سيساغو: "السينما لا تحل المشاكل ولكن قد تسهم في حلها"
٧ مارس ٢٠١٥يعتبر المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساغو أحد أبرز المخرجين الأفارقة، وقد استطاع من خلال فيلمه الأخير تيمبُكتو، الذي يحكي تجربة سيطرة الجماعات الإسلامية المتشددة على مدن شمال مالى خلال 2012، استطاع الحصول على عديد الجوائز داخل إفريقيا وأوروبا. وقد وصل إلى قائمة الأفلام القصيرة للأفلام الخارجية بمسابقة الأوسكار قبل أسابيع قليلة. كما حصل على 8 جوائز خلال الحفل الأربعين لمهرجان سيزار الفرنسي.
DW عربية: وصل فيلم تيمبُكتو للقائمة القصيرة للأفلام الاجنبية المرشحة لجائزة الأوسكار لهذا العام، كما حصل على ثماني جوائز في الحفل الأربعين لجوائز سيزار الفرنسية، هل يعتبر هذا تتويجا للسينما في بلد لا توجد فيه تجربة سينمائية، أم هو تتويج لشخص المخرج عبد الرحمن سيساغو؟
عبد الرحمن سيساغو: نجاح فيلم تيمبكتو ليس مسألة تخصنى شخصياً بقدر ما هي تهم المواطن الموريتاني والإفريقي بشكل عام، فأنا كمخرج لا أسعى لإنجاز فيلم كي يشارك في المسابقات ويحصد الجوائز، وإنما أهدف إلى تقديم رؤيتى كفنان لقضية تهم المواطن في بلدى وفي قارتي. ووصول فيلم تيمبكتو للقائمة القصيرة للأفلام الأجنبية المرشحة للأوسكار يعني الشيء الكثير لبلدي موريتانيا كما يمثل الكثير لملايين الأفارقة الذين شعروا بالسعادة والاعتزاز بنجاح فيلم ينتمى إلى قارتهم ويعالج قضاياهم ويقدم وجهة نظرهم. وبالتالي فإن النجاح ليس مسألة تقاس بالتتويج وإنما بالصدى الذي يحدثه العمل الفني لدى المتلقي.
بعبارة أخرى، هل يمكن القول بأن سينما عبد الرحمن سيساغو وتميزه على الصعيد العالمي مجرد طفرة سينمائية في بلده موريتانيا؟
لا شك أن السينما في موريتانيا تكاد تكون منعدمة على مستوى البنية التحتية والإنتاج السينمائي رغم وجود أشخاص لديهم قدرات إبداعية في هذا المجال. يوجد بعض الشباب الجيدين الذين لعبوا أدواراً في فيلم تيمبكتو وأظهروا كفاءة كبيرة وهم قادرون على العطاء بدرجة كبيرة، لكن وضعية السينما في موريتانيا أمر يشعرني بالحرج، ولذا فإن النهوض بقطاع السينما في بلدي يمثل جزءاً كبيراً من الأحلام التي لم أتمكن لحد الآن من تحقيقها. ولكن لدي طموح كبير في تأسيس مؤسسة للإنتاج السينمائي على المستوى الإقليمي يكون مركزها في موريتانيا. وأنا أسعى لإيجاد قاعات سينما ومركز لتعليم السينما وتقديم كل الخدمات الفنية المتعلقة بذلك، وهذه قضية مهمة بالنسبة لي، لأن السينما تلعب دوراً ريادياً في تغيير العقلية باعتبارها جزءاً محورياً في العملية الثقافية بشكل عام. والثقافة كما يقول مالرو ليست من أجل الكسب وإنما هي سعي دائم وكفاح متواصل.
هل تخطى عبد الرحمن سيساغو جدلية الانتماء والاندماج في مجتمع لا يتكلم إحدى لهجاته؟
لا أعتقد أن مسالة الانتماء لبلد معين يشترط الحديث بإحدى لهجاته أو لغاته المحلية، لأن الهوية لا تتحدد فقط باللغة، فهناك مجموعة كبيرة من الاشخاص المنتمين للبلدان ومع ذلك لا يتكلمون لغات تلك البلدان. هناك مثلاً الأشخاص الصم، ومع ذلك لا يمكن الحديث عن عدم انتمائهم لمجتمعاتهم وبلدانهم، وأنا قدري أنني لم أعش في موريتانيا، التي هي بلدي الأصلي، وحديثي باللغة الفرنسية كلغة للتواصل مسألة لا دخل لي فيها. ولو كنت أجيد لغة أخرى من لغات بلدي لتحدثت بها، لكن بودي الاشارة كذلك إلى أنه يمكن لأي شخص أن يتحدث باللهجة المحلية ويساهم في تدمير بلده، بينما يمكن لغيره أن يساهم في نهضة بلده رغم كونه لا يجيد أي لغة محلية، فليس باللغة يمكننا بناء أوطاننا وإنما يمكننا بناؤها بالوفاء والمحبة والإحساس بالانتماء والإرادة.
بعض الجهات تقول بأن الاحتفاء بفيلم تمبكتو يأتي في سياق سياسي دولي هو محاربة الارهاب في العالم، وهي نفس القضية التي تطرق لها الفيلم وهو ما يمكن اعتباره تشكيكا في تميزه الابداعي، ما رأيك؟
أعتقد أن من يقولون بأن فيلم تيمبُكتو مجرد دعاية لسياسات الغرب في مجال محاربة الارهاب، أو أنه يقف ضد الإسلام لم يتابعوه جيداً، ولهذا أدعوهم لمتابعته. فيلم تمبكتو يدافع عن الإسلام وقيمه السمحة ويدافع عن الإسلام الذي اختطف على يد مجموعة لا تعرف الإسلام على حقيقته. ومن هنا يأتى اعتزازي به كفيلم موريتاني وإفريقي يقدم الإسلام بشكل صحيح للآخرين. هو فيلم يقول للناس بأن الإسلام ليس دين قمع ولا عقاب ولا تزويج القاصرات أو تحريم الموسيقى وكرة القدم، بل هو دين يحمي القيم الإنسانية ويدافع عنها. وبالتالي هو فيلم يخاطبنا نحن كشعوب إفريقية مسلمة قبل أن يخاطب الشعوب الغربية.
وأعتقد أن تتويجه بعدة جوائز داخل بعض دول القارة الإفريقية، كتلك التي حصل عليها في جنوب إفريقيا، برهان على أنه يعكس وجهة نظر تخدم الشعوب الإفريقية أولاً. كما أنه حظي بدعم في موريتانيا على المستوى المادي واللوجستي، لأنه فيلم يدافع عن قيم كونية ويسعى لمشاركة آلام الناس في مدينة تيمبكتو ودولة مالى كذلك، وهي المنطقة التي عرفت الإسلام منذ مئات السنين. ويجب علينا حماية الإسلام وتقديمه للآخر بصورة صحيحة، كما ينبغي بالمقابل أن نتحرر من النظرة السلبية للغرب، لأنه هو نفسه الغرب الذي ينتج الأدوية والطائرات التي نستعملها.
أنت تشغل منذ مدة منصب مستشار الرئيس الموريتاني، هل ساعد ذلك في تسهيل إنجاز الفيلم في موريتانيا من خلال استخدام الامكانيات الأمنية والإدارية وتوفير البيئة لانجاز الفيلم؟ وهل أثر ذلك على زاوية معالجة موضوع الفيلم؟
ما يمكننى قوله في هذا الإطار هو أنني لست سياسياً، والشيء الوحيد الذي يمكن قوله هو أننى مجرد فنان يتقلد منصباً حكومياً. وهذا أمر يحتاجه بلدي، لأننى ألعب دوري في الدبلوماسية الثقافية خارج موريتانيا. وأنا لم أتعود الظهور في المناسبات السياسية. وبخصوص دور سلطات موريتانيا في إنجاز الفيلم، فهذا أمر معلوم وهو جهد يستحق الإشادة والعرفان، فالسلطات الموريتانية دعمت الفيلم لوجستياً ووفرت له الحماية الأمنية، وأعتقد أنه يجب ذكر الأعمال الإيجابية التي تقوم بها السلطات أحياناً بدل الحديث بشكل مستمر عن السلبيات التي تصدر عنها.
ما هو الدور الذي يمكن للسينما أن تلعبه في مواجهة التطرف الدينى والفكري؟ أم أن ذلك لا يدخل في إطار اهتمام السينمائي؟
السينما لا تحل المشاكل، ولكن يمكنها لعب دور في حلها. وهي تشارك في الرفع من القيم الإنسانية والعمل على تقدّم الشعوب، مثلها مثل الأدب.
ركز الفيلم على بعض الجوانب في سلوك الإسلاميين المتشددين منها معاملتهم للمرأة وموضوع العنف. هل تم اختيار هذه الجوانب لأنها تشكل نقاط ضعف حاسمة في فكر وسلوك الإسلاميين المتشددين، أم لاعتبارات تتعلق بالدراما في الفيلم؟
الفيلم هو عبارة عن الكثير من الأشياء ويتضمن العديد من المقاربات، ولكن بخصوص هذه النقطة بالتحديد يمكن القول بأنني كنت أرغب في التركيز على زاوية الممنوعات التي وضعها الإسلاميون مثل الموسيقي وكرة القدم ونظرتهم للمرأة والعدالة. وبما أنني لست متخصصاً في الجماعات الإسلامية، فقد أردت فقط الدفاع عن القيم سواء كانت القيم مثلتها مدينة تيمبُكتو التاريخية أو غيرها من القيم الإنسانية الأخرى،بما في ذلك أيضا قيم الإسلام طبعاً.
يستهل الفيلم بمشاهد إسلاميين متطرفين يطلقون النار على أصنام وحرق مخطوطات تيمبكتو، كيف يمكن أن يفهم الفنان ظهور إسلاميين متشددين في بدايات القرن الواحد والعشرين وهم يدمرون مواقع أثرية ترمز إلى حضارات تعود لآلاف السنين، ماذا يثيرهم في هذه الرموز التاريخية والفنية؟
لست متخصصا في فكر الجماعات المتشددة، لأن هنالك من هم أكثر مني قدرة على الإجابة على الحماقات التي ارتكبها الإسلاميون في تدمير الآثار لمجرد أنهم لا يتقاسمون نفس النظرة تجاهها مع آخرين. ولكن حسب وجهة نظري أن ذلك التصرف ناجم عن المبالغة في التشدد والإمعان في ممارسة العنف ورفض الآخر وغياب الروح الحوارية، وفي النهاية عندما ننظر إلى كل ذلك نلاحظ غياب الحب، لأن الانسان وُجد على الأرض لتحسين ظروف حياته وحياة أقربائه وجيرانه، وهو يسعى دائما إلى تطوير نفسه نحو الأفضل وليس من أجل إقصاء الآخر.
حوار مصطفى جمال عمر - نواكشوط