شتاء قارس يعقب ربيع الثورة في البحرين
٢٣ مايو ٢٠١١المشهد في مملكة البحرين اليوم يختلف تماماً عما ساد البلاد في فبراير/ شباط الماضي، عندما خرج آلاف البحرينيين للمطالبة بمزيد من الديمقراطية والإصلاحات السياسية التي تكفل مشاركة الأغلبية الشيعية هناك. أما اليوم فقد تحول ربيع الثورات إلى شتاء قارس، فلا مظاهرات ولا اعتصامات، كما هو الحال في اليمن وسوريا.
من مثال للديمقراطية إلى دولة بوليسية
في السابق تميزت البحرين بين دول الخليج العربية بمناخها الديمقراطي المنفتح نسبياً، ومجتمعها المدني المتطور مقارنة بدول المنطقة، إضافة إلى حركتها النقابية الضاربة جذورها في تاريخ البلاد. لكن اليوم أصبحت المملكة الصغيرة دولة بوليسية على استعداد للتصدي لأي حركة احتجاجية بكل عنف وقسوة، كما يؤكد الناشط الحقوقي البحريني نبيل رجب.
ويضيف رجب أن "السلطات تلاحق كل من شارك في الاحتجاجات أو تضامن مع المحتجين، بغض النظر عن مهنته أو وضعه الاجتماعي. تلميذات المدارس كنّ من أكثر من دعم الاحتجاجات، ولذلك فهنّ من أكثر الملاحقات من قبل النظام، الذي اعتقل منهن الكثير وعذب أغلبهن". وبالإضافة إلى الملاحقة والتعذيب والاعتقال، تم طرد أكثر من ألفي شخص من وظائفهم بسبب مشاركتهم في الإضرابات عن العمل أو التغيب عن أعمالهم خلال الاحتجاجات. ويضاف إلى هؤلاء أكثر من ألف معتقل و30 قتيلاً – وذلك كله في بلد لا يزيد عدد سكانه عن 600 ألف نسمة. حول ذلك يشير رجب إلى أن "الحكومة البحرينية قتلت نسبة أكبر من السكان مما قتل في مصر أو تونس خلال الاحتجاجات. وهناك معتقلان سياسيان على الأقل لكل ألف نسمة، وهي أعلى نسبة من نوعها في العالم".
"العائلة المالكة تلعب على الورقة المذهبية"
وبالرغم من أن السلطات البحرينية لعبت دائماً على الورقة المذهبية، واتهمت الشيعة بمحاولة انتزاع السلطة من الأقلية السنية الحاكمة، إلا أن الناشط الحقوقي البحريني نبيل رجب يؤكد أن السنة شاركوا أيضاً في الاحتجاجات إلى جانب الشيعة، وأن مطالب المحتجين كانت تركز على حكومة منتخبة بشكل ديمقراطي ونزيه.
ومن جهته يشير المحلل السياسي ديفيد روبرتس من المعهد الملكي لدراسات الأمن والدفاع في قطر إلى أن النظام الحاكم في البحرين حوّل الاحتجاجات الشعبية إلى صراع مذهبي، وأنه منذ القضاء على المظاهرات هناك في مارس/ آذار الماضي تم تدمير حوالي 30 مسجداً ومنشأة دينية شيعية في البلاد. ويتابع روبرتس بالقول إن "دول الخليج العربية مليئة بالأحكام المسبقة ضد الشيعة، و(البحرين) لا تكاد تعطي أي سبب مشروع غير ذلك لتفسير الاحتجاجات والمظاهرات هناك".
قضاء المنامة على الثورة فيها لم يكن ليتكلل بالنجاح دون تدخل القوات المشتركة التي أرسلها مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والمعروفة بـ"درع الجزيرة"، إذ تم إرسال ألفي جندي وعنصر أمن إلى البحرين للمساعدة على قمع الاحتجاجات والحفاظ على النظام الملكي هناك. وتم تفسير هذه الخطوة آنذاك على أنها كانت تهدف لمنع أي تدخل إيراني في الشؤون البحرينية، ومن أجل إعادة الهدوء إلى البلاد كي يتم الشروع في حوار وطني، بحسب ما صرح به ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة.
لا رغبة في الحوار لدى النظام
ويتوقع شادي حميد من معهد بروكينغز للأبحاث في الدوحة أن يقوم ملك البحرين برفع حالة الطوارئ المفروضة منذ مارس/ آذار بداية الشهر المقبل، إلا أن القوات السعودية والإماراتية التي شاركت في إخماد جذوة الثورة في البحرين سوف تبقى في البلاد، مما يلمح على عدم نية المنامة إجراء حوار مع المعارضة.
ويضيف حميد أن "النظام الحاكم يخوض حرباً ضد شعبه. هذا هو الوصف الوحيد لما يحصل في البحرين، وفي كل الأحوال فإن الملك لا يرغب في تعيين شيعي رئيساً لوزراء حكومته، مما يعني أنه لا توجد أي فرصة في المستقبل القريب لانتخاب حكومة بشكل ديمقراطي. وبكل بساطة فإن السعودية لن تسمح بحدوث هذا".
هذه العوامل تعني – بشكل ما أو بآخر – أن شتاء البحرين القارص قد يستمر سنوات طويلة أو أكثر دون أن يستبدله ربيع، وأن فرصة اندلاع ثورات مماثلة لثورات تونس ومصر في منطقة الخليج باتت شبه معدومة.
كارستن كونتوب/ ياسر أبو معيلق
مراجعة: منصف السليمي