شباب جزائري يلجأ للمخدرات هربا من واقعه
٤ مايو ٢٠١٤الحمرا والزرقا وشوشنة، أسماء تطلق بالعامية في الجزائر على أخطر أنواع المخدرات وأبهظها ثمنا: فثمن الغرام الواحد مثلا من الكوكايين "الشوشنة" أو الهيروين، يصل إلى 17000 دينار جزائري أي حوالي 200 يورو. في الوقت الذي تدق فيه الجمعيات ومصالح الأمن والأطباء ناقوس الخطر وتدعو إلى إيجاد حلول وبدائل للشباب في أسرع وقت للإقلاع عنها.
رضا، شاب في الثلاثين من العمر، يقطن في أحد الأحياء الشعبية بمنطقة باب الوادي بالعاصمة الجزائر. لاحظنا أنه في كل يوم تركن أمام بيته سيارات مختلفة ويقوم بتسليم من بداخلها شيئا ملفوفا ويقبض مقابله مبلغا ماليا. تتبعنا خطواته. وفي أحد الأيام تبادلنا أطراف الحديث معه وسألناه عن ما يبيع ومن أي شريحة زبائنه. أجابنا بكل بساطة "خرجت من السجن بسبب تهمة قتل لم ترتكب عمدا فوجدت عائلتي تعيش في فقر شديد لا يملكون حتى الأكل ليوم واحد. بحثت عن عمل في جميع المؤسسات، لكنها رفضت تشغيلي لأن أوراقي القضائية مدون عليها سوابقي العدلية. لم أجد عملا سوى بيع المخدرات".
غرام واحد يكفي للخروج من العالم الحقيقي
وأضاف رضا، الذي أكد لنا أنه لا يتعاطاها وإنما يبيعها فقط: "أنا أبيع الكيف المعالج بـ 500 دج للقطعة الواحدة وكذا أبيع الأقراص المهلوسة "الحمرا" مقابل 1000 دج للحبة الواحدة. ولدي زبائن من جميع الفئات وحتى شيوخ. ويقصدني حتى القصّر، إلا أنني أرفض البيع لهم"، كما أكد لنا رضا، أنه سيأتي يوم يتوقف فيه عن بيع المخدرات لأنها قد تؤدي بصاحبها إلى القتل أو الانتحار. وقال لنا بصريح العبارة "سأتوقف حين أجد البديل أو تنزع كلمة خريج سجن من وثائقي لأتمكن من إيجاد عمل محترم، لأنني غير راض عن هذا الربح السريع والخوف الكبير الذي ينتابني في كل مرة أحمل فيها كميات كبيرة من هذه السموم".
تركنا رضا والحزن ظاهر على ملامحه وتوجهنا نحو بلدة في ولاية البليدة معروفة بأن قاطنيها يستهلكون أقوى أنواع المخدرات كالكوكايين والهيروين. اقتربنا من مجموعة شباب كانوا يتعاطون المخدرات وراء سور عمارة خشية من رجال الأمن وخجلا من سكان البناية. وبمجرد وصولنا إليهم صاح فينا أحدهم قائلا "من أنتم، ماذا تريدون؟" ولما عرّفنا بأنفسنا تحدث إلينا أكبرهم سنا ويدعى سمير: "أنا أتعاطى المخدرات منذ أن كان عمري 16 سنة والآن عمري 40 سنة وإقبالي عليها ليس بسبب المشاكل وإنما لفوائدها الطبية".
ثم تحدثنا مع شاب يبلغ من العمر 18 سنة وكان مستاء من حالته المعيشية ويردد "هذه ليست بلد". ثم أضاف: "تعبت من عيشة الفقر، لا يوجد عمل. أنا أتناول الهروين والكوكايين وأي شيء آخر، المهم أن أنسى حالي". وعندما سألناه كيف يتحصل على المخدرات مع أنه لا يعمل قال: "إن لم أجد المال أتوجه للسرقة والاعتداء. هذه حياتي".
ثم توجهنا إلى فرع معالجة الإدمان بمستشفى "فرانس فانون" بولاية البليدة، وهناك التقينا بشاب يدعى يوسف. كان تاجرا من عائلة غنية ويتعاطى الكوكايين، وقال لنا إنه جاء للعلاج في هذه المصحة بعد أن أوشكت المخدرات على تدمير حياته، وأضاف: "كنت أحب فتاة، وبعد رفض والدتي زواجي منها، كوني من عائلة غنية وهي من عائلة فقيرة، لم أجد ما أفعل سوى تناول الكوكايين لأنسى همومي. ولكنني كنت مخطأ والحمد لله تعافيت بعد دخول المستشفى، فالمخدرات ليست هي الحل".
الأطباء والأمن يدقون ناقوس الخطر
أكدت لنا الأخصائية النفسية، سامية مهدي، في تصريح هاتفي: "من بين الأسباب التي تدفع الشباب إلى التوجه نحو المخدرات هي المشاكل وعدم قدرتهم على مواجهتها، فأول مشكل يعترضهم يتوجهون إليها وفي كل مرة يرفعون من الجرعة ويستبدلون النوعية بحثا عن أقواها تأثيرا. وهذا يشكل خطرا كبيرا كون الشخص الذي يتناول الكوكايين والهروين أو الكراك يمكن أن يقتل دون أن يشعر. وأنا كأخصائية نفسية أعتبر هذا ضربا من الإرهاب". وطالبت السلطات المعنية بإيجاد حلول لهذه الظاهرة التي تستفحل وترتفع حدتها بشكل يومي.
وللحصول على أرقام حول هذه الظاهرة اتصلنا بخلية الإعلام والاتصال بقيادة الدرك الوطني الجزائري التي زودتنا بأرقام تدعو للقلق، حيث سجلت هذه الأخيرة حجز 180 طنا من الكيف المعالج خلال الـ 14 شهرا الماضية، وهي ضعف الكمية المحجوزة في السنتين السابقتين. كما ضبطت مليوني قرص مهلوس، والذي يعتبر أخطر أنواع المخدرات حسب قيادة الدرك الوطني، وأربعة كيلوغرامات من مادة الكوكايين، التي يباع الغرام الواحد منها بما بين 15000 و 17000 دينار جزائري.
كما تقوم ذات الجهة الأمنية، حسب المسؤول عن خلية الإعلام والاتصال بقيادة الدرك الوطني العقيد عبد الحميد كرود لـ "دويتشه فيله"، بحملات توعية من فترة الى أخرى في المدارس وفي أواسط الشباب عبر جميع الولايات للتوعية بمخاطر المخدرات. ويشير التقرير الذي أعده الديوان الوطني الجزائري لمكافحة المخدرات، أنه تم تسجيل 34 ألف مدمن على المخدرات في السنة الماضية معظمهم من الشباب.
وتبقى المخدرات تشكل خطرا على المجتمع الجزائري بغض النظر عن مصدرها أو كيفية وصولها إلى الشباب المدمن عليها، الذي إذا نقصه غرام واحد منها قد يلجأ إلى الاعتداء وحتى القتل بغرض الوصول إلى المال لشرائها.