح صنبور الأسئلة". محمد علي يسأل "من خلال تجربتك، بماذا تنصح قراءك الأوروبيين إزاء ما يحدث في الدول العربية الثائرة"؟ وقبل أن يفكر بوخن بالإجابة يأتي سؤال من محمود محمد "لماذا لا يوجد دعم مالي حقيقي للربيع العربي"؟ وسؤال ثالث من مخلوف حلحول "ما سبب تأخر رد فعل الغرب، خاصة أوروبا حيال الثورات في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، مثال سوريا و ليبيا"؟ ورابع من كاميران حوج "بما أنك كنت في موقع الحدث، هل لك أن تخبرنا عن الفروق بين مكان وآخر، أعني هل لكل الثورات نفس الوتيرة ونفس الدوافع أم الأسباب مختلفة"؟
ولم يكد بوخن يرحب بمحاوريه قائلا "أهلا بكم، يشرفني مشاركتكم في هذا الحوار؛ وأنا في هامبورغ مشتاق للعالم العربي"، حتى جاءه سؤال آخر من جهينة كوبكونست عن الثورة التونسية "كيف ترى مستقبل تونس السياسي بعد 14 جانفي". أخيرا ظهر على الشاشة أول جواب لبوخن على السؤال الذي كنا قد طرحنا عليه وافتتحنا به الحوار وهو "هل فوجئت أوروبا بهذه الثورات"؟ والجواب كان واضحا "نعم، أوروبا فوجئت للغاية، إذ لم تكن تعتقد بأن الشعوب العربية ستثور بهذا الشكل". هنا جاء سؤال آخر من إنانا عثمان فيه اتهام مبطن لأوروبا "هل دكتاتور متمكن من دكتاتوريته و(ناجح) كان ممكن أن يكون أكثر تفضيلا من ديمقراطية مستقرة قد تتسبب، عند بلوغها أهدافها، بخسائر واضحة للمصالح الأوروبية"؟
الاحتجاجات السورية تهمين على الحوار
الاحتجاجات الشعبية في سوريا، التي دخلت شهرها الرابع، نالت النصيب الأكبر من التعليقات والأسئلة. فريدوم داماس يسأل بغضب "لماذا هذا التباطؤ في التعامل مع الملف السوري رغم سقوط مئات القتلى؟ " وتدخل روشان روج على الخط لتحيي بوخن وتسأله عن تقييمه "للثورة السورية". وقبل أن تتاح له الفرصة للإجابة يظهر سؤال آخر لمشارك يقدم نفسه بـ"أبو سيلينا"، والسؤال هو: "ما هو رأيك باتهامات النظام السوري للمتظاهرين بأنهم عصابات مسلحة"؟ تعليق نقدي آخر لموقف أوروبا يأتي من مروان علي الذي يسأل "ألا يفكر الأوروبيون بسحب سفرائهم من دمشق؟" والسبب برأيه لأن "العقوبات التي فرضت على النظام السوري تظل ضعيفة وهزيلة من ناحية تأثيرها على تغيير سلوكه مقارنة بالجرائم التي ترتكبها أجهزته الأمنية والفرقة الرابعة بالجيش السوري".
سؤال اتهامي آخر لأوروبا يأتي من كاميران حوج، الذي يرى أن الغرب تخلى بسرعة شديدة عن أقرب حلفائه كمبارك وأنه شدد لهجته تجاه سوريا أيضا لكن "ما أن انعقد مؤتمر للمعارضة في قلب دمشق حتى بدأت لهجة التنديد بحق النظام تخف. فهل يعود تخفيف اللهجة إلى رغبة خفية في الإبقاء على النظام السوري بما له من موقع استراتيجي وخوفا من دخول المنطقة في فوضى قد تتأثر بها إسرائيل بقوة"؟ بوخن يوافق كاميران حوج رأيه ويضيف "الغرب يفضل استمرار نظام الأسد على تغيير سياسي عميق في سوريا". جان عيسى يسال غاضبا "ألمانيا تدعي أنها دولة تدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وفي سوريا أكثر من 1700 قتيل على يد قوات الأمن السورية، فمتى ستتحرك ألمانيا لوقف حمام الدم في سوريا"؟
أوروبا والخوف من الإسلاميين
أسئلة أخرى وكثيرة طرحت بشأن موقف ألمانيا من الثورات في العالم العربي وعن "سياسة الكيل بمكيالين". كما تساءل أحمد هانوفر بالقول "هل ترى ألمانيا في الثورات العربية تهديدا لها أم مصلحة مستقبلية"؟. وهو ما دعا أكثر من مشارك، ومنهم داغمار ماريا شتيلكينس، إلى التذكير بأن بوخن "صحافي وليس ممثلا للحكومة الألمانية". سؤال آخر جاء من عبد عايدي عن موقف الشعب الألماني؛ "كيف تفسر غياب أي حراك شعبي ألماني لدعم ربيع الشعوب العربية ثورات الحرية"؟.
كذلك شغل ملف الإسلام السياسي حيزا هاما في الحوار؛ إذ تحدث علاء عزمي عن وجود مخاوف أوروبية وغربية من بدائل الأنظمة التي أسقطها الثوار، وأضاف "ويبقى التخوف الأكبر من أن تحل جماعة الإخوان المسلمين محل الحكام في مصر وتونس وسوريا وليبيا". كما سأل أحمد فؤاد عن موقف الغرب من مصر "إذا وصل الإخوان المسلمون إلى الحكم". سؤال آخر طرحته إنانا عثمان عن وجود تخوف من "المشهد الإخواني في كثير من الدول كمصر وسوريا". جواب بوخن كان صريحا "أنا أتهم الحكومة الألمانية بقلة الخيال فيما يتعلق بالمستقبل السياسي في سوريا والشرق الأوسط. وعلى ألمانيا أن تدرك أن بين نظام الأسد والمشهد الإخواني يلوح حل ثالث أسميه: منزلة بين المنزلتين".
أحمد حسو
مراجعة: يوسف بوفيجلين