سيدات الكرة ـ "قبلة ذكورية" بارتدادات عالمية
١ سبتمبر ٢٠٢٣في موقف لافت للأنظار، قررت جميع لاعبات المنتخب الإسباني لكرة القدم، مدعومات بما لا يقل عن 58 لاعبة ولاعب آخرين، تعليق تمثيلهم منتخب بلدهن إلى حين استقالة لويس روبياليس رئيس الاتحاد الإسباني للعبة من منصبه.
وهكذا ألقت هذه القضية بظلالها على الإنجاز التاريخي لسيدات إسبانيا بعد فوزهن لأول مرة باللقب العالمي في مونديال 2023. مدرب سيدات إسبانيا خورخي فيلدا انتقد بشدة روبياليس وقال "يؤسفني بشدة أن تتويج كرة القدم النسائية الإسبانية تضرر بسبب السلوك غير اللائق الذي قام به رئيسنا حتى الآن، لويس روبياليس، والذي اعترف به هو نفسه (..) لا شك أنه أمر غير مقبول ولا يعكس على الإطلاق المبادئ والقيم التي أدافع عنها في حياتي، في الرياضة بشكل عام وفي كرة القدم بشكل خاص".
وختم حديثه بالقول "عملي كمدرب وطني لمنتخب السيدات والمدير الرياضي للمنتخب الوطني للسيدات يهدف دائمًا إلى تحقيق النجاح الرياضي، ولكن أيضًا إلى الترويج للمبادرات التي تعزز الإدماج والاحترام والمساواة".
في سياق ذي صلة، أصبحت أنخيليس بيخار، والدة روبياليس جزء من دراما يتابعها الإعلام العالمي، إذ نقلت إلى المستشفى على عجل (30 أغسطس/ آب) في اليوم الثالث من إضرابها عن الطعام، الذي بدأته دعماً لابنها لويس، حين قررت الاعتصام داخل كنيسة ديفينا باستورا في بلدة موتريل جنوب إسبانيا، رفضاً لما أسمته الإساءات التي تعرض لها ابنها في سياق تداعيات القبلة الفضائحية.
قس الكنيسة صرح للصحافيين قائلا: "يجب أن أخبركم أنها أصيبت بنوبة مرضية، واضطررنا إلى نقلها على وجه السرعة إلى المستشفى. ولم تعد هنا (..) إنها متعبة وتعاني من مشكلات (صحية) كثيرة، وليس فقر الدم فقط". وكانت بيخار هددت بالبقاء داخل الكنيسة حتى تقول جيني هيرموسو، اللاعبة التي قبلها ابنها على فمها بشكل مفاجئ، "الحقيقة" بشأن ما حدث، وفقًا لابنة أختها فانيسا رويس بيخار، ابنة عم روبياليس التي أوضحت أن "هذا التحرش ليس عادلا. والدته المتدينة جدا وجدت ملجأ عند الله. لقد بدأت إضرابا عن الطعام ولا تريد مغادرة الكنيسة".
موقف الفيفا من واقعة القبلة
في أول رد فعل له على الواقعة، قال رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" جاني إنفانتينو (الأول من سبتمبر/ أيلول 2023) إن سلوك روبياليس "أفسد" المناسبة". وكتب إنفانتنو عبر موقع إنستغرام "الاحتفالات المستحقة لهؤلاء البطلات الرائعات أفسدها ما حدث بعد صافرة النهاية (..) وما حدث في الأيام التالية، ما كان ينبغي أن يحدث أبدا".
ويذكر أن "فيفا" قرر إيقاف روبياليس لمدة ثلاثة أشهر عن ممارسة أي نشاط له علاقة بكرة القدم. الجدل تدخلت فيه أيضا الحكومة الإسبانية التي أحالت القضية إلى محكمة رياضية للبث فيها. الرؤساء الجهويون للاتحاد الإسباني طالبوا بدورهم باستقالة روبياليس الذي رفض بكل قوة التخلي عن منصبه معتبرا أنه ضحية حملة غير عادلة.
صحيفة "أفتنبوستن" النرويجية المحافظة (29 أغسطس/ آب) كتبت: "كان كأس العالم لكرة القدم إنجازا جديدا، لكن الرجال الأقوياء يواصلون الوقوف في طريق النساء. كان فوز إسبانيا بكأس العالم بمثابة يوم سعيد للأمة الاسبانية. لكن تكريم اللاعبات طغت عليه تصرفات رئيس الاتحاد الإسباني. (..) لعب روبياليس دور الضحية. تستحق اللاعبات نوعًا مختلفًا تمامًا من الاحترام عما تم تقديمه لهن (..) لكن يجب على روبياليسأن يتساءل: لماذا أصبح القادة من أمثاله بهذه القوة ولماذا يقع على عاتق النساء محاربة ذلك، وعندها فقط يمكن أن تصبح هذه الواقعة نقطة تحول هناك حاجة ماسة لها".
وفي رد فعله على الواقعة صرح ألكسندر سيفرين، رئيس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا)، لصحيفة "ليكيب" الفرنسية (31 أغسطس/ آب) فقال: "أنا محام وأحد نواب رئيس الاتحاد الدولي. قضيته (روبياليس) في يد الهيئة التأديبية التابعة للاتحاد الدولي. أي تعليق أدلي به سيكون بمثابة ضغط". غير أنه استطرد وقال بأنه يشعر بالحزن لأن هذه الأزمة غطت إنجاز المنتخب الإسباني للسيدات "يجب أن نغير الأمور.. يجب أن نقوم بالمزيد (..) بالطبع ما حدث كان غير لائق. كلنا نعلم هذا. أتمنى أن يعلم أنه كان غير لائق. هذا كاف الآن، لأن لجنة الأخلاقيات ستقرر".
هيمنة الذكورية في عالم كرة القدم؟
بعد عقود من العمل الشاق، تمكنت كرة القدم النسائية من اكتساب الاعتراف والشعبية في مختلف أنحاء العالم، لكن الفضائح من نوع قبلة روبياليس تسلط الضوء على حقيقة مفادها أنه لا يزال يتعين على الجميع العمل بجدية أكبر حتى خارج الملعب حتى لا يتم معاملة اللاعبات بشكل مختلف عن زملائهن من الرجال. واقعة روبياليس أظهرت أيضا أن اتحادات كرة القدم لا تزال تطغى عليها العقلية الذكورية.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة "دير ستاندرد" النمساوية (28 أغسطس/ آب): "ظل الاحتجاج نسائيًا بشكل أساسي. وحقيقة أن عددًا قليلاً فقط من الأفراد الجديرين بالثناء يظهرون التضامن (..) وأن مسؤولين مثل كارل هاينز رومينيغه نجم بايرن ميونيخ يجدون القبلة "على ما يرام تمامًا"، كل هذا فيه مؤشرات كثيرة بشأن نظام كرة القدم العالمية (..) لكن الرياضة الأكثر شعبية في العالم تحمي وتتسامح مع الكثير من الذكورية المغرورة. وهذا هو أحد الأسباب التي تجعل من الضروري الآن فتح نقاش على نطاق واسع، إلى أن يفهم حتى آخر المتحيزين جنسياً بأن هناك الحد الأدنى من المعايير الاجتماعية ينطبق أيضا على الرياضة.
زلزال هز كرة القدم الاسبانية
من جهتها، قالت اللاعبة الاسبانية أيتانا بونماتي، الفائزة بجائزة أفضل لاعبة في أوروبا: "لا يمكننا أن نسمح بإساءة استخدام السلطة"، مضيفة أنها أهدت جائزتها إلى "جنيفير هيرموسو وجميع النساء اللواتي يعانين من ذلك". وارتفعت دعوات لتجديد عالم كرة القدم الإسبانية ليس فقط باستبدال شخص بشخص آخر أو أكثر، وبالتالي إعطاء الانطباع بأن الأزمة قد انتهت، ولكن بوضع نظام الكرة الإسبانية بأكمله تحت المجهر والسعي لخلق نظام أكثر مساواة وأكثر عدالة.
وبهذا الصدد علقت صحيفة "لا فانغوارديا" الإسبانية، (29 أغسطس/ آب) على الموضوع وكتبت: "إنها رائحة كريهة تفوح في سماء عالم الكرة الملكي. ولو كان سلوك روبياليس لم يكن كافيًا فإن المشهد الغريب لتجمع الاتحاد الإسباني لكرة القدم مع ممثلين عن الاتحادات الإقليمية والجهاز الفني وكذلك الحكام وهم يصفقون لرئيس غاضب ومنكر للواقع، ويدافعون عن شخص أثقل كاهل سيدات لكرة بسلوكياته الغريبة، لهو دليل واضح على أن هذه الهيئة لا تمثل غالبية كرة القدم الإسبانية وأن معاييرها الأخلاقية والمهنية تتعارض مع معايير المجتمع".
ارتدادات "القبلة الإسبانية" في ألمانيا
وصلت ارتدادات فضيحة قبلة روبياليس إلى السياسة الألمانية، فقد انتقدت وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك بشكل واضح رئيس الاتحاد الإسباني لكرة القدم الموقوف وقالت بهذا الصدد: "على المرء أن يتخيل للحظة لو أن أنجيلا ميركل قبلت فيليب لام بنفس الطريقة عام 2014 (..) كان من الممكن أن ينفجر الويل والجحيم. ببساطة هذا أمر لا يمكن تصوره وهو ما يوضح في ذاته كل شيء (..) هذا يخص أولئك الذين يريدون تصوير الأمر على أنه طبيعي إلى حد ما".
يذكر أن كارل هاينز رومينيغه، كان من بين آخرين الذين اعتبروا سلوك روبيالي بأنه "جيد تمامًا".
موقع "شبيغل أونلاين" الألماني (28 أغسطس/ آب) انتقد صمت الاتحاد الألماني لكرة القدم وكتب في مقدمة مقال بهذا الشأن "منذ أسبوع والعالم وقبلة رئيس الاتحاد الإسباني لويس روبياليس تتفاعل، ويبدو أن الاتحاد الألماني للعبة غير مهتم بهذا الأمر، حيث يبقى التضامن كلمة غريبة عنه".
في نفس السياق، انتقدت ألكسندرا بوب، عميدة منتخب ألمانيا لكرة القدم للسيدات، روبياليس، بل وشجبت أيضا مواقف كل الذين دعموه وأولئك الذين قللوا من شأن الواقعة ومن بينهم أسطورة الكرة الألمانية كارل هاينز رومينيغه. وقالت بوب: "نحن الآن في قرن مختلف حيث تشكل قضية المساواة أهمية كبيرة للغاية. من غير المفهوم والصادم بالنسبة لي أن شرائح من المجتمع لا تزال تفكر بهذه الطريقة (..) كلما زاد عدد الأشخاص الذين يدلون بتصريحات من المناصب العليا، وفي الاتجاه الصحيح، كلما كان من الأهم إظهار أن ما حدث لجيني هيرموسو يجب ألا يحدث". واستطردت ألكسندرا بوب موضحة: "نحن اللاعبات يتعين علينا أن يكون لدينا موقف واضح وهو أنه لا يمكن لأحد فعل هذا بنا، يجب أن نعامل باحترام. وفي تلك الواقعة لم يكن هناك أي تفاعل محترم بالتأكيد".
تطورات جديدة وانتقادات دولية
في تطور ملفت، نشر الاتحاد الإسباني لكرة القدم أربع صور تظهر فيها اللاعبة جينيفر هيرموسو وهي ترفع روبياليس وتوافق على قبلة الرئيس. غير أن صحيفة ماركا الرياضية الإسبانية نشرت مقطع فيديو يثبت أن روبياليس قفز على اللاعبة، ما دفع إلى دحض تصريحات روبيلا والاتحاد الإسباني بشأن الواقعة التي حدثت خلال حفل تسليم جوائز بطولة كأس العالم للسيدات في إستاد أكور بسيدني الأسترالية.
وتجاوزت الانتقادات العالمية الحدود الإسبانية والأوروبية وبهذا الصدد كتبت صحيفة "واشنطن بوست" (30 أغسطس / آب 2023) "يجب على (روبياليس) تقديم استقالته الآن بدلا من الانتظار ليرى ما إذا كان مجبرًا على القيام بذلك. وبطبيعة الحال، فإن الرأي الأهم هو رأي اللاعبة نفسها، جيني هيرموسو، النجمة المهاجمة، التي قالت بعد الحادثة إنها شعرت "بالضعف وكونها ضحية للإساءة". ودافع روبياليس عن تصرفاته قائلا إن القبلة كانت بالتراضي. بعد ذلك، تعرضت هيرموسو للإهانة عمدًا، ليس فقط من روبياليس، ولكن أيضًا من قبل لاعبين آخرين من عالم كرة القدم وخارجه. (...) كان فوز المنتخب الإسباني بكأس العالم للسيدات سبباً للاحتفال والفرح في البلاد. ولسوء الحظ، سيبقى هذا الإنجاز مرتبطا أيضا بسوء سلوك روبياليس، وهو سبب كاف لتقديم استقالته".
وذهبت صحيفة "غارديان" البريطانية (30 أغسطس/ آب) في نفس الاتجاه وكتبت: "لقد أثبت روبياليس أنه شخص نرجسي ومتنمر وتصادمي. وبعد أن تجاوز حدوده المهنية بهذه الطرق البشعة، فمن غير المتصور أن يظل الوجه الرسمي الذي يمثل كرة القدم الإسبانية (..) عليه ان يذهب. وبمجرد أن يحدث ذلك، وهو سيحدث بالتأكيد - فقد يتبين أن غطرسة روبياليس قدمت خدمة لكرة القدم النسائية وإسبانيا ككل. وعلى حد تعبير يولاندا دياز، نائبة رئيس وزراء الحكومة الإسبانية المؤقتة، فإن الأسبوع الماضي "كشف أسوأ ما في المجتمع الإسباني، أي الذكورية البنيوية في هذا البلد".
حسن زنيند