سوريا ضد سوريا في لبنان أم استراتيجية جديدة؟
٣٠ أغسطس ٢٠١٠وصل عدد المعتقلين على خلفية اشتباكات بيروت الأخيرة إلى عشرة أشخاص، ووقعت الإشتباكات يوم الثلاثاء (24 آب/ أغسطس) في منطقة برج أبي حيدر بين عناصر من حزب الله "الشيعي" وآخرين من جمعية المشاريع الخيرية الاسلامية "السنية" والمعروفة بـ "الأحباش"، وأدت إلى مقتل اثنين من حزب الله وآخر من "الأحباش" بالإضافة إلى جرح آخرين. وفي هذا السياق أعلن قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي أن "عمليات الجيش في المنطقة وملاحقة المتورطين مستمرة".
واللافت لأنظار المراقبين، في اشتباكات برج ابي حيدر، هو أن الطرفين من حلفاء سوريا في لبنان، وهو أمر نادر الحدوث. ما يدعو إلى التساؤل عن الدور السوري في هذه الاشتباكات، وفيما إذا كانت دمشق قد فقدت السيطرة على حلفائها وغدت سوريا ضد سوريا في لبنان، أم أن دمشق قد أعادت النظر في دورها وباتت تتبع استراتيجية جديدة مع بيروت والقوى السياسية المختلفة في البلد الجار.
وقال بول سالم، مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، في حوار مع دويتشه فيله، إن سوريا تلعب دورا جديدا في لبنان، وأن حادث الاشتباكات الأخيرة في بيروت يحمل دلالات ربما تكون الأولى من نوعها منذ سحب سوريا لقواتها من لبنان في ابريال/نيسان عام 2005.
استراتيجية مزدوجة
ويعتقد بول سالم أن الدور السوري في لبنان، الذي كان قائماَ بين عامي 2005 و2008 على دعم طرف معين وهو قوى 8 آذار وحزب الله، قد تغير. إذ أصبح هناك الآن تعاون مع السعودية في لبنان وخاصة بعد الزيارة المشتركة للرئيس السوري والعاهل السعودي إلى بيروت آواخر يوليو/تموز الماضي.
من هنا تأتي دلالة حادثة بيروت، وهي أن سوريا تريد القول بأنها هي التي تستطيع أن "تحمي السنة في لبنان"، وإشارة إلى حزب الله بأن سوريا هي التي تلعب الآن الدور الرئيسي والمباشر، وليس لحزب الله أن يدير شؤون لبنان وبيروت بمعزل عن سوريا؛ حسب رأي بول سالم، الذي يضيف في حوار مع دويتشه فيله، بأن ذلك يعد أيضا إشارة إلى حزب الله "ليرفع يده عن لبنان وبالأخص الأحياء السنية في بيروت، من دون أن يكون ذلك تقليلا من أهمية وجود وقوة حزب الله"، إلى جانب اقامة علاقات وجسور مع كل القوى والأطراف اللبنانية تقريباً.
دور سوري جديد
وقد أثنى رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري على الدور السوري الجديد في لبنان بإشارته خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق، يوم الأحد (29 آب/ أغسطس)، الى أن الزيارة المشتركة للرئيس السوري بشار الأسد والعاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز الى بيروت "تؤكد حرص سورية والسعودية على لبنان ودعم وحدته الوطنية".
وهذا يعني أن دور سوريا في لبنان وبالتالي استراتيجيتها ايضاً قد تغيرت بعد التطورات الأخيرة والتقارب بين دمشق والرياض وقوى 14 آذار، ومن مؤشراتها الزيارات العديدة التي قام بها سعد الحريري إلى دمشق ومناقشته مع الأسد حول العلاقات المشتركة وتطويرها بين البلدين.
ويرى بول سالم أن الاستراتيجية السورية الجديدة في لبنان هي عودة إلى الاستراتيجية السابقة في عهد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وأوضح سالم ان "استراتيجية مواجهة وممانعة قوامها التحالف مع حزب الله وايران، إلى جانب كونها استراتيجية تعاون وتفاوض وسلام، وعلاقات جيدة مع مصر والسعودية" وبالتالي عودة سوريا إلى "استراتيجية مزدوجة المرامي" لها معانٍ كبرى في ظل جدية الولايات المتحدة في اطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط، حسب رأي سالم الذي يضيف بأن "السعودية أيضاً تدفع باتجاه عملية السلام خوفاً منها من الدور الايراني المتنامي في المنطقة إذا لم تتم صفقة سلام مع إسرائيل". وهذا يعني أن سوريا تعدد استراتيجياتها لتكون هي الرابحة مهما كانت النتائج والظروف "حربية كانت أم سلمية".
حزب الله يحذر من المساس بسلاحه
وقد أعادت اشتباكات برج ابي حيدر التي استخدمت فيها الاسلحة الرشاشة والقذائف الصاروخية، موضوع السلاح إلى دائرة الأضواء والنقاش، لا سيما مع تأكد وجود أسلحة خفيفة ومتوسطة مع عناصر مسلحة أخرى غير حزب الله. وكانت هي الشرارة التي أطلقت حملة من الدعوات التي تطالب بجعل بيروت مدينة منزوعة السلاح.
وجاءت هذه الدعوات من اطراف سياسية مثل "تيار المستقبل" ومن الحكومة ورئيس الجمهورية أيضاً، بل وتم تشكيل لجنة وزارية إثر تلك الاشتباكات لبحث السبل الكفيلة بضبط السلاح في بيروت. ولكن أي حديث عن نزع السلاح يثير حساسية لدى حزب الله الفصيل الوحيد الذي لم يتخل عن سلاحه بعد الحرب الأهلية، بحجة استمرار الاحتلال الاسرائيلي لمناطق من جنوب لبنان. ولم يتأخر رد الحزب على الحملة الأخيرة للمطالبة بنزع السلاح في بيروت، إذ حذر بعض من نوابه ومسؤوليه من "استهداف سلاح المقاومة".
وبما أن حزب الله يعتبر حليفاً قوياً لسوريا في لبنان، فلا بد أن يكون لدمشق دور في أي عملية نزع لسلاحه أو غيره من الفصائل المسلحة في لبنان. وفي هذا السياق يقول بول سالم، بأن سوريا تستطيع أن تلعب دوراً في ذلك بالضغط على حلفائها سواء أكان حزب الله أو الأحباش أو غيرهم من حلفائها، وأن تشجعهم على التعاون والتنسيق مع السلطات اللبنانية "وقوى الأمن الداخلي والجيش وهما ايضاً قوتان صديقتان لسوريا في لبنان".
وأشارسالم بأن السوريين يقولون لحزب الله ولو بشكل غير مباشر بأن عليه أن يعيد حساباته وربما أن ينسحب من وسط بيروت ولا سيما من الأحياء السنية ولكن "دون أن يحدث ذلك قلقاً أو خوفاً لدى حزب الله، لأن سوريا تقول له لا تخاف نحن هنا وسننسق مع الدولة اللبنانية لكي لا يحصل شيء في بيروت يهدد أمن حزب الله" ولكن لا يجوز أيضاً أن يكون طرف من الأطراف اللبنانية هو الذي يتحكم بأحد أحياء المدينة كما يحدث الآن.
عارف جابو
مراجعة: منصف السليمي