سيدي بوزيد تستقبل ذكرى البوعزيزي بمزيج من المرارة والأمل
١٧ ديسمبر ٢٠١٣تبعث ذكرى إقدام البوعزيزي على حرق نفسه وتفجر الثورة في تونس، مع ما يرافقها كل عام من احتفالات وزيارات للوفود المحلية والأجنبية، لدى سكان سيدي بوزيد أملا متجددا في تحسين أوضاعهم. وبينما يحلم سكان سيدي بوزيد مهد الربيع العربي، لبضع أيام بغد أفضل وبوعود جديدة، يبدو أن لا شيء قد تغير في حياتهم، إذ لا تحمل الذكرى الثالثة لانطلاق شرارة الثورة جديدا، فالواقع المعيشي الذي انتفضوا لأجله باق كما هو بكل تفاصيله.
في الطريق إلى المدينة، تنتشرعلى جنباتها دكانين بيع البنزين المهرب من ليبيا والجزائر وهي تعرضه للسيارات في وضح النهار. وقد أصبحت المتاجرة بالبنزين ملجأ بعض الشباب العاطل عن العمل، ولكنه يمثل تهديدا لسوق محطات البنزين المرخصة ودليلا على أن التهريب عبر الحدود ما يزال ينشط رغم تأكيد الحكومة الحالية أنها تكافحه لارتباطه بظاهرة تهريب السلاح والإرهاب.
وفي رده على سؤال لـ DW عربية، عن السبب الذي دفعه لبيع البنزين المهرب، يقول أحد باعة البنزين المهرب في مدخل المدينة، أنه لم يجد عملا آخر وأنه يحصل على قوت يومه من بيعه. ويتمنى صاحب المحل الذي رفض أن يفصح عن اسمه ان تتوفر له فرصة شراء سيارة ليقوم بتهريب البنزين، إذ امتلاك سيارة حسب رأيه يمكن أن يدر عليه ربحا صافيا يصل إلى 250 دينارا (اليورو يعادل 2 دينار تونسي) في اليوم.
مظاهر احتفال محتشمة
في مدخل المدينة، تبدو مظاهر الاحتفال بذكرى الثورة محتشمة، سوى بعض اللافتات والأعلام التي تزين الشارع الرئيسي بالمدينة. في مقهى بوسط المدينة، يجلس محمد، الذي جاوز الأربعين من العمر، وردا عن سؤاله حول الثورة وماذا بقي منها في ذكراها الثالثة؟ أجاب "لم تبقى من الثورة غير الذكرى أما واقع الناس وحالهم فقد ازداد سوءا بفعل غياب التنمية وغلاء المعيشة فكيلوغرام من اللحم تجاوز عتبة 20 دينارا، وهو يعادل أجرة عمل يوم كامل في المزارع أو يوم عمل في ورش البناء".
محمد لا يأبه بالاحتفال بذكرى الثورة، وما يهمه هو قوت عياله. ويتفق أغلب من تحدثنا إليهم بأن الواقع ما يزال على ما كان عليه أو ازداد سوءا بفعل تداخل عدة عوامل سياسية واقتصادية واجتماعية وتباطؤ نسق التنمية وغياب خطط عمل واضحة تنتشل الجهة من الفقر والبطالة وغلاء الأسعار.
ويقول يوسف الجلالي، الناشط بالمجتمع المدني في حديث لـDW عربية "أن الواقع ازداد سوءا، اذ تفاقمت البطالة وتضخمت نسبة الفقر وبقيت المشاريع المدرجة في ميزانية الدولة حبرا على ورق، اذ لم ينجز منها إلا النذر القليل، ولا نعلم إذا كانت تمويلاتها متوفرة أصلا أم لا".
ويعزو عديد المتابعين للشأن المحلي في سيدي بوزيد، صعوبة الوضع الحالي بالجهة(المنطقة) لغياب الحوافز التي تشجع على الاستثمار في الجهة وعدم وضوح برامج التنمية. ويؤكد يوسف الجلالي "بصراحة تامة لقد ازداد الوضع سوءا على ما كان، ويؤلمنا الفشل الذي حملته حكومة الترويكا الحاكمة." ويضيف "أن الواقع الحالي لا ينبئ بخير في ظل غياب تنمية عادلة إلى جانب تنامي ظاهرة الإرهاب".
ورغم تعثر مشاريع التنمية بالجهة خصوصا في ظل محاولات الدولة حل الإشكاليات الموروثة عن نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، يبدو نشطاء المجتمع المدني في المنطقة مصممين على "ضرورة الدفاع عن مكتسبات الثورة ومبادئها". ويقول يوسف الجلالي، "سندافع عن شعارات الثورة ومبادئها في الحرية والكرامة والعيش الكريم. نحن مصرون على إنجاح الثورة وتحقيق شعاراتها في إطار سلمي مدني".
ويحمل النشطاء فشل التنمية في الجهة إلى حكومة حزب النهضة الإسلامي، ويرون أنها حرصت على التحكم في مفاصل الدولة وأهملت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية التي تمس حياة الناس.
أمل متجدد رغم الخيبة
ويصف أنصار الحكومة من النشطاء المحليين، الواقع الحالي بـ"الصعب"، ويرون أن الخطط التنموية موجودة وان تأخر انجازها يعود للعراقيل الموجودة على مستوى القوانين والبيروقراطية في الادارة، ويعتبرون أن نسق التنمية في العهد السابق(حكم الرئيس المخلوع) فاقم المشكلات وأن حلها يتطلب وقتا.
ويرى القيادي بحركة النهضة الإسلامية بسيدي بوزيد، محمد الطاهر شكري في تصريح لـ DW "أن الشعب يحي الذكرى الثالثة للثورة بجرعة من التفاؤل وأن أهداف الثورة بدأت ملامحها تتبين فالبلاد مقبلة على اعتماد دستور بالإضافة إلى توضح الافق الانتخابي والاتفاق داخل الحوار الوطني على اختيار حكومة حيادية مستقلة."
ويعدد الناشط الإسلامي ما يعتبره "مكتسبات وانجازات للحكومة الحالية" موضحا: "شهدت سيدي بوزيد بعث عدد من المشاريع على غرار معمل للحليب وآخر للاسمنت إلى جانب إحداث كلية للعلوم والتقنيات وإقرار أحقية الجهة بكلية طب ومستشفى جامعي. كما تم انجاز حوالي 900 كيلومترا من الطرقات والمسالك الزراعية وتحسين ظروف عدد من الأحياء الشعبية عبر مد قنوات الصرف الصحي والماء والطرقات وإحداث حوالي 63 بئر عميقة لمياه الشرب والزراعة."
ويرى الإعلامي والمحلل السياسي محمد الصالح غانمي في حوار مع DW "أن هناك بعض الانجازات وجب ذكرها على غرار إحداث 20 منطقة للزراعات المروية ومد عديد الطرقات والمسالك وبعث عدد من المشاريع من قبل الخواص، إلا أن المجهود يبقى دون المأمول إذ ازداد عدد العاطلين عن العمل من أصحاب الشهادات الجامعية ليبلغ حوالي 10 آلاف." ويعتبر "أن واقع الاستثمار الخاص بالجهة مترد نظرا لضعف التمويل البنكي ووجود عديد الإشكاليات العقارية وغياب الحوافز لبعث المشاريع".
وحول أوضاع الناس وواقعهم المعيشي بعد 3 سنوات من الثورة، يرى الغانمي "أن غلاء المعيشة يعد السمة البارزة التي تعرفها الجهة برغم إنتاجها الوفير من الخضر والغلال واللحوم". وهو يقترح أن تركز الحكومة الجديدة على "العناية بالمقدرة الشرائية للمواطن وبالأسر الفقيرة والاهتمام بالمرأة الريفية التي تعاني الاستغلال والتهميش".