سيناريوهات ضربة عسكرية لإيران محفوفة بالمخاطر
١٩ مارس ٢٠١٢الطائرات الحربية الإسرائيلية تؤدي مهامها بسرعة ودقة متناهية. وقبل أن تتحرك قوات الدفاع الجوي تكون قد أدت مهمتها بنجاح ودمرت المفاعل النووي بقنابل طائراتها. على هذا النحو تمكنت قوات الجو الإسرائيلية من استهداف المنشآت النووية العراقية عام 1981، ونظيرتها السورية في العام 2007. وعلى ضوء التهديدات التي ما فتئت إسرائيل تطلقها بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، كثر الحديث عن هاتين العمليتين التي نفذتهما إسرائيل بنجاح في العراق وسوريا. لكن تنفيذ ضربة جوية ضد إيران يحمل أبعادا مختلفة تماما.
حسابات دقيقة
الشيء الذي يؤكده ديفيد ديبولتا، والذي كان يعمل حتى خريف العام 2010 رئيسا لاستخبارات سلاح الجو الأمريكي، بقوله: "هناك فرق كبير بين المنشآت النووية الإيرانية التي تنتشر على مساحات واسعة، وبين نظيراتها السورية المنفردة التي كانت بادية فوق سطح الأرض " ويضيف ديبولتا أن "أغلبية الرأي العام لا تفهم أن أي هجوم جوي هو ليس فقط الطيران من النقطة ألف إلى النقطة باء"، حيث تكمن المشكلة الأساسية في بعد المسافة. وبغض النظر عن الخلافات الدبلوماسية، فإن إسرائيل، ربما، ستختار من بين ثلاثة طرق ممكنة، الطريق الأقصر عبر الأردن والعراق. ورغم ذلك، فإن المنشآت النووية السبع المستهدفة تبقى بعيدة بحوالي 1500 كلم. وبالتالي بعيدة عن الطائرات المقاتلة.
وعلاوة على ذلك، فإن الطائرات الإسرائيلية الثمانية التي تزود الطائرات المقاتلة بالوقود، لا تكفي لتزويد 125 طائرة حربية من المحتمل أن تساهم في الهجوم، دون أن تتزود هي نفسها بما يكفي من الوقود. وينبغي أيضا أن تكون هذه الطائرات المزوِّدة للوقود محمية من أي هجوم. فحتى، وإن كانت الدفاعات الجوية الإيرانية قديمة وغير متطورة، فلا أحد يمكنه الجزم بعدم فعاليتها. ويقول مالكوم تشالمرز، مدير قسم الأبحاث في المعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن في لندن، "حسب معلوماتنا، فالطائرات الإسرائيلية لا تتوفر على وقت كبير لتنفيذ أهدافها في إيران". ويضاف إلى ذلك محدودية حجم سلاح الجو الإسرائيلي، مما يعني أنه لا مجال للقوات الإسرائيلية لارتكاب الأخطاء.
حرب سرية على الأرض
وفي مقاب ذلك، يقول شلومو بروم، الخبير العسكري الإسرائيلي والباحث في معهد دراسات الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب: " القوات الجوية الإسرائيلية بإمكانها أن ترسل ما يكفي من الطائرات إلى الأهداف المراد ضربها، فأنا لست قلقا بشأن ذلك". ويستطرد الخبير العسكري الإسرائيلي قائلا: "لكن ما لا أعرفه هو إن كان بمقدور الطائرات أن تسبب أضرارا بما يكفي". وتتوفر المنشأتان التي يتم فيهما إنتاج أسلحة من اليورانيوم المخصب على حماية خاصة: فمنشأة التخصيب في نطنز توجد تحت الأرض، وتقع منشأة فوردو حوالي 70 قدما تحت أحد الجبال. ولهذا السبب يعتقد الخبراء أن القنبلة المضادة للتحصينات (GBU-28) التي تملكها إسرائيل لا يمكنها أن تصل إلى هاتين المنشأتين.
وعلى الرغم من هذه الصعوبات، فإنه من غير المرجح أن تلجأ إسرائيل إلى قوات كوماندو تحارب على الأرض. لكن هناك من يرى، أن الحرب على الأرض قد بدأت منذ مدة طويلة. فمنذ العام 2005 وإيران تتعرض لحوادث غامضة على شكل انفجارات واستهداف ستة من علمائها النوويين، إضافة إلى تعطيل حواسيبها عن طريق فيروسات. وكان آخر المستهدفين نائب المدير التنفيذي لمنشأة نطنز لتخصيب اليولرانيوم، الذي قتل في حادث تفجير سيارة مفخخة. وكرد على هذا الحادث نفذت إيران هجمات استهدفت ديبلوماسيين إسرائيليين في الهند وجورجيا.
ولا تتورع إيران دائما في اتهام إسرائيل بشكل علني. فعندما وقع انفجار في ضاحية بيدغانه في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، حيث أسفر عن مقتل 17 من عناصر الحرس الثوري، واهتزت له نوافذ العاصمة طهران التي تبعد عن بيدغانة بثلاثين كيلومترا، تحدثت الجهات الرسمية عن أن الانفجار نتج عن حادث عرضي. وقال سكوت جونسون، المختص في الشؤون الإسرائيلية لدى "مجموعة جين للمعلومات"(JIG)وهي دار نشر خاصة بإصدارات العلوم العسكرية، "من خلال صور الأقمار الاصطناعية يمكن ملاحظة أن المباني المهمة هي التي تضررت بينما بقيت المباني الملحقة سليمة". ويضيف جونسون أنه "إذا كان الأمر يتعلق بعملية سرية، فإننا لا نعرف إن كان تنفيذها عن طريق قنابل موقوتة أو غارة جوية، لكن الحادث تحوم حوله كثير من الشكوك".
فرصة الولايات المتحدة أفضل
وفيما تحث الولايات المتحدة الأمريكية إسرائيل على التحلي بضبط النفس، فإن سلطات واشنطن نفسها لا تستبعد توجيه ضربة عسكرية لإيران. وخلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة لواشنطن، حاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يعيد إحياء الجملة المتداولة القائلة "وضع كل الاحتمالات على الطاولة". وقال أوباما: "باعتباري رئيسا للولايات المتحدة، أنا لا أخدع".
وستكون، بدون شك، فرص الولايات المتحدة لضرب إيران أفضل بكثير من فرص إسرائيل. فحاملات الطائرات الأمريكية تلغي إشكال بعد المسافة. كما يتوفر سلاح الجو الأمريكي على صواريخ وطائرات أكثر مما قد تكون الحاجة إليه. إضافة إلى امتلاكها إلى قنابل مضادة للتحصينات بإمكانها اختراق 65 مترا من الخرسانة، أي بقوة تفوق عشر مرات القنبلة الإسرائيلية (GBU-28). وبناء على هذه المعطيات يظهر بوضوح السيناريو الذي يتوقعه ديفيد ديبتولا لضرب إيران. ودون أن يأتي على ذكر التفاصيل، يصف ديبتولا هجوما واسعا يهدف إلى تعطيل قوات الدفاع الجوي الإيرانية، يعتمد فيه على قوات خاصة على الأرض، وفي الجو على طائرات استطلاع وأخرى للتشويش.
ولكن الخبير العسكري مالكوم تشالمرز مستشار الحكومة البريطانية بشأن القضايا الاستراتيجية، يرى في هذه الوسائل نوعا من الخطر. ويُتصور أنه في حال تعرض إيران لهجوم حتمي محدود من قبل إسرائيل، فإن القيادة الإيرانية ستحاول تجنب مزيد من التصعيد، من خلال البحث عن الحد الأدنى من الانتقام لحفظ ماء الوجه محليا. "لكن الهجوم الأمريكي ستكون له عواقب أكبر بكثير لأنه سيكلف عددا كبيرا من الضحايا"، كما يرى تشالمرز، الذي يقول: " في هذه الحالة سيكون من الصعب على إيران أن تكتفي بانتقام محدود". آنذاك سيكون من الصعب على إسرائيل أن توفر الحماية لمدنييها بحسب الخبراء، رغم توفرها على نظام صواريخ دفاعي غاية في التطور.
نموذج أفغانستان؟
وبغض النظر عمن سيقوم بتنفيذ الهجوم على إيران، يوجد توافق في آراء الخبراء على أن هذه الضربات العسكرية سوف لن توقف البرنامج النووي الإيراني بشكل نهائي، بل ربما ستؤرخه لبضع سنوات. توجيه ضربة عسكرية؟ لماذا؟ يتساءل ديفيد ديبتولا، الذي يجيب في نفس الوقت عن تساؤله: "من خلال ذلك سيتم تأجيل حل المشكل، وليس القضاء على سببه، ألا وهو النظام القائم". ويرى ديبتولا أن الشعب الإيراني يجب أن يحظى بالدعم لإسقاط النظام الذي يحكمه. ويحيل ديبولتا على مثال أفغانستان، حيث تحالفت الولايات المتحدة الأمريكية مع معارضة تحالف الشمال في العام 2001. ودعمت قوات الجو الأمريكية المقاتلين الأفغان على الأرض بضربات جوية مكثفة ضد طالبان، دون أن تشرك قواتها البرية في الاشتباكات. وعلى نفس المنوال تم إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا العام الماضي.
كل حالة تختلف عن الأخرى، لكن هناك داخل وخارج إيران عناصر بإمكانها الوقوف في وجه النظام الحاكم في طهران. وتبقى المجموعة الأكبر هي حركة مجاهدي خلق التي تتوفر على أكثر من ثلاثة آلاف مقاتل في المنفى العراقي. هذه القوة شبه العسكرية التي تنتمي عناصرها إلى الأقلية السنية في إيران، كانت تنفذ دائما هجمات داخل إيران وقاتلت إلى جانب القوات العراقية ضد إيران خلال حرب الخليج الأولى في ثمانينات القرن الماضي. لكن الحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية تطالب اليوم من مقاتلي مجاهدي خلق مغادرة العراق. لذلك تسعى الحكومة الأمريكية من جهتها أيضا إقناع الحركة بإخلاء معسكرها شمال شرق بغداد. وقد وعدت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الحركة بحذف اسمها من قائمة المنظمات الإرهابية.
ويعتقد ديفيد ديبوتا أن "شطب اسم الحركة من قائمة المنظمات الإرهابية، سيكون بهدف أن تشكل الحركة قاعدة للإيرانيين الذين سيبدون استعدادا لإسقاط النظام القائم". لكن، هل توجد جماعات أخرى يمكن توظيفها إلى جانب حركة مجاهدي خلق على غرار النموذج الأفغاني؟ "لا أحد يريد أن يتحدث بشكل علني عن التفاصيل" يجيب الرئيس السابق للاستخبارات التابعة لقوات الجو الأمريكية ديفيد ديبتولا. لكنه يشدد في الوقت نفسه على أن هذا النموذج يبقى احتمالا واردا.
دينيس شتوته/ عادل الشروعات
مراجعة: منصف السليمي