سرية الإنجاب.. أمل للنساء اليائسات
١٤ يوليو ٢٠١٧النساء اللواتي يرغبن في الحفاظ على سرية الحمل، يقعن في مشكلة، فهن بحاجة إلى رعاية طبية، إلا أنها لا تتمكن من زيارة العيادة النسائية أو المستشفى باسمها الحقيقي، كي لا يعلم المقربون بأمر حملها، فهناك من هي مرتبطة بزوج عنيف، وتخشى من ردة فعله، وهناك فتيات قاصرات لا زلن يعشن في كنف عائلاتهن.
ولمساعدة هؤلاء النساء الحوامل، أقرت الحكومة الاتحادية في عام 2014 قانونا للولادة السرية. من دون علم العائلة أو المقربين، وجاء ذلك مرافقا لاعتماد خط هاتفي على مدار الساعة من أجل تقديم النصح والإرشاد لهن بشكل سري يحفظ خصوصيتهن.
وإذا قررت المرأة بعد النصح والإرشاد الإنجاب بشكل سري، فإنها ستحصل على مساعدة طبية تتمثل بقابلة مختصة مرافقة، وولادة داخل المستشفى، دون ذكر اسمها الحقيقي، وعادة ما يتولى رعاية الأطفال حديثي الولادة مكتب رعاية اليافعين (das Jugendamt)، أو يتم عرض الطفل للتبني مباشرة من قبل عائلات مسجلة لديه.
وبعد أكثر من ثلاث سنوات على تطبيق القانون، قدمت الوزارة الاتحادية لشؤون الأسرة تقييما إيجابيا عن الموضوع، حيث عرضت وزيرة المرأة كاتارينا بارلي من الحزب الاشتراكي الديمقراطي (SPD) نتائج دراسة هذا القانون الجديد. ووفقا لهذه الدراسة تم تقديم المساعدة لحوالي 355 امرأة، قررن الإنجاب بشكل سري منذ أيار/ مايو 2014، أي أكثر من 100 حالة كل سنة.
قبل تطبيق قانون سرية الإنجاب في ألمانيا، كان مطبق في المستشفيات الألمانية ما يسمى سلة الأطفال (Babyklappen)، بحيث تضع النساء اللواتي يرغبن بالتخلي عن أطفالهن، طفلها الرضيع هناك، من باب خلفي يحفظ سرية الأم، ويثبت على هذه الحاضنة أو السلة جهاز استشعار يعلم الممرضة المسؤولة بوجود طفل، وذلك لتسلمه مباشرة وتقديم العناية له فور خروج الأم.
الفرق الحاسم بين سلة الأطفال وسرية الإنجاب، أن الطفل الموضوع في السلة لن يكون له أي فرصة مستقبلية بمعرفة أصله وعائلته البيولوجية. لذلك فإن هذه السلات موجودة ويتم التغاضي عنها فقط لأنها تحل مشكلة للأم بالرغم من انها تنتهك حق الطفل في معرفة أصله.
أما في حالة الولادة السرية فإن على المرأة أن تسجل اسمها وبياناتها ومعلومات الاتصال الخاصة بها في مركز المشورة، الذي يحافظ على سرية هذه المعلومات، ويتم حفظ هذه البيانات في ظرف مختوم بعدها في المكتب الاتحادي للأسرة، بحيث يمكن للطفل أن يتواصل مع أمه إن رغب بعد أن يتم عامه السادس عشر.
وطبقا للوزيرة بارلي فإن هذه الطريقة "هي جيدة للأم والطفل معا، اللذان سيتلقيان عناية طبية، كما يمكن للطفل أن يتعرف عن أمه البيولوجية في وقت لاحق".
ليس بديلا عن سلة الأطفال
"في الأساس، فإن هذا القانون مهم جدا لمساعدة النساء اللواتي يواجهن أوضاعا صعبة بحسب كاتارينا يشكيه من الاتحاد الألماني للقابلات في مقابلة معDW ، وتتابع "هذا القانون يضمن تلقي الدعم الطبي للنساء أثناء فترة الحمل وأثناء الولادة، كما أنه يقدم رعاية نفسية للأم بعد الولادة، كما أنه يساعد الأطباء والممرضين على تقييم الموضوع، وعدم ترك مصير الطفل غامضا".
ولكن يشكه تؤكد أيضا أن المخطط للولادة السرية لا يمكن أن يكون بديلا كاملا عن "سلات الأطفال"، إذ أنه يتوجب على المرأة أن تسجل نفسها وبياناتها في مركز المشورة، كما أن سرية المعلومات يتم حفظها 16 عاما، ثم تكشف بعدها، وهو ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة في بعض الحالات.
وتقول يشكه "نتوقع عادة أن المرأة الحامل قادرة على طلب المساعدة، لكن هناك حالات استثنائية، لا يمكن أن نتجاهل وجودها، ولا يمكن أن نفترض أن التفكير المنطقي للنساء سيكون نفسه. وهذا هو السبب في وجود النساء اللواتي يقمن بالتخلي عن أطفالهم أو وضعهم في هذه السلات، هؤلاء النسوة هن من يحتجن للمساعدة."
كما هو الحال في كرسي الاعتراف
مستشفى Waldfriede في برلين تسيليندورف قام بتطبيق أول مشروع "سلات الأطفال في ألمانيا" وذلك في أيلول/ سبتمبر 2000. كما قدمت عيادة النساء والتوليد هناك بالإضافة لذلك خدمة ولادة سرية، بحيث تحفظ خصوصية الأم. وشبه القس غيرهارد مين، الذي يعمل كمستشار في العيادة، بأن هذه الخدمة تشبه خدمة كرسي الاعتراف بالكنيسة والتي تمكن الشخص من الاعتراف بذنوبه وأعماله دون أن يعرفه أحد. ويقول" النساء اللاتي يتوجهن إلى مركزنا يرغبن في عدم الكشف عن هويتهن، فمنهن القادمة من عائلة مسلمة، كما أن بعضهن تعرضن لجنس المحارم أو الاغتصاب" ويتابع: هذه الأمور تفقد المرأة القوة للكشف عن نفسها بل وتخشى من ذلك".
"أريد استرجاع طفلي"
يقول مين إنه من حسنات الولادة السرية أنه يمكن النساء من تغيير رأيهن، في حال قررت الاحتفاظ بالطفل، فمثلا في عيادة التوليد Waldfriede-Klinik يمكن للأم أن تحصل على طفلها مجددا وبدون مماطلة لغاية شهرين من بعد الولادة.
ويقول القس: "اليوم تلقيت رسالة الكترونية من امرأة أنجبت هنا قبل عامين، وبعد الولادة بقيت في المستفتى لمدة أطول من المعتاد، وكانت تلعب مع الطفلة التي أنجبتها، بل وأطعمتها بنفسها، ثم غادرت المركز وتركت رضيعها". ويضيف القس أن تلك المرأة بقيت على تواصل معه، ويتابع " كانت الأم تتصل يوميا للاطمئنان على الطفلة، وأخبرتها أن الطفلة بخير وتم تبنيها من قبل عائلة، إلا أنها بعد أسبوع قالت إنها تكلمت مع عائلتها وإنها تريد استعادة الطفل. وتواصلت الأم مع مكتب التبني واستعادت الطفلة وكان ذلك مؤثرا". ويقول "اليوم وصلتني صورة لها مع صغيرتها، أم صغيرة سعيدة وطفلة سعيدة". قصص كهذه تظهر لمين أهمية الولادة السرية وكيف تستطيع الأم أن تحصل على طفلها بموجب القانون لاحقا.
كارلا بلايكر/ علاء جمعة