"ستارلينك".. أي آثار للانترنت الفضائي على العالم العربي؟
١٧ مايو ٢٠١٩"ستارلينك"، هو مشروع طموح يعتزم الملياردير الأمريكي "ايلون ماسك" مالك شركة سبيس اكس إطلاقه قريبا بهدف اتاحة الإنترنت عبر الأقمار الصناعية لتغطي كافة أرجاء المعمورة. وليس هذا هو المشروع الأول من نوعه بل سبقه شركات عملاقة أخرى لكن فكرة إطلاق حوالي 12 ألف قمر صناعي هي الأمر الجديد في هذا السياق.
مشروع طموح .. ولكن؟
يقوم المشروع على إطلاق 12 الف قمر صناعي توضع في مدارين، المدار الأول سيضم 4425 قمراً على ارتفاع 1200 كم، أما المدار الثاني فسيضم 7518 قمراً على ارتفاع 340 كم، بهدف أن يتم التواصل بين الأقمار في المدارين وبين كوكب الأرض بسرعة كبيرة بحسب ما أعلن ايلون ماسك:
وتكمن المشكلة حالياً إما في أن خدمات الانترنت الفضائي ليست متاحة في كل الدول أو أن بعض الدول لا تسمح بها، بخلاف أن تكلفة الحصول على الخدمة أعلى من خدمة الانترنت الأرضي، بجانب أن أغلب الشركات المقدمة لخدمة الانترنت الفضائي في الوقت الحالي تقدم سرعات الأعلى فيها أقل بكثير من السرعات المقدمة عبر الانترنت الأرضي، وهذا ما يلعب عليه ايلون ماسك حاليا بتقليل السعر إلى الحد الأدنى ورفع السرعات بما قد يتعدى سرعة الانترنت الأرضي نفسه.
ومن غير المعلوم حتى الآن ما هي التقنيات اللازم توافرها لدى الأفراد لاستقبال هذه الخدمة وهل ستكون مجانية أم سَيُدفع في مقابلها أية رسوم وأين ستقف حدود وسلطات الدول، خاصة القمعية والشمولية منها، وهي ترى هذه الحرية في الوصول إلى المعلومات متاحة لمواطنيها دون رقيب أو حسيب، على عكس ما اعتادت أن تفعله.
جدوى المشروع محل شك
يبدو المشروع حلماً لدى الملايين ممن يعانون من صعوبة الوصول لشبكة الانترنت أو لا يجدون إليها سبيلاً من الأصل، ويرى خالد الخليفي، الخبير التونسي في مجال الانترنت أنه "لو تحقق فمن المتوقع أن يكون له تأثير كبير على سوق الاتصالات في العالم وسينهي حياة مئات الشركات العملاقة والتكنولوجيات الجديدة وسيمكن مئات الملايين في المناطق النائية من الابحار في شبكة الانترنت".
ويضيف الخليفي في حوار مع DW عربية أن مشروعاً كهذا قد يطرح سؤالاً جوهريا وهو: "هل سيكون ذلك بديلاً للتقنيات المتوفرة حاليا أم سيعتمد عليها في توصيل الخدمات للمستخدمين؟ هنا ستكون المعركة الكبرى لأنها بالأساس اقتصادية ومالية".
أما رامي رؤوف الباحث والمتخصص في أمن وتقنية المعلومات فيرى أنه "من الجيد النظر إلى مشروع كهذا من الناحية الإيجابية، فهو بذلك سيتيح المعلومات والانترنت للناس كافة في كل العالم وبذلك سنصل إلى عصر معلوماتي مختلف تماماً حر وبدون بوابات"، لكنه استدرك قائلا إن "هذه النظرة الإيجابية قائمة على افتراض أن مقدم الخدمة سيجعلها كذلك وهو أمر لا يزال محل شك" بحسب ما قال خلال حواره مع DW عربية.
ويوضح رؤوف أنه في التفاصيل الفنية، من غير المعلوم كيفية استقبال هذه الخدمة. فهل يمكن لأي هاتف ذكي استقبال هذه الخدمة أم سنحتاج إلى شراء أدوات وأجهزة معينة لاستقبال الانترنت الفضائي؟ ويتابع "في هذه الحالة قد تجرم الدولة -أي دولة- حيازة وبيع وتداول مثل هذه الأجهزة وينتهي الأمر، أم سيتم اللجوء إلى خيار آخر؟ الأمر لايزال يشوبه الغموض".
انترنت حر.. بين الواقع والمأمول في العالم العربي
في عام 2017 نشر موقع Internet World Stats تقريراً حول عدد مستخدمي الإنترنت في العالم العربي. تصدرت مصر القائمة فيما احتلت السعودية المرتبة الثانية وحلت المغرب في المركز الثالث تلتها الجزائر ثم العراق. وعلى الرغم من العدد الكبير لمستخدمي الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في العالم العربي إلا أن الكثير من الدول العربية تحتل مراكز متأخرة جداً فيما يتعلق بحرية الانترنت.
وفي 2015 نشرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الانسان تقريراً رتبت فيه الدول العربية وفق مدى حرية الانترنت، احتلت فيه تونس المركز الأول، فيما حلت العراق في المركز الخامس ومصر في المركز السادس والسعودية في المركز الثامن عشر والسودان في المركز التاسع عشر.
ويقول رامي رؤوف إن هذا المشروع ليس الأول من نوعه بل سبقه في ذلك شركات مثل جوجل وأمازون، وكان لدى فيسبوك تجربة تسمى Facebook Zero واجهت كما ضخما من المشاكل. ويوضح رؤوف أن الكثير من الحكومات كالمكسيك والهند وغيرها أوقفت الخدمة والتي كانت تقوم على إتاحة الوصول إلى نحو 20 موقعاً مجاناً منها فيسبوك، و"كان السبب هو أن حكومات بعض الدول رأت أن الخدمة ضد حرية تداول المعلومات وحرية الوصول إلى الانترنت لأنها ليست متاحة للجميع بالشكل نفسه والدرجة نفسها، فقامت هذه الدول كالهند والمكسيك وبعض دول أوروبا بمنع الخدمة لكن مصر منعتها لأسباب مختلفة تماماً وهي رفض الشركة إطلاع الحكومة المصرية على بيانات مستخدمي هذه الخدمة".
أي ارتدادات على العالم العربي؟
يعاني الكثير من مستخدمي الانترنت في العالم العربي من مشكلات متعددة في سبيل الحصول على خدمة الانترنت. فالكثير من الدول لديها بنية تحتية متهالكة أو لا تدعم التطور السريع الحادث في سرعات الانترنت والخدمات المقدمة والمرتبطة برفع هذه السرعات –وهو أمر قد يكون مقصوداً في بعض الأحيان- وإما بسبب الرقابة المشددة على الانترنت.
يقول رامي رؤوف خبير تقنية وأمن المعلومات إن مشروعاً كـ"ستار لينك" سيتنزع من الدولة جانباً كبيراً للغاية من سلطويتها على الانترنت وسيصعب على الدول أن تمارس أي تدخل أو رقابة على أمر هو في الفضاء المطلق، ولن يكون لها أي صفة قانونية أو جوهرية في تقنين هذا النوع من الانترنت .
ويختتم رؤوف حديثه بالقول إنه "اذا تمكنت الشعوب العربية من الوصول إلى انترنت حر ومفتوح فإن هناك نهضة اقتصادية ستحدث وهي في ذلك ستقوم على نهضة معلوماتية، فلو كان للمجتمع نفاذية إلى المعلومات فإن أكبر مجالين سيحدث فيهما انتعاش كبير هما الصحة والاقتصاد، ما سيحدث نهضة كبيرة في المجالين، قائمة على فكرة النفاذ إلى المعرفة".
الرأي نفسه يتبناه خالد خليف خبير الانترنت والإعلامي التونسي والذي يرى أن "العالم العربي سيستفيد كمستهلك كبير للتكنولوجيا من هذا المشروع الذي سيسمح للأفراد باستعمال الانترنت المجاني في كل أوجه الحياة"، مضيفاً أن بعض الدول أو الشركات ستحاول الاستفادة من المشروع عبر تطويعه لخدمة مواطنيها بالشكل الذي تراه وحسب رؤيتها السياسية والاجتماعية والثقافية، "لكن مبدأ حرية الانترنت سيكون هو الأساس".
وفي هذا السياق يرى خلف أن بعض الدول في العالم العربي ترى أن الحرية هي المبدأ الأساسي في إدارة شبكات الانترنت، وهو المبدأ الذي اعتمدته تونس منذ سنة 2011، فيما هناك دول آخرى تدير الانترنت حسب رؤيتها السياسية والثقافية، فتقوم بالحجب أو غيره من التقنيات للتحكم في المحتويات، فالمسألة متشعبة لأن البعض يرى أن الفضاء السيبراني جزء من السيادة الوطنية ويجب حمايته كغيره من الفضاءات والمنشآت والبعض الآخر يراه فضاءً للتعبير لا يعدو كونه وسيلة اتصال وتواصل.
ويؤكد خليف على أن "حرية الإبحار في الانترنت إذا اتيحت في العالم العربي فستشكل ثورة ثقافية واجتماعية في المجتمعات التي مازالت ترزح تحت وطأة الحجب والتضييق على حرية التعبير والنفاذ للانترنت".
ع.ح.