سيناريوهات ما بعد رحيل صالح .. اليمن إلى اين؟
٢٧ مارس ٢٠١١تمكن المحتجون المطالبون برحيل الرئيس اليمني على عبد الله صالح من تحقيق عدة إنجازات لحد الآن، بداية من إسقاطهم لسيناريو التوريث وصولا إلى إجبار صالح، الذي يجلس على كرسي الرئاسة منذ 33 عاما، على الحديث عن استعداده للرحيل، حتى و إن ربط ذلك بشروط ترفضها المعارضة. هذه الشروط قد تتغير أو تسقط في أي لحظة طالما أبدى معظم الشارع اليمني ، جنوبه وشماله ، شرقه وغربه، اتحاده على كلمة واحدة وهي "ارحل".
لكن المؤكد هو ان النظام اليمني بات يعيش ساعاته الأخيرة، على حد تعبير الكاتب والصحفي اليمني نشوان محمد العثماني، والذي قال في حوار لدويتشه فيله، "ما يتردد الآن عن الحوار والأخذ والرد ما هو إلا مناورات يجريها النظام اليمني لكسب الوقت، لان كل الأوراق سقطت من يده، وآخرها ورقة الجيش". ويضيف أن "كل ما نسمعه أحيانا من وعيد من طرف الرئيس من جهة، وحوار من جهة أخرى ما هو إلا مسعى من طرف صالح لإيجاد مخرج آمن له و لأسرته". ويبقى السؤال: ما هي السيناريوهات المحتملة لفترة ما بعد صالح؟
حكومة وحدة وطنية.. اقرب السيناريوهات؟
الرئيس اليمني أكد أنه شارك الخميس والجمعة في اجتماع في بيت نائب الرئيس اليمني مع قيادات اللقاء المشترك واللواء علي محسن الأحمر الذي انضم للحركة الاحتجاجية بحضور السفير الأميركي للبحث في "كيفية الخروج من الأزمة الراهنة وأسلوب معالجتها"، والذي أضاف "نحن ليس لدينا مشكلة لتلبية مطالبهم برحيل النظام لكن لمن؟ وكيف؟".
المراقبون يرون أن هناك أربعة سيناريوهات ممكنة، تتمثل إما في تسليم السلطة إلى مجلس عسكري، أو إلى مجلس رئاسي، أو إلى نائب الرئيس، أو إلى حكومة وحدة وطنية انتقالية تعمل على إدارة شؤون البلاد في المرحلة الانتقالية وتشرف على تعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية. ويرى الكاتب نشوان محمد العثماني، أن السيناريو الأخير أقرب إلى الواقع ، وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية تظم جميع القوى السياسية لإعداد دستور جديد للبلاد وتنظيم انتخابات برلمانية حرة، ثم انتخاب رئيس للجمهورية، ويبرر هذا الخيار بالقول "إن التحدث أمام مجلس رئاسي في هذه الفترة تشوبه تخوفات من انقلابه على شرعية الثورة الشعبية، أما بالنسبة للمجلس العسكري، فالشعب حذر جدا من مسألة تولي العسكر لزمام الأمور بعد رحيل صالح.اما فيما يتعلق بإمكانية تسلم السلطة لنائب رئيس الجمهورية فهذا أمر غير وارد باعتبار أن الأخير لا يتمتع بصلاحيات واسعة".
شخصيات قد تخلف صالح
لكن الحديث عن هذه السيناريوهات يقودنا إلى الحديث عن أهم الشخصيات التي يمكن أن يكون لها شأن في الساحة السياسية اليمنية لفترة ما بعد الرئيس اليمني على عبد الله صالح، وإحدى تلك الشخصيات البارزة ياسين سعيد نعمان، الذي يتولى الرئاسة الدورية لتحالف المعارضة اليمنية، وقد أشارت وثيقة دبلوماسية سربها موقع ويكيليكس ان الولايات المتحدة كانت تتساءل منذ 2005 حول الخليفة المحتمل للرئيس اليمني علي عبدا لله صالح ، ومن بين الأسماء التي تحدثت عنها الوثيقة اسم سعيد نعمان، لكن الوثيقة ركزت على شخصية اللواء علي محسن الأحمر الذي وصفته بأنه " ينظر إليه عموما على انه الرجل الثاني الأكثر نفوذا في البلاد" ووصفه السفير الأمريكي في الوثيقة بأنه "القبضة الحديدية" للرئيس.
وكان الأحمر، قائد المنطقة الشمالية في الجيش اليمني و أحد أهم أعمدة النظام. وعشرات الضباط أعلنوا انضمامهم إلى المحتجين المعتصمين منذ 21 شباط / فبراير. وقال الأحمر في آخر تصريح له إنه عازف عن تسلم أي سلطة باليمن في المرحلة المقبلة. ويرى المحلل نشوان محمد العثماني أن هذا التصريح "ليس للمناورة، فهو لا يريد سلطة، فهذا الرجل استشعر مسؤوليته الوطنية "، وكان الأحمر قد وصف تصريحات الرئيس اليمني بأن من أنقلب عليه من قيادات الجيش هم "أشخاص يحاولون سرقة كرسي الرئاسة" عبر انقلاب عسكري بأنها " مغالطات ". وتابع أن "موقفنا ليس انقلابا ، وهو يعرف ذلك، ولقد سلمت له السلطة ثلاث مرات بعد خلعه منها في ثلاثة أحداث رئيسية مرت بها البلاد ويعرفها كل أبناء اليمن".
إلا أن تحديد الشخصية التي ستخلف الرئيس علي عبد الله صالح ستحددها عدة متغيرات، ابتداء من دور الجيش في عملية التغيير، مرورا بالنظام القبلي الذي كان ولا يزال قويا داخل البلاد، بالإضافة إلى الأحزاب التي تتراوح توجهاتها بين الحداثة والتقليدية والقوى الراديكالية وصولا إلى قوة الشباب الثائر والمطالب بالحرية والكرامة.
مخاوف الانقسام وتهديد القاعدة
لكن رحيل نظام صالح لا يعني أن مشاكل اليمن قد انتهت، فثلاثة عقود من الحكم تركت دون شك تركة ثقيلة للغاية، ومسألة حلها يتطلب جهدا كبيرا كما يقول المحلل نشوان محمد العثماني، ويضيف أن من بين تلك التركة قضية الجنوب، إضافة إلى المسألة الاقتصادية للبلد ومشكلة الحوثيين في صعدة.
بدوره حذر الرئيس صالح من انقسام اليمن إلى "أربعة اشطار". واعتبر صالح أن مغادرته السلطة "ستؤدي بالبلد إلى المجهول"، وهو ذات التخوف الذي أبداه وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس الأحد عندما قال "إن سقوط الرئيس اليمني علي عبد الله صالح وتسلُم حكومة "موثوقة أكثر" مكانه سيطرح "مشكلة فعلية" للولايات المتحدة في مكافحة تنظيم القاعدة. هذا التنظيم الذي وصفه المسؤول الأمريكي بأنه الأكثر عنفا في المنطقة.
لكن المحلل محمد العثماني يقول إن "الذي شجع القاعدة واستغل ورقتها هو نظام صالح، ليثبت انه يحارب الإرهاب و انه مستهدف من طرف الجماعات المتطرفة" ويضيف أن "ورقة الإرهاب سقطت حتى على المستوى العالمي". وفي آخر التطورات الميدانية أفاد مسؤول امني أن عناصر مفترضين من تنظيم القاعدة تمكنوا من السيطرة على مدينة جعار في محافظة أبين بجنوب اليمن بعد مواجهات عنيفة الأحد مع الجيش اليمني. وكان ستة جنود قتلوا وأصيب أربعة آخرون بجروح في وقت سابق الأحد في هجوم للقاعدة على موكب عسكري في مأرب, شرق صنعاء.
وقد اتهم القيادي في الحراك الجنوبي العميد المتقاعد علي محمد السعدي، صالح بتشجيع القاعدة على توسيع نفوذها في الجنوب في محاولة لإقناع الغرب بان تنحيه سيؤدي إلى الفوضى في اليمن. وقال السعدي في بيان إن "النظام يلجأ اليوم الى إضعاف قدرات وحدات الجيش في الجنوب عامة وتحديدا في أبين بهدف إيهام العالم بان القاعدة في طريقها إلى الإمساك بزمام الأمور في اليمن". أما بالنسبة إلى إمكانية انقسام البلاد إلى أجزاء كما حذر صالح، فيقول العثماني "إن البلاد لم تشهد قط اتحادا و تلاحما بين كل مكونات الشعب اليمني مثلما نشهد الآن، فالكل متفق على قضية واحدة وهي إسقاط النظام".
يوسف بوفيجلين
مراجعة: حسن زنيند