ست سنوات جديدة للقيصر.. أي تداعيات على الشرق الأوسط؟
١٩ مارس ٢٠١٨ليست السنوات الست، التي ربحها الضابط السابق في جهاز الاستخبارات السوفياتي على رأس الكرملين، مجرد عملية انتخابية تحدّد هوية رئيس روسيا، بل هي تأكيد لاستمرار رؤية فلاديمير بوتين للسياسة الخارجية لبلاده إثر نجاحه في التحوّل إلى ما بات يوصف بـ "قيصر" روسيا. فالرجل، الذي سيستمر في منصبه إلى غاية 2024، مكملا بذلك، ما لم تحدث مفاجأة كبرى، 24 عاماً من حكم وريثة الاتحاد السوفياتي، يعدّ من المؤثرين الرئيسيين في المشهد الدولي، بقرارات أحيت نوعاً من القطبية التي كانت سائدة قبل عقود.
بوتين، الذي فاز بـ76.67% من الأصوات، في مشهد كان متوقعا لغياب أسماء كبرى تنافسه، خاصة بعد منع المعارض البارز أليكسي نافالني من الترشح، هو اليوم لاعب أساسي في أزمات الشرق الأوسط. فلولا تدخله في سوريا، لتراجعت كثيراً حظوظ بشار الأسد في البقاء، ولولا شراكته القوية مع إيران، لربحت الرياض مواطئ قدم في معركتها مع طهران. ولولا أسلحته وصفقات الغاز التي تثير لعاب الكثير من دول المنطقة، بما فيها المحسوبة على الصف الأمريكي، لتراجع نفوذ موسكو بشكل واضح.
لذلك، فإن كان خبر استمراره رئيسا لروسيا يُفرح أنصاره، فإنه يشكل في المقابل صفعة لقوى غربية متعددة كانت تتمنى صعود شخص آخر قد يحيي أملاً في تغيير سياسة الكرملين.
نفوذ روسي يتقوى بالشرق الأوسط
وضع بوتين العصا في العجلة الأمريكية التي تحاول إدانة إيران، وتبنى موقفا خفيف اللهجة تجاه الحوثيين رغم اعترافه بحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي. إذ حافظ على اتصالات معهم فيما اعتبر رهاناً روسياً على حليف آخر في اليمن غير حكومة هادي المدعومة خليجيا ودوليا. الحضور الروسي في سوريا ليس خفيا، فموسكو هي القوة الأجنبية الأولى في هذا البلد، إذ تحاول تحقيق عدة مصالح اقتصادية وعسكرية وسياسية، منها أهمها التهام نصيب كبير من "الكعكة السورية" في مجال إعادة الإعمار واستغلال ثروات البلاد.
وممّا يلاحظ على بوتين، أنه في الوقت الذي تستمر فيه علاقته بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في التدهور، استطاع خلق علاقات جديدة في الشرق الأوسط حتى مع القوى التي كانت تعاكس توجهاته في سوريا. ليس هذا فحسب، بل وأدخل بعضاً منها ضمن اتفاقات تخدم رؤيته كما عليه الحال مع تركيا التي تجاوزت مرحلة التصدع مع موسكو.
ولعل أكبر ورقة استخدمها بوتين هي منظومة الصواريخ الروسيةS-400، فتركيا وقعت اتفاقا لشراء هذه المنظومة، والسعودية وصلت المراحل الأخيرة للحصول على هذا السلاح، وقطر مهتمة به كذلك. أما مصر، فكان اتفاقها مع موسكو بإنشاء المفاعل النووي، عبر قرض وصلت قيمته إلى 25 مليار دولار، أكبر دافع لزيادة الدفء في علاقتهما.
ولا يظهر أن بوتين في ولايته الجديدة سيراجع خططه التوسعية في الشرق الأوسط، إذ تشير الباحثة الروسية آنا بورشفسكايا في مقال منشور بمعهد واشنطن، أن موسكو لن تتخلى عن حضورها العسكري بسوريا نظرا لما يكتسيه من أهمية جيو-استراتيجية، خاصة بعد نجاحها في وضع آلية عمل ديبلوماسية إقليمية لحلّ الأزمة دون إدخال الولايات المتحدة.
أما بخصوص الشراكة مع إيران، فهي ستركز على توسيع التعاون الاقتصادي مستقبلا. إذ تناقش شركات نفط روسية عقودا للعمل في الحقول الإيرانية، كما ترغب موسكو أن تعطي الانطباع بأنها قادرة على التأثير في القرار الإيراني، حسب بورشفسكايا. وترى الباحثة أن موسكو مهتمة كذلك بالوصول إلى المرافئ الإقليمية في الشرق الأوسط، كما تهتم نوعا ما بالتدخل في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي مستغلة غياب سياسة أمريكية واضحة.
ويهتم بوتين كثيرا بليبيا، إذ وقفت حكومته بشكل قوي مع خليفة حفتر، "قائد الجيش الليبي"، وساهمت في فرضه على القوى الدولية التي لم تعد قادرة على تجاهل دوره. وتقول آنا بورشفسكايا إنه يتعيّن على الحكومات الغربية مراقبة التوسع الروسي الهادئ في شمال إفريقيا. وما يعزّز كلام الباحثة أن بوتين حافظ على علاقات بلاده القوية مع الجزائر، وفتح عهدا جديدا مع شريك غير تقليدي هو المغرب.
ويقول جوس هيلترمان، مدير البرامج المتعلقة بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا عن مجموعة الأزمات الدولية، لـDW عربية إن روسيا تحاول استغلال مجموعة من العناصر لتقوية دورها في الشرق الأوسط، أولها النفوذ الذي ربحته في سوريا، وثانيها التراجع الأمريكي الجزئي في المنطقة. وللوصول إلى هذا الهدف، فهي تعتمد على استراتيجية هادئة تتكون من ثلاثة عناصر: صفقات السلاح، اتفاقيات الطاقة، والقوة الديبلوماسية الناعمة كما تفعل في ليبيا واليمن.
ولا يبدو أن بوتين سيرفع أوراقا جديدة فيما يخصّ الشرق الأوسط، فالأوراق القديمة سيستمر في استخدامها حسب تصريحات المحلّل السياسي كاوه حسن لـDW عربية، ومن ذلك ورقة القضاء على التنظيمات الإرهابية التي يوّظفها كعامل تقارب مع عدة أنظمة بالمنطقة. غير أن المتحدث يشير إلى بلد آخر قد يدخل بقوة ضمن دائرة اهتمامات بوتين. يتعلّق الأمر هنا بالعراق، حيث توجد مصالح اقتصادية روسية في آبار النفط، إذ يبدو أن بوتين يرغب في منافسة واشنطن بهذا الحيز الجغرافي عبر بوابة الاستثمار.
أين الغرب من الخطط الروسية؟
توترت علاقة بوتين بالغرب بشكل جلي منذ أزمة شبه جزيرة القرم الأوكرانية عام 2014، إذ جرى تجميد الكثير من الاتفاقيات والمحادثات العسكرية والاقتصادية وفُرض حظر على الكثير من الشخصيات والشركات الروسية في أوروبا وأمريكا فضلاً عن تقييد المعاملات التجارية.
ثم جاءت الاتهامات الأمريكية لموسكو بالتدخل في الانتخابات التي أتت بدونالد ترامب، وأخيراً عقّدت عملية تسميم جاسوس روسي سابق في بريطانيا من الوضع أكثر، إذ تتهم لندن إدارة بوتين بالتوّرط في العملية، كما أعلن الاتحاد الأوربي عن تضامنه مع بريطانيا في هذا الإطار. لذلك دعت الحكومة الألمانية بوتين إلى الاستفادة من إعادة انتخابه لتحسين علاقاته مع الغرب.
لكن جوس هيلترمان يرى أنه لا توجد حاليا سياسة غربية موحدة، وهو ما تستغله روسيا مؤخراً بشكل واضح. كما أن السياسات الغربية الرامية إلى محاصرة النفوذ الروسي في سوريا غير فعالة، يتابع هيلترمان. ويشير الباحث إلى أن النقطة القوية الوحيدة التي يمكن فيها للاتحاد الأوروبي خلق تأثير في سوريا هي الوعود بوضع رساميل لإعادة بناء البلد، لكن ما هو حجم التأثير المنتظر؟ يبقى هذا السؤال شائكا حسب المتدخل.
الفكرة ذاتها يؤكدها كاوه حسن، فالوضع في الشرق الأوسط لن يتغيّر خلال السنوات المقبلة ضد روسيا، بل ستعزز هذه الأخيرة من قوتها في بعض المناطق لا سيما سوريا. ويرى المحلل أن تنامي النفوذ الروسي بالشرق الأوسط لم يكن ليحدث لولا غياب استراتيجية أمريكية واضحة وانهماك الاتحاد الأوروبي في مشاكله الداخلية. بيدَ أن الوضع قد يشهد تصعيدا كبيراً بين الغرب وروسيا في حال ما قامت هذه الأخيرة بعمليات كبيرة في سوريا، من شأنها أن ترفع درجة تهديد المصالح الغربية، وفق تأكيدات المحلل ذاته.
الكاتب: إسماعيل عزام