شبكة الإنترنت تغير وجه صناعة الموسيقى
٢ مارس ٢٠٠٨صناعة الموسيقى هي ظاهرة حديثة ترسخ وجودها في القرن العشرين مع اختراع وانتشار وسائل حفظ الموسيقى مثل الفونوغراف والغراموفون ثم الشريط الممغنط (الكاسيت) والقرص المدمج (سي دي). ففي السابق كان الموسيقيون والمغنون يكسبون المال بشكل مباشر من زبائنهم من خلال العزف والغناء في الشوارع والساحات العامة والحفلات. ولكن مع ظهور وسائل حفظ وتسجيل الموسيقى ظهرت شركات التسجيل والتوزيع والنشر كحلقة وصل بين الفنان وجمهوره. وسميت الشركات العاملة بهذا القطاع بشركات صناعة الموسيقى.
شركات صناعة الموسيقى في أزمة
وفي الغرب خصوصا أصبح من الصعب على أي فنان أن يحقق الشهرة دون أن يوقع عقدا مع هذه الشركات، التي بالغت في الأموال التي تتقاضاها من الزبائن مقابل بيع الأشرطة والأقراص المدمجة من جهة، وبخلت على الفنانين بإعطائهم نسبا ضئيلة من الأرباح من جهة أخرى. وتصاعدت الانتقادات الموجهة لصناعة الموسيقى خصوصا بعد أن أصبح لهذه الشركات لوبي قوي يتدخل لدى المشرعين في تشكيل القوانين المتعلقة بالفن والموسيقى، وبدأ هذا اللوبي يؤثر بطريقة مثيرة للجدل على وسائل الإعلام في تشجيع أنواع معينة من الموسيقى على حساب غيرها.
ولكن الوضع تغير بشكل كبير بالنسبة لقطاع صناعة الموسيقى خصوصا مع انتشار الإنترنت في القرن الواحد والعشرين. ويتحدث المراقبون اليوم عن "أزمة صناعة الموسيقى" للتعبير عن الخسائر الضخمة التي تعرضت لها هذه الصناعة نتيجة لقدرة محبي الموسيقى على الحصول على الأغاني عن طريق تنزيلها من الإنترنت مجانا. وشنت صناعة الموسيقى حملة كبيرة ضد ظاهرة تواجد الأغاني في الإنترنت مجانا، معتبرة أن ذلك يؤدي إلى عدم تشجيع الفنانين على الإبداع.
الفنانون يكتشفون الإنترنت
إلا أنه في الفترة الأخيرة اكتشف الكثير من الفنانين والفرق الموسيقية أنهم بعرض أعمالهم مجانا في الإنترنت يستطيعون التواصل مع الجمهور بشكل مباشر والحصول على الشهرة التي يسعون إليها وحتى تحقيق الأرباح، بدون الاعتماد على شركات صناعة الموسيقى. ويعد المثال الأكثر شهرة على نجاح هذا الأسلوب الجديد في العمل فرقة البوب البريطانية راديو هيد Radiohead. فقد كانت هذه الفرقة في السابق تتعاون مع شركة التوزيع إي إم إي EMI إلا أنها قررت بعد إصدار ستة ألبومات عن طريق هذه الشركة التوقف عن ذلك. وبدأت الفرقة بعرض ألبومها الجديد العام الماضي "إين رينبوز" (In Rainbows ) على صفحة الفرقة في الإنترنت.
وسمحت الفرقة لمحبيها بتنزيل أغاني الألبوم الجديد من خلال صفحة الفرقة، بحيث يحدد المستخدم بنفسه ما يريد دفعه مقابل الأغاني التي يحصل عليها، ونتيجة لذلك قرر 62 بالمئة من المستخدمين عدم دفع أي مبلغ مقابل ما حصل عليه من أغنيات، أما الباقون فقد دفعوا ما معدله 1.55 يورو مقابل كل عملية تنزيل. وبعد انتهاء مدة معينة توقفت هذه الخدمة المجانية ونشرت الفرقة في الأسواق نسخا لأغنيات ألبومها على أقراص مدمجة شهدت إقبالا كبيرا على شراءها من الزبائن.
إنترنت اليوم هو شارع الأمس
وقد بدأت كثير من الفرق الغنائية الألمانية في الفترة الأخيرة بانتهاج أسلوب طرح أعمالها مجانا في صفحات الإنترنت للحصول على الشهرة: ويمكن تشبيه ما يحصل حاليا في مجال الغناء بما كان الوضع عليه قبل ظهور صناعة الموسيقى بداية القرن العشرين. أي أن الإنترنت بالنسبة لفنان اليوم هو بمثابة الشارع أو الساحة العامة بالنسبة لفنان الأمس حين لم تكن شركات صناعة الموسيقى قد وجدت بعد.