سياسيّات من أصول عربية في قلب المشهد السياسي الجديد بفرنسا
٩ يوليو ٢٠٢٤من بين سياسيّات فرنسيات من أصول مهاجرة عديدات في المشهد السياسي الفرنسي، سُلطت الأضواء في الانتخابات التشريعية الأخيرة حول ثلاث شخصيات من أصول عربية.
نجاة فالو بلقاسم
نجاة فالو بلقاسم هي سياسية فرنسية من أصل مغربي، سطع نجمها في فرنسا كشخصية مهمة داخل الحزب الاشتراكي مع توليها وزارة حقوق المرأة ثم وزارة التعليم، لتكون بذلك أول امرأة تتولى هذا المنصب. ناضلت بقوة دفاعا على حقوق المرأة ضد العنصرية والتمييز.
وفي خضم حملة الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها الأخيرة، تعرضت نجاة بلقاسم لهجوم من اليمين المتطرف، وذهبت نائبة من حزب التجمع الوطني، لإتهامها بعدم الولاء لفرنسا بسبب جنسيتها المزدوجة الفرنسية المغربية. ورفع حزب التجمع الوطني في حملته الإنتخابية شعار تجريد حاملي الجنسية المزدوجة من إمكانية تولي مناصب حساسة في الدولة. وهو ما أثار ردود فعل غاضبة في المجتمع الفرنسي وخصوصا ذوي الأصول المهاجرة.
ولدت نجاة فالو بلقاسم يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 1977 لأب مغربي وأم جزائرية في بلدة بني شيكر بريف الناظور شمالي المغرب. وفي سن الخامسة، التحقت رفقة والدتها وأختها بوالدها في شمال فرنسا عام 1982 حيث كان يعمل في قطاع البناء، وحصلت على الجنسية الفرنسية في سن 18.
واجهت الإصلاحات التعليمية التي خططت لها نجاة فالو بلقاسم بداية عام 2016، بما في ذلك إصلاح تعليم اللغات الأجنبية، انتقادات حادة من قبل الآباء والمعلمين ومثقفين فرنسيين. تدافع فالو بلقاسم عن تحويل المرحلة المتوسطة إلى "مكان للمساواة"، وفي إطار هذه السياسة، يفترض أن يفقد تدريس اللاتينية واليونانية القديمة وكذلك الفصول المكثفة للغة الألمانية والإنجليزية أولويتها، لأن هذه التوجهات التعليمية تُعتبر نخبوية وموجهة أكثر للأثرياء.
في المدارس الابتدائية، كان من المقرر أن يُطرح برنامج بعنوان "أبجدية المساواة" يهدف إلى التساؤل عن الفروقات البيولوجية بين الجنسين. بشكل عام، تدافع نجاة بلقاسم عن تليين المفاهيم التقليدية في سياسة الأسرة. فقد طالبت، من بين أمور أخرى، بإلغاء تخفيض ضريبي خاص للعائلات التي لديها أطفال أو تسليط الضوء على التوجه الجنسي للشخصيات التاريخية في الكتب المدرسية، لأنها ترى أن "الكتب المدرسية تتجاهل التوجه الجنسي للشخصيات التاريخية سواء كانوا مثليين أو مزدوجي الميول أو متحولين جنسيًا. يجب أن يتغير هذا".
بسبب هذه السياسات، تعرضت نجاة بلقاسم لانتقادات من ساسة وإعلاميين محافظين، حيث أطلقت عليها مجلة "Valeurs actuelles" لقب "وزيرة إعادة التربية"، ووصفتها هيرفي ماريتون بأنها "الخمير الوردي" (في إشارة إلى الخمير الحمر). وقد كان الهدف المعلن للإصلاح هو التكيف مع "النظام الألماني".
وتبنت نجاة الفكر اليساري، ودافعت بقوة عن حقوق المرأة وضد التمييز والعنصرية والتهميش، ودعت إلى التعايش بقولها "نحتاج جميعا إلى أن يتعلم بعضنا من بعض، ليس ثمة أستاذ وتلميذ في هذا المجتمع".
وتدافع نجاة فالو بلقاسم بقوة عن تشديد القوانين ضد الدعارة. خصوصًا، قامت كوزيرة مختصة بدفع قانون يعاقب زبائن البغايا. في يونيو 2012، أوضحت موقف
الحكومة الفرنسية من الدعارة. " السؤال ليس ما إذا كنا نريد إلغاء الدعارة - الجواب نعم - ولكن الأمر يتعلق بتوفير الوسائل لتحقيق ذلك".
واهتمت الصحافة الفرنسية كثيرا بنجاة بلقاسم لدرجة تأليف الصحفيين فيرونيك بيرنهايم وفالنتين سبيتز كتابا عنها سمياه "نجاة فالو بلقاسم: غزالة في بلد الفيلة" تطرق لأصلها والمنطقة التي ولدت فيها ومسارها الاجتماعي والدراسي والسياسي، وصبرها ونضالها وطموحها في طريق مسكون بفيلة لا ترحم حسب وصف الكاتبيْن.
ريما حسن
عُرفت مرشحة من حزب "فرنسا الأبية" للانتخابات الأوروبية، ريما حسن، وهي من أصول فلسطينية، بمواقفها المؤيدة للفلسطينيين، وفي مظاهرة بجامعة "ساينس بو"(العلوم السياسية) طالبت بـ "انتفاضة" على خلفية الأحداث الأخيرة في غزة. إثر ذلك، استدعتها الشرطة بتهمة "التحريض على الإرهاب".
وُلدت ريما حسن في مخيم للاجئين في سوريا، وهي واحدة من الوجوه البارزة من حزب "فرنسا الأبية" وظهرت خلال الحملة الإنتخابية مع زعيم الحزب جان لوك ميلنشون. وشكلت ريما مجموعة العمل فرنسا فلسطين، وكان اسمها ضمن لائحة الحزب للانتخابات الأوروبية.
وهنالك من يقول أن مواقف مؤسس حزب "فرنسا الأبية"، ميلنشون، قد تكون لها تداعيات قانونية أيضًا. فقد قارن ميلونشون في تصريح له ئيس إحدى الجامعات بأدولف أيشمان بعد أن ألغت الجامعة إحدى الفعاليات. وبدورها، أعلنت وزيرة التعليم، سيلفي ريتايو، أنها ستقاضي ميلنشون. المحامية ريما حسن أظهرت في خطاباتها تضامنها مع الفلسطينيين، وأثارت اهتمام الصحافة الفرنسية.
وضجت وسائل الإعلام الفرنسية ومواقع التواصل المختلفة من عدة دول في العالم بالمحامية الفرنسية فلسطينية الأصل ريما حسن (31 عاما)، إذ أنها أخذت على عاتقها التحدث عن معاناة الشعب الفلسطيني عبر خطاباتها منذ بدء الهجوم الإرهابي الذي شنه عناصر حركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر على إسرائيل. وتلقت ريما تهديدا بإنهاء حياتها، بعد خطاباتها التي أظهرت فيها بشكل واضح تعاطفها مع الفلسطينيين.
وكثُر الحديث عن الناشطة والمحامية من أصول فلسطينية ريما حسن، التي تظهر في المركز السابع في قائمة حزب "فرنسا الأبية" للانتخابات الأوروبية، بسبب مواقفها المؤيدة للفلسطينيين وتمسكها بعبارات"الانتفاضة" و"الإبادة الجماعية" لوصف ما يحدث في قطاع غزة.
وتم اختيار ريما حسن من قبل مجلة فوربيس في أغسطس 2023 من بين "النساء الاستثنائيات". وقوبل هذا الاختيار بانتقادات، متهمة ريما حسن بمعاداة السامية، وردت ريما بأن الهجمات الموجهة ضدها فقط لأنها فلسطينية تمت مكافأتها بفضل عملها الدؤوب.
صابرينا أغريستي-روباش
المعادلة كانت صعبة بالنسبة لوزيرة الدولة المكلفة بالمدينة، صابرينا أغريستي-روباش، في الدائرة الانتخابية الأولى في بوش دو رون. انتُخبت نائبة لأول مرة في عام 2022، وكانت قد فازت بفارق ضئيل أمام حزب التجمع الوطني، بأقل من 500 صوت. في هذه الدائرة الانتخابية الواقعة في شرق مرسيليا والمكونة من أحياء سكنية في الغالب، أخذ حزب التجمع الوطني، الذي يشهد صعودًا كبيرًا، ثأره وتصدرت مرشحته الجولة الأولى بنسبة 45.54% من الأصوات.
تلتها مرشحة اليسار، باسكالين ليكورشيه، الأمينة العامة لحركة بلاس بابليك، حركة رافاييل غلوكسمان، بنسبة 26.90 بالمائة. وحلت صابرينا أغريستي-روباش في المرتبة الثالثة بنسبة 23.61 في المائة من الأصوات، وتأهلت للجولة الثانية لكنها أعلنت انسحابها، داعيةً بشكل واضح للتصويت ضد حزب التجمع الوطني اليمين المتطرف. وقالت هذه السيدة المقربة من الرئيس إيمانويل ماكرون: "الإخفاقات تحدث، لكن العار لا يمكن تجاوزه أبدًا".
ولدت صابرينا في 13 أكتوبر 1976 بمرسيليا، ونشأت في أسرة متواضعة، ويقال إنها مقربة من الرئيس الفرنسي وزوجته منذ 2016. وتشغل روباش منصب مستشارة إقليمية خاصة، مسؤولة عن مكافحة العنف ضد المرأة والتحرش المدرسي لمجلس إقليم ألب كوت دازور. كما أنها عضو في المجلس الأعلى للمساواة بين المرأة والرجل منذ عام 2022.
وترشحت في تشريعيات 2022، حيث تم انتخابها نائبة برلمانية في الدور الثاني بنسبة 50.79 في المائة.
وقد ساندت صابرينا قرار الرئيس إيمانويل ماكرون الذي دعا إلى بقاء رئيس الوزراء غابرييل أتال في منصبه بعد الانتخابات البرلمانية التي فقد فيها المعسكر السياسي للحكومة دوره كأقوى تحالف في البلاد لصالح اليسار في برلمان معلق.