ساحة باردو غداة انطلاق "أسبوع الرحيل"
٢٤ أغسطس ٢٠١٣منذ شهر والتونسيون يتوافدون على ساحة باردو، الساحة التي تراهن عليها المعارضة التونسية لتحقيق مطالبها في الإطاحة بالمجلس التأسيسي وبحكومة الائتلاف الحكومي الحالي بقيادة حزب النهضة الإسلامي. وفي خطوة تصعيدية أعلنت جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة إطلاق "أسبوع الرحيل"اعتبارا من الرابع والعشرين إلى الثلاثين من آب/ أغسطس الجاري. وذلك بهدف إسقاط حكومة علي العريض وطرد مسؤولين عينتهم حركة النهضة في مناصب عليا بالقطاع العام على أساس "الولاء الحزبي" مثلما تقول المعارضة. ويأتي هذا بعد أن أظهر حزب النهضة مرونة في مواقفه، وأعلن قبولا مبدئيا بحل الحكومة الحالية وتبديلها بأخرى غير حزبية.
حركة "تمرد تونس"
زياد بالحاج عمر ناشط بحركة "تمرد" التي كانت أطلقت شرارة الدعوة إلى الإطاحة بالمجلس التأسيسي وكل السلط المنبثقة عنه، تحدث الى DW عربية من خيمة اعتصامه بساحة باردو قائلا "مطالبنا تلتقي مع رغبة أغلب التونسيين في ظل الوضع الذي وصلت إليه البلاد وتدني المؤشرات في أغلب المجالات. مطلبنا الأساسي هو الإطاحة بهذا المجلس الذي فشل في مهامه وفقد شرعيته منذ الـثالث والعشرين من أكتوبر الماضي. نحن بصدد جمع التواقيع وحالما نصل إلى العدد المطلوب سنعلن نهاية هذا المجلس".
وأوضح الناشط أن حركة تمرد لها صوت مسموع داخل جبهة الإنقاذ الوطني التي تضم أطياف المعارضة، وهي الآن بصدد التنسيق مع عدد من الأحزاب المشاركة في اعتصام الرحيل بهدف إعداد خارطة طريقة لاستكمال النضال مع انطلاق "أسبوع الرحيل".
ساحة باردو
ومع تراجع الاهتمام بالشارع الحبيب بورقيبة الشهير وسط العاصمة الذي كان يشكل حتى وقت قريب الشارع الرمز للاحتجاجات بتونس، اكتسبت ساحة باردو شهرة عالمية على غرار ميدان "التحرير" بالقاهرة و"تقسيم" في اسطنبول، وذلك مع توافد عشرات الآلاف من المتظاهرين عليه بشكل يومي.
ويفسر المحامي والناشط السياسي عبد الناصر العويني الذي كان من بين المعتصمين لـDW عربية الزخم المتزايد للاعتصام لدى المجتمع المدني قائلا "إن اللحظة الفارقة في هذا الاعتصام أنه سيحدد شكل النظام خلال الخمسين سنة القادمة". ويضيف العويني "لم تكن هناك حياة سياسية في حكم زين العابدين بن علي. الناس اليوم تأتي إلى هنا للدفاع عن الحريات التي اكتسبوها بعد الثورة".
وأوضح رضا بلحاج الناطق باسم حركة نداء تونس أحد الأطراف المكونة لجبهة الإنقاذ الوطني لـDW عربية أن أشكال التعبير اليوم في ساحة باردو أصبحت متنوعة وتأخذ منحى تدريجيا وفي إطار قانوني بدء من "أسبوع الرحيل" و"ذكرى اغتيال شكري بلعيد" و"عيد المرأة" الى "حملة ارحل" لكنها تلتقي جميعا في مطلب واحد وهو حل الحكومة المؤقتة الحالية. ولا يبدي المعارض في الحزب العلماني أي رفض لاعتصام دعم الشرعية الذي يعتصم على بعد أمتار من اعتصام الرحيل وتفصل بينهما أسلاك أمنية؛ معتبرا أن لا مانع من تواجده، طالما كان غير مسلح وملتزما بالقانون. لكنه يؤكد في الوقت ذاته أن لا وجود لنقاط التقاء بين الاعتصامين ما دام ليس هناك تجاوب مع المطلب الأساسي لحل الحكومة. وذلك على الرغم من التطور النسبي في مواقف السياسيين في السلطة، حسب رأيه.
أنصار "الشرعية الانتخابية"
وكما هو حال أحزاب المعارضة ومنظمات المجتمع المدني الليبرالية والتقدمية، حشد أنصار الحزب الحاكم منظماتهم ونصبوا خيامهم في الطرف الأيمن من ساحة باردو دعما للشرعية الانتخابية ورفضا لدعوات المعارضة.
وفي حديثه مع DW عربية دعا وزير أملاك الدولة في الحكومة المؤقتة سليم بن حميدان وهو قيادي بحزب المؤتمر من أجل الجمهورية الشريك في الائتلاف الحاكم إلى ضرورة التمييز بين حرية الاحتجاج والتظاهر ومشروعية المطالب المعلنة في اعتصام ساحة باردو. ويضيف قائلا "ما نشاهده اليوم هي مطالب غير معقولة وغير مشروعة أصلا وتفتقد لأي دعامة قانونية ودستورية بل هي دعوة عبثية تقود إلى الفوضى".
وتحدث أيضا أحمد المشرقي النائب عن حركة النهضة الإسلامية في المجلس التأسيسي لـDW عربية قائلا "الاعتصام لا يمكن أن ينطبق على المجلس التأسيسي لأنه السلطة العليا ومفوض من الشعب وهو ليس مجرد برلمان يسن القوانين. وإذا كان هناك فشل فهو فشل داخل المجلس التأسيسي وذلك راجع إما لتخليه عن جزء من سلطاته أو تخليه عن بعض من مهامه".
وبعيدا عن أزمة التأسيسي نفسه يعرِّف المشرقي الصراع بين الطرفين في ساحة باردو بأنه "ليس صراعا حول ما هو آني وإنما هو صراع على موقع في المستقبل". وهو صراع في نظره مشروع لأنه يضم أطرافا تملك رصيدا نضاليا وسياسيا مهما وبالتالي فهي تخشى من فقدان موقعها داخل المشهد السياسي.
مدينة باردو استفادت من الاعتصام
وحتى اليوم لم يتفق الفرقاء السياسيين على حل وسط للخروج من الأزمة، وهو حال ما ينطق به أيضا لسان ساحة باردو المقسمة إلى نصفين، بيد أن المدية برمتها تبدو الأكثر استفادة من هذه الأزمة المتفاعلة. ورغم أن مدينة باردو تملك إرثا مؤسساتيا عريقا كونها تضم مقر البرلمان والمجلس الدستوري ومجلس المستشارين كما ارتبطت بفترة حكم البايات للبلاد، إلا أنها لم تعرف جموعا غفيرة مثل تلك التي شهدتها في فترة الاعتصام الحالية. وقد بلغ عدد المتظاهرين في ذكرى اغتيال شكري بلعيد وحدها 150 ألفا بحسب المنظمين.
وأضفت تلك الجموع حركية اقتصادية وثقافية كبرى على المدينة. ويشير النائب المستقل في المجلس التأسيسي كمال السعداوي لـDW عربية إلى أن ساحة باردو اكتسبت رمزية وأصبحت "بمثابة مهرجان ثقافي يستقطب السياسيين والمثقفين وحتى العائلات على سبيل الفضول والاطلاع".
وبدوره يرى الناشط السياسي سفيان الشورابي من مركز صحافة السلم والحرب البريطاني (مكتب تونس) أن ساحة باردو علاوة إلى أنها أضحت ملتقى للتيارات السياسية والمجموعات الشبابية، فإنها أيضا متنفس جديد للتعبير عن الرأي ومنبر لـ"تسييس الثقافة" من خلال تواجد مجموعات فنية عديدة.