سأم لبناني من تحديد الهوية السياسية بالانتماءات الطائفية
٦ سبتمبر ٢٠١٥بالنسبة للكثيرين من اللبنانيين لم تعد تفوح حاليًا رائحة النفايات فحسب، بل وصلت كذلك رائحة النظام السياسي اللبناني كله إلى السماء. وضمن سياق احتجاجاتهم الأكبر حتى الآن، اجتمع يوم السبت 29 / 08 / 2015 في وسط العاصمة بيروت عشرات الآلاف من اللبنانيين القادمين جميع أنحاء البلاد، من أجل الاحتجاج باسم حركتهم الجديدة "طلعت ريحتكم" ضدَّ ساسييهم.
لقد تحوَّلت أزمة النفايات في هذه الأثناء إلى رمز في لبنان: إذ إنَّ النظام السياسي اللبناني، القائم على أساس المحاصصة النسبية الطائفية والذي تسيطر عليه الهياكل الأسرية، لم يعد يعمل. فالدولة اللبنانية انهارت.
منذ أكثر من خمسة أسابيع لم يعد يتم نقل النفايات في لبنان. وفي كلِّ مكان في بيروت باتت تتراكم جبال من النفايات. وفي مدن ومناطق أخرى كثيرة، صار يتم رمي النفايات ببساطة وهمجية في المناطق الطبيعية. ويعود سبب ذلك: إلى انتهاء مدة عقود التخلص من النفايات المبرمة مع شركات خاصة ومع مكب للنفايات كان يتم استخدامه حتى الآن. وطيلة شهور لم تتمكَّن الأحزاب والسياسيون الشيعة والسُّنة والمسيحيون والدروز وكذلك المسؤولون الفاسدون من الاتِّفاق على عقود جديدة.
"النفايات أيقظت اللبنانيين"
يعتبر مروان معلوف واحدًا من منظمي حركة "طلعت ريحتكم". وفي حديث مع موقع قنطرة، فسَّر معلوف أسباب قيام هذه الحركة: "لقد وصل كلُّ شيء إلى مستوًى لم تعد تخرج فيه فقط رائحة النفايات في مدننا، بل كذلك رائحة سياسيينا". وبالنسبة لمروان معلوف لم يعد يتعلق الأمر منذ فترة طويلة بالتخلص من النفايات. وحول ذلك يقول: "النفايات أيقظت اللبنانيين، الذين يدركون أنَّ هناك طبقة سياسية فاسدة، ويعرفون الشبكات الطائفية. ولكن لا يزال يتعيَّن إيقاظهم بعد".
إفلاس بيئي وسياسي - تنشأ في جميع أنحاء لبنان مكابات نفايات عشوائية، كنتيجة لعدم مقدرة السياسيين اللبنانيين على السيطرة على النفايات. ومنذ شهر تموز/يوليو 2015 تتراكم في شوارع بيروت أكوام من النفايات ذات الرائحة النتنة، وذلك بسبب إغلاق مكب نفايات ممتلئ فوق طاقته في العاصمة اللبنانية بيروت.
معظم المنظمون الشباب يرفعون سقف مطالبهم بشكل متزايد. وبينما كان الأمر يتعلق في الأصل فقط بجمع النفايات، صاروا يطالبون الآن باستقالة وزير البيئة خلال اثنين وسبعين ساعة. وبالإضافة إلى ذلك من المفترض أن تتم مساءلة وزير الداخلية اللبناني عن استخدام الشرطة للعنف ضدَّ المتظاهرين في عطلة نهاية الأسبوع السابق.
فقد استخدمت الشرطة الغاز المسيِّل للدموع وخراطيم المياه، عندما حاولت مجموعة صغيرة من المتظاهرين، اقتحام منطقة الحي الحكومي المحاطة بالأسلاك الشائكة، مما أسفر عن جرح ثلاثمائة شخص - وحتى من بين المتظاهرين الذين كانوا يتظاهرون بشكل سلمي. أمَّا في المظاهرة التي خرجت نهاية هذا الأسبوع فقد بقي الأمر هادئًا؛ كما شارك في تلك المظاهرة العديد من العائلات، وساد جو احتفالي.
"هذه البداية فقط"، مثلما هتفت رشا الحلبي - وهي رأس آخر من رؤوس هذه الحركة - وسط تصفيق من المتظاهرين في وسط العاصمة اللبنانية بيروت، وذلك بعد أن قرأت مطالب المتظاهرين، التي تضمَّنت الدعوة لإجراء انتخابات جديدة. ومنذ ثمانية عشر شهرًا لا يوجد رئيس في لبنان، وعلاوة على ذلك فقد تعيَّن تأجيل الانتخابات البرلمانية مرتين. وهذا لا يثير بالنسبة لحركة "طلعت ريحتكم" فقط السؤال حول عدم كفاءة الخدمات الحكومية، بل كذلك حول في شرعية كلّ من البرلمان والحكومة.
قنبلة بيئية موقوتة
وعلى بعد نصف ساعة بالسيارة من بيروت، وفي منطقة طبيعية جبلية خلاَّبة ذات منظر رائع مطل على البحر، استقبلتنا شابة يبدو أنَّها تشعر بالاحباط. تريد هذه الشابة أن تطلعنا على شيء ما، مثلما تقول الصحفية البيئية نادين مظلوم. وهنا نشاهد مكبًا للنفايات غير قانوني تابع لبلدية برمانا - وهذه ليست حالة فردية على الإطلاق. فبعد كلِّ بضع دقائق يتخلل هدير شاحنة صوت نقيق اليرقات وزقزقة العصافر. وتتقدَّم الشاحنات ثم تبدأ السير في الاتجاه المعاكس حتى حافة منحدر وعر، حيث ترمي نفاياتها في وسط هذه المنطقة الطبيعية. وحول أكوام النفايات تنتشر رائحة لا يمكن احتمالها.
"كلُّ هذا سوف يصل بعد وقت قريب عندما ينزل المطر إلى المياه الجوفية. ومن ثم ستحمله الأنهار إلى أسفل كما أنَّ الرياح، التي كثيرًا ما تكون عاصفة في فصل الشتاء، سوف تنشر البلاستيك في جميع المناطق الطبيعية"، مثلما تقول الصحفية نادين مظلوم. والعديد من مكبات النفايات غير الشرعية هذه موجودة أيضًا على البحر مباشرة. "وهذه مجرَّد مسألة وقت حتى تحمل التيَّارات أولى النفايات باتجاه أوروبا"، مثلما تضيف نادين مظلوم محذِّرة: "الجميع يتحدَّثون حول السياسة ولكن الأمر يتعلق هنا أيضًا بكارثة بيئية". ثم تلوذ بالفرار، وذلك بسبب اقتراب سيارة ترجل منها شرطي غاضب من شرطة القرية. يهدِّد هذا الشرطي الصحفية اللبنانية نادين مظلوم بالاعتقال.
وبعد العودة مرة أخرى إلى بيروت، تقول لنا مها يحيى من مؤسَّسة كارنيغي إنَّ الأزمة باتت في هذه الأثناء أكبر بكثير من مشكلة النفايات: "لقد سئم اللبنانيون أن يتم تحديد هويَّتهم السياسية فقط من خلال انتماءاتهم الدينية والطائفية". وتضيف أنَّ الفساد قد بلغ مستوًى: "لم يعد من الممكن احتماله، وذلك لأنَّه يؤثِّر تأثيرًا سلبيًا على الحياة اليومية".
كريم الجوهري
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2015 ar.qantara.de