سيناريوهات السياسة الخارجية الألمانية في مرحلة ما بعد ميركل
١٥ مارس ٢٠٢٠يراهن الحزب الألماني المحافظ، الاتحاد المسيحي الديموقراطي، على اختيار رئيسه الجديد والخليفة المحتمل للمستشارة أنغيلا ميركل في مؤتمره الحزب الذي كان مخططاً له الانعقاد في نهاية نيسان/ أبريل 2020 قبل تأجيله بسبب تفشي فيروس كورونا في ألمانيا. في وقت يشهد أزمة هوية خطيرة بعدما هيمن على الحياة السياسية المحلية منذ أكثر من سبعين عاماً. ويتساءل المراقبون عما ستكون عليه معالم السياسة الخارجية لألمانيا في مرحلة ما بعد ميركل؟ والمرشحون الثلاثة لرئاسة الحزب هم أرمين لاشيت ونوربرت روتغن، بالإضافة إلى فريدريش ميرتس المؤيد لقطيعة صريحة مع النهج الوسطي لعهد ميركل.
للوهلة الأولى، تبدو هناك الكثير من القواسم المشتركة بين المرشحين الثلاثة فهم ينحدرون من ولاية شمال الراين - ويستفاليا، الثلاثة من أبناء الطبقة الوسطى الكاثوليكية، درسوا القانون ونشأوا في نموذج قائم على "الإجماع المعتدل" سياسياً في ألمانيا الغربية. تكونوا في عهد المستشار السابق هيلموت كول، مهندس الوحدة الألمانية، حيث لا مجال للآراء المتشددة، وخاصة في مجال السياسة الخارجية التي كان من ثوابتها الاندماج الأوروبي وترسيخ العلاقات الأطلسية.
رحيل ميركل قد يفتح مرحلة غموض
ما الذي يتوقعه المرء من "المستشارين المحتملين" لاشيت، ميرتس أو روتغن في السياسة الخارجية؟ وهل سيختلف مسارهم عن ميركل؟ لابد أولاً من وصف نهج ميركل قبل الجواب على السؤال. يرى خبير السياسة الخارجية البروفيسور ستيفان فروليتش من جامعة إيرلانغن- نورنبيرغ أن "الشيء الذي يميز سياسة ميركل الخارجية، هو أسلوبها البراغماتي الهادئ الذي طبع الديبلوماسية الألمانية لعقود، بالعمل على تحقيق نفس القرب من أوروبا وأمريكا". ويتوقع فروليتش من المرشحين الثلاثة "استمرارية إلى حد كبير" بالمقارنة مع خط ميركل. أما التغييرات فستكون في بعض التفاصيل فقط.
ولطالما دافعت ميركل عن التوازن والتعددية القطبية مع الحفاظ على الهياكل الدولية القائمة في وقت تعاظمت فيه التيارات الشعبوية التي تجسدها عناوين من قبيل: ترامب وبوتين وأردوغان، ولكن أيضاً البركسيت أوالصين الناشئة. حاولت ميركل بكل قوتها الحفاظ قدر الإمكان على ثقافة الحوار لحل النزاعات الدولية، مع ترك العواطف جانباً، ما أكسبها في الخارج احتراماً كبيراً.
سياسة اللاجئين العلامة الفارقة
لا يتوقع المراقبون قطيعة جذرية مع سياسة ميركل، من قبل المرشحين الثلاثة، حتى أن أرمين لاشيت أشاد بشكل متكرر بسياسات ميركل. "لا أرى فائدة في وضع مسافة مع الـ 15 سنة من السياسة الناجحة." لقد تغلبت ميركل على الأزمة المالية العالمية وأزمة الديون الأوروبية ثم أزمة اللاجئين. غير أن ما قاله لاشيت بشأن أزمة اللاجئين ليس دقيقاً تماماً، لأنه منذ أن أعلن الرئيس التركي أردوغان فتح الحدود مع الاتحاد الأوروبي، زاد قلق الأوروبيين من إمكانية تكرار سيناريو عام 2015، عندما توافد مئات الآلاف إلى ألمانيا بشكل غير منظم إلى حد كبير.
أما ميرتس فأكد للمهاجرين واللاجئين على الحدود التركية اليونانية أنه لا فائدة من القدوم إلى ألمانيا. وفي انتقاد لميركل استطرد موضحاً: "إذا فقدت الحكومة السيطرة على الهجرة إلى بلادها، فلا يجب أن تفاجأ بفقدان ثقة الناس". وقد أثبت سياسة اللجوء التي اتبعتها ميركل، خاصة في السياق الأوروبي، أن الموضوع كان أحد أكثر القضايا إثارة للجدل في سياستها بأكملها.
الثلاثة مقتنعون بالأهمية القصوى لأوروبا
يسعى ميرتس لوضع معايير أوروبية جديدة، ويعتقد أن ألمانيا يجب أن تلعب دوراً عالمياً أقوى، وقال يهذا الصدد "يجب أن تكون ألمانيا مستعدة لتحمل مزيد من المسؤولية دوليا. هذا ما يتوقعه العالم منا". يعتقد البروفيسور فروليتش أن كلاً من ميرتس وروتغن سيكونان على الأرجح "أكثر شجاعة للاستجابة للاقتراحات الفرنسية الخاصة بالإصلاحات السياسية والأمنية للاتحاد الأوروبي". وهذا ينطبق هذا نسبياً على لاشيت أيضاً. ومع ذلك، يعتقد فروليتش أن "جميع المرشحين يجمعون على ضرورة تعزيز البيت الأوروبي". وهذا له علاقة كبيرة أيضاً بـ "عدم اليقين الآتي من واشنطن".
ويرى فروليش أن السياسة الخارجية لألمانيا شهدت "في السنوات الأخيرة تحولًا مهما، نحو المزيد من تحمل المسؤولية على المستوى الدولي، ونحو دور أكثر أهمية لألمانيا في أوروبا". ففي خضم ثلاث أزمات كبرى (الأزمة المالية عام 2008، أزمة أوكرانيا وأزمة اللاجئين، نهضت ألمانيا، بشكل لا إرادي، لتصبح القوة المركزية في أوروبا".
كريستوف هاسلباخ / ح.ز