شباب أوروبيون يختارون ألمانيا من أجل تكوينهم المهني
٥ مايو ٢٠١٢
من المعروف أن المصانع والشركات الألمانية، لاسيما في شرق البلاد، تشكو منذ مدة من نقص في الحرفيين الشباب في شتى الميادين الحيوية. وتمنح القوانين الأوروبية منذ سنة مواطني البلدان الأوروبية التي انضمت حديثا للاتحاد الأوروبي حرية اختيار البلد الذي يريدون العمل فيه. وللاستفادة من حرية اختيار مكان العمل دعت مؤخرا غرفة الصناعة بمدينة كوتبوس شرقي ألمانيا 22 شابا من بولندا من أجل إتمام تكوينهم المهني، غير أنهم لم يتمكنوا جميعا من إنهاء مشوارهم المهني، ولم يبق منهم سوى ستة. ويتساءل الكثيريون من المسؤولين الألمان عن نجاعة اللجوء إلى جلب شباب من خارج البلاد لتعويض النقص الحاصل في كثير من المهارات المهنية بألمانيا.
الشاب بافل، 25 عاما ينحدر من بولندا التي تعاني من نسبة عالية في البطالة، علما أن ربع مجموع الشباب البولنديين لا يتوفرون على عمل. وهذا ما يؤكده بافل حين يقول: " ظروف العمل جيدة كثيرا في ألمانيا. وفي بولندا لا توجد فرص كافية للعمل، ومستوى الأجور متدن. الأمر مختلف في ألمانيا حيث أحصل على أجر مادي أكبر يمكنني من أن أعيش بشكل أفضل، وعلى هذا الأساس أعتبر نفسي محظوظا".
وتفيد الإحصائيات الخاصة بمدينة كوتبوس في شرق ألمانيا أن مواطن التكوين المهني متوفرة بأعداد كافية، حسبما أشار إليه أيضا روديغر غله مدير المصنع الذي يعمل فيه الشاب البولندي بافل "لا يخفى على أحد أن الوضع المرتبط بفرص التكوين المهني تغير بصفة جذرية خلال السنوات الأخيرة. لم نتوفر في السابق على أية فرصة تكوين، واليوم نحن نتوفر عليها، لكننا لا نجد مرشحين لشغلها".
اللغة الألمانية شرط أساسي للعمل
الشاب بافيل الذي كان يبحث عن عمل فضّل مغادرة وطنه بولندا برفقة 21 شابا آخرين إلى ألمانيا حيث استقر في مدينة كوتبوس التي عكف فيها على تعلم اللغة الألمانية، وهو شرط أساسي للحصول على أي موطن للتكوين المهني. وبعد مرور سنة لم يبق من أولئك الشباب البولنديين سوى ستة، لأن بعضهم غادر بمحض إرادته، والبعض الآخر ُأجبر على ذلك نظرا لساعات الغياب الكثيرة أو الفشل في تعلم أساسيات اللغة الألمانية. لكن الشاب البولندي برهن على روح المثابرة، ونجح في تجاوز الامتحان الأول في اللغة. ويقول بافل في هذا الإطار: "أعتقد أن اللغة لا تزال تمثل مشكلة. أعكف على التعلم كل يوم، وأشعر أنني أتحسن يوميا في التحدث بالألمانية. حتى داخل المدرسة أواجه بعض المشاكل. فالمصطلحات الخاصة الكثيرة صعبة، لأنني لا أجدها في القاموس، وهذا يدفعني إلى أن أسأل الآخرين، ولحسن الحظ عندي صديق يساعدني في ذلك".
"الاندماج ضروري للنجاح في العمل"
في ورشة العمل يشعر بافل بارتياح، لأن زملاءه الألمان استأنسوا به، ويقولون إنه متدرب جيد. وقد تجاوزت العلاقة مستوى العمل ليقوم بعض الزملاء الألمان في أيام العطل بزيارة بافل في بيت عائلته، ويتعرفون هناك على الثقافة البولندية التي تشمل أيضا أصناف طبخ مختلف عما هو معهود في ألمانيا.
ويفيد سباستيان سزاييك، أحد المشرفين وهو مشرف عمل أن الاندماج هو مفتاح نجاح أي متدرب جديد، ويقول: "إن الاندماج مهم جدا. فالشباب الذين فشلوا هنا، وعادوا إلى بولندا لم يكن لديهم أصدقاء، فالسبب يعود إذن إلى انعدام الوسط الاجتماعي. كما أن الكثير يرتبط أيضا باللغة، لأن الشخص يشعر بالإهمال عندما لا يكون بإمكانه التحدث إلى زملاء العمل أو القيام بأشياء معهم".
ولم يكن الأمر سهلا في البداية بالنسبة إلى الشاب بافيل الذي واجه متاعب الفوارق الثقافية، إلا أنه تأقلم سريعا مع ظروف العمل، واستوعب ضرورة مراعاة التفاصيل الصغيرة، واندمج بالتالي في محيطه الاجتماعي الجديد.
وبإمكان غرفة الصناعة بمدينة كوتبوس استقبال عدد أكبر من المتدربين مثل الشاب بافل، لأنها تتوفر على مواطن تكوين مهني شاغرة، ومن تم هناك مشروع لاحق يضم 18 شابا بولنديا إضافيا سيباشرون تكوينهم المهني بألمانيا في الخريف المقبل، حتى يصبح التبادل بين البلدين أمرا عاديا يكون فيه إتقان اللغتين الألمانية والبولندية بديهيا بين البلدين الجارين.
يان شلينغ/ محمد المزياني
مراجعة: أحمد حسو