شباب الأحياء الفقيرة والغنية بالجزائر محبطون من الانتخابات
٢٨ مايو ٢٠١٢لا تبدو علامات المفاجأة في الشارع الجزائري بنتائج الانتخابات التشريعية التي فاز فيها حزب جبهة التحرير الوطني، الحاكم بأغلبية الأصوات، وجاءت عدم المفاجأة من يأس الشباب الجزائري من عدم تحقيق السلطة لوعودها في التغيير السلمي عبرالإصلاح ومحاربة الفساد والمفسدين، بالنظر إلى تجارب سابقة عاشتها الجزائر. انطباعات رصدها موقع DW في استطلاع لآراء عدد من الشبان الجزائريين من أحياء غنية راقية وأخرى شعبية وفقيرة، وذلك إثر الانتخابات البرلمانية التي جرت في العاشر من مايو أيار الحالي وفاز فيها حزب جبهة التحرير الوطني الذي يحكم البلاد منذ استقلالها سنة 1962.
البرلمان الجديد ليس مقياسا للتغيير
ايام فقط بعد تأييد وموافقة المجلس الدستوري في الجزائر لنتائج الانتخابات البرلمانية، التي فاز فيها حزب جبهة التحرير الوطني زار موقع DW حي سيدي يحي بحيدرة في أعالي العاصمة، وهو واحد من أهم الأحياء التي يعيش فيها أثرياء الجزائر. وفي مطعم الهفاقة أرقى مطاعم الحي، جلست سلمى 23 سنة رفقة أصدقائها تنتظر لائحة الطعام، ويبدو أن موضوع الانتخابات وفوز الحزب الحاكم ليس له وجود في أجندة سلمى ورفيقاتها حيث قالت سلمى "أعتقد ان الإنتخابات التشريعية أعطيت أكثر من حقها في التسويق الإعلامي" فمن المعروف " ان نواب البرلمان لم يدافعوا يوما عن الشعب بل يعملون على خدمة مصالحهم الخاصة " تقول سلمي التي كانت ترتدي أرقى ملابس الموضة وتدخن سيجارة وتلقي بدخانها في سماء المطعم.
تقول سلمى ان والدها يشتغل موظفا كبيرا في الدولة ولقد صوت لصالح حزب جهة التحربر الوطني، اما هي فلم تصوت في حياتها ولا يهمها الأمر أصلا، ورغم ذلك تعتقد سلمى بأن التغيير في الجزائر "لن يتحقق من خلال البرلمان وإنما عن طريق قرار السلطة محاربة الفساد".نفس الأمر بالنسبة لوسيلة صديقة سلمى التي كانت جالسة بجوارها، فوسيلة لا تعرف شيئا عن السياسة، وعائلتها لم تصوت وتتذكر أن والديها دائما صوتان فقط في الإنتخابات الرئاسية.. " لقد انتخب والدي الرئيس بوتفلقية..بالنسبة لعائلتي فإن الانتخابات التشريعية لن تحقق التغيير لأن النواب يدخلون البرلمان للحصول على المال والمزايا حسب ما يقول والدي" تقول وسيلة وهي تنظر إلى صديقتها، وتحتسي مشروبا بينما كانت بقية الصديقات الأخريات يتحدثن عن آخر صيحات الموضة.
أغنياء الجزائر الجدد والانتخابات
حي سيدي يحيى بمنطقة حيدرة في أعالي العاصمة، شيد حديثا وتعيش فيه عائلات غنية ويطلق عليهم من قبل أوساط الجزائريين بالأثرياء الجدد، أي الذين ظهر عليهم الثراء بعد تفتح الجزائر على اقتصاد السوق مع وصول الرئيس بوتفليقة الى سدة الحكم عام 1999 وتشجيع الاستثمارات الأجنبية التي سمحت بتوفير فرص الربح والتربح. فتحول الحي وفي مدة قياسية إلى نقطة استقطاب تجارية وترفيهية تستهوي الأجانب وشرائح من الجزائريين، بسبب محلات الموضة والأناقة وأماكن الاستمتاع والترويح عن النفس في المطاعم والمقاهي الفخمة.
من الوهلة الأولى بدا واضحا أن شباب الحي غير مكترث بنتائج الانتخابات التشريعية فعمر ابن الحي الذي يمتطى سيارة مرسيدس يعترف بأنه لا ينتخب، فبالنسبة إليه هذه الانتخابات لن تضيف لحياته شيئا وفوز حزب جبهة التحرير الوطني لن يحقق التغيير ولن يلبي طموحات الشباب ولن يحارب الفساد والمحسوبية.
لا شيء يوحي في حي سيدي يحي بأن الشباب متفاجئ من نتائج الانتخابات أو حتى متفاعل بفوز الحزب الحاكم بالرغم من أن مقر هذا الحزب غير البعيد عن الحي؟
يقول رفيق، 24 سنة، "نشاهد يوميا أشخاصا يتوافدون على هذا المكان ولولا ملصقات الحملة الانتخابية التي اكتسحت الشارع لما عرفنا بأن هذا هو مقر حزب جبهة التحرير الوطني؟" والأغرب من ذلك أن
مسكن رفيق ليس ببعيد عن مقر هذا الحزب الذي فاز بأغلبية المقاعد وهو نفس الحزب الذي كان يمتلك اكثر الأصوات في البرلمان السابق؟ وبالنسبة لرفيق" الحياة مستمرة والتغير السلمى الذي دعا إليه الكثيرون بات صعب المنال".
يأس لدى شباب الأحياء الفقيرة
لا تختلف آراء شباب الاحياء الفقيرة عن آراء شباب الأحياء الغنية فحي ديار البركة الواقع ببلدية براقي ضواحي العاصمة الجزائر توقعوا فوز الحزب الحاكم في الانتخابات التشريعية، وهناك التقينا وسيم الذي يعيش في الحي القديم منتظرا منذ مدة طويلة وعود السلطة في نقل أسرته إلى محل سكن جديد. وقد كان هذا الحي كان دوما بؤرة للاحتجاجات والعنف بسبب التهميش.
وسيم مازال يحلم هو وعائلته بسكن جديد، يقول"الحزب الحاكم هو الذي يسيِر البلدية التي أقطن فيها..جميع المسنين والعجائز صوتوا لصالحه اعتقادا منهم انه سينقلهم بعد الانتخابات، أما أنا فلا أؤمن بالدولة ولا بمؤسسات الدولة والأشخاص العارفين في هذا البلد على دراية تامة ان الإنتخابات مزورة والسلطة لم تف بوعودها في التغيير السلمي والإصلاح ومحاربة الفساد لذلك لا أنتظر من البرلمان المقبل أي شيء".
أما جمال34 سنة، تاجر غير شرعي، يبحث عن الخلاص بعيدا عن السياسية، وهو يرى ان الحل يكمن "في التغيير عن طريق العنف" رغم انه رأي لا يوافق عليه معظم الجزائريين بالنظر لتجارب العشرية السوداء، التي خلفت حوالي ربع مليون قتيل في البلاد.
أما جاره عبد الله الذي كان جالسا برفقته ليس بعيدا عن مقر البلدية، فالأمر يختلف لقد اغتنم فرصة الانتخابات التشريعية واشتغل كمساعد مراقب في أحد مراكز الاقتراع وتحصل على "مبلغ معقول" من المال، يقول عبد الله، وهو متزوج وأب لطفل، "أحاول أن أحصل على حقي في مداخيل البترول من خلال اقتناص الفرص، فالانتخابات التشريعية كانت بالنسبة إلي فرصة وأعتقد أن الناس اضحوا يبحثون هم ايضا على تحقيق مصالحهم الخاصة حالهم حال نواب الشعب الذين هرعوا إلى البرلمان" بهدف الخروج من "الغرقة" أي الوحل العالقين فيه على حد تعبيره.
خيارات أحلاها مرٌّ
وحول مدى تأثير فوز الحزب الحاكم في الإنتخابات التشريعية على مزاج الشباب الجزائري، تقول الإعلامية والخبيرة في الشؤون السياسية الإعلامية فتيحة بوروينة، إن حزب جبهة التحرير الوطني بالنسبة للجزائريين هو الحزب الذي حكم قرابة نصف قرن من الزمن ولا يريدون العودة إليه، فهو بالنسبة إليهم حزب آبائهم وأجدادهم.
وقدمت الخبيرة تعريف الحزب لدى الشباب الجزائري بأنه الحزب الذي "استحوذ على السلطة وعمّر طويلا ولم ينتج سوى مزيد من البطالة والفقر والتيه". وعودته تعني كسر آمال قطاع واسع من الشباب وخيبة آمال في تحقيق التغيير بعدما كان يعتقد أن هذه الانتخابات ستكون بمثابة مرحلة حاسمة في التاريخ السياسي الحديث للجزائر. وتضيف الإعلامية الجزائرية في حديثها لـ DW ان "الحزب الحاكم مرتبط باحتكار السلطة والفساد فولذلك فلا يُؤمل خيرا في البرلمان الجديد".
وحسب فتيحة بوروينة "ليس أمام الشباب الجزائري اليوم سوى خيارين اثنين، زيادة الارتماء في أحضان قوارب الموت بحثا عن فردوس مفقود على الضفة الأخرى من المتوسط ، أو نحت طريقهم بأيدهم في بلدهم من خلال التوجه نحو الأعمال الحرة على اعتبار أن الحصول على وظيفة في القطاع العام أو الخاص على حد سواء صار ضربا من المعجزات، أو البحث عن بدائل أخرى يوفَرها الشباب الجزائري لنفسه حتى يتجنب الخيار الثالث، الانتحار أو الثورة".
رتيبة بوعدمة - الجزائر
مراجعة: منصف السليمي