سيوة – واحة استجمام من العالم الرقمي وتعقيدات الحياة الحديثة
١٠ فبراير ٢٠٢٤في قلب الصحراء الغربية بمصر تقف واحة سيوة شاهدة على صمود الطبيعة وذكاء الإنسان. رحلة بالسيارة مدتها عشر ساعات من القاهرة باتجاه الغرب تأخذك إلى هذه الجنة المعزولة، القريبة من الحدود الليبية، حيث تزدهر طريقة حياة المجتمع الأمازيغي وسط الظروف الصحراوية القاسية.
الواحة، ببحيراتها المالحة، وينابيعها العذبة، وكثافة بساتين نخيل البلح، تقدم تباينًا صارخًا مع المناظر الطبيعية الصحراوية المحيطة، جاذبةً ليس فقط المسافرين والمغامرين ولكن أيضًا أولئك الذين يبحثون عن استراحة من الديناميكية المتسارعة للعالم الرقمي.
الزراعة.. تجسيد لثقافة الواحة
يتجسد جوهر سيوة في موسم حصاد التمور السنوي، وهو تقليد متأصل في المجتمع المحلي. "مشهد يشبه سقوط المطر، حينما تتساقط التمور على غطاء بلاستيكي ضخم"، هكذا يقول الشاب أحمد البالغ من العمر 21 عاما، أحد السكان المحليين، وهو يستعد لتسلق أشجار النخيل حافي القدمين ليهز التمور حتى تسقط، مهارة تعلمها منذ الطفولة في سيوة.
أحمد وأصدقاؤه يجمعون التمور، مختارين أفضلها للبيع، بينما يتخلصون من الأقل جودة. عملهم اليومي من الفجر حتى الليل، ويمكن أن يجمعوا ما يصل إلى طن ونصف الطن من التمور.
تمور سيوة مشهورة بحلاوتها، والتي يُعزى الفضل فيها إلى الحرارة الشديدة وجودة المياه المتاحة لأشجار النخيل. ويشرح أحمد: "الحرارة عالية في الصيف لذلك تنضج التمور بسرعة، وتصبح حلوة ورطبة. علاوة على ذلك، جودة الماء هنا جيدة جدًا. لذلك الجميع يحب تمور سيوة". ومن بين الأنواع المختلفة، تُعد تمور الصعيدي والعزاوي مرغوبة لنكهتها، مجسدةً التراث الزراعي الفريد للواحة. ومن أشهر الأنواع في سيوة أيضا البارحي والكعيبي والمجدول.
الثقافة الأمازيغية .. أصل متجذر
يتشكل النسيج الثقافي لسيوة بشكل غني ومميز، من خلال سكانها الأمازيغ، الذين حافظوا على لغتهم وعاداتهم، مما يميزهم عن الأغلبية العربية في مصر. موسيقى الواحة، بإيقاعاتها الفريدة، واللهجة المحلية تتحدث بصوت عالٍ عن هوية المجتمع العميقة وارتباطه بالأرض.
تقدم السياحة في سيوة مزيجًا من الجمال الطبيعي والتفرد الثقافي. من الاستحمام في البحيرات شديدة الملوحة، والتي تزيد ملوحتها عن ملوحة البحر الميت، إلى الاسترخاء في المياه الباردة والمنعشة للعديد من الينابيع الطبيعية بعد يوم حار، يجد الزوار مثل كارين من تشيلي وإلينا من إيطاليا أنفسهم مفتونتين بما تقدمه سيوة. إلينا، التي وقعت في حب توافر المياه في الصحراء، تشارك تجربتها قائلة: "لقد وقعت في حب سيوة. الكثير من الماء وسط الصحراء – إنها معجزة".
الاسترخاء بعيدا عن العالم الرقمي
يصبح عدم وجود اتصال بالإنترنت، أو نقصه، نعمة للكثيرين ممن يزورون هذه الواحة، مما يسمح بفترة راحة حقيقية من العالم الرقمي. تعلق إلينا على هذا الوضع بالقول: "إذا أردت إرسال صورة إلى الوطن، فأنا أفعل ذلك في الغرفة المشتركة. هناك حيث توجد شبكة "واي فاي" (إنترنت لاسلكي)، إذ أضطر للذهاب كل يوم مساء بعد الإفطار للاتصال بالإنترنت لفترة وجيزة. ولكن خلاف ذلك، من الجميل جدًا أن تتحرر من العالم الرقمي الذي نعيش فيه".
ولا تقتصر جاذبية سيوة فقط على مناظرها الطبيعية أو تقاليدها، ولكن في قدرتها على توفير مساحة للتأمل، بعيدًا عن تعقيدات الحياة الحديثة. مع غروب الشمس وتوهج السماء باللون الأحمر، تتحول الواحة إلى مكان للفرح الجماعي والاسترخاء، حيث يستمتع الزوار والسكان المحليون على حد سواء بالوجبات الخفيفة والمشروبات التقليدية المصنوعة من التمور التي تعتبر جزء من ثقافة سيوة.
في جوهرها، واحة سيوة أكثر من مجرد وجهة، إنها رحلة إلى جذور الاتصال البشري بالطبيعة وببعضنا البعض، تقدم ملاذًا هادئًا وتذكيرًا بالجمال الذي يوجد في اللحظات البسيطة غير المتصلة بالحياة الصاخبة.
الكاتبة: آنّه آلملينغ، من أستوديو القناة الألمانية الأولى (ARD) بالقاهرة/ ر.ض/ص.ش