Sarkozy besucht Syrien
٣ سبتمبر ٢٠٠٨يرى العديد من المحليين أن هناك الكثير من القواسم المشتركة بين بروكسل ودمشق رغم الاختلافات الجوهرية بينهما على الأصعدة السياسية والديمقراطية وحقوق الإنسان. فمقارنة مع أنظمة عربية أخرى مقرّبة جدا من الغرب، رغم تزمّتها الديني، فإن النظام السياسي في سوريا أقرب إلى العلمانية المنفتحة منه إلى الأنظمة ذات الصبغة الدينية. وهو الأمر الذي تشهد عليه مثلا أنظمة التعليم والدور الوظيفي المعطى للمرأة في الحياة السياسة والاجتماعية، رغم أنه مصطنعاً في أحيان كثيرة.
السوريون يعانون من المقاطعة أكثر من حكومتهم
على الرغم من القواسم المشتركة بين الطرفين سلكت أوروبا طريق الإدارة الأمريكية الهادف إلى عزل دمشق ومقاطعتها منذ الغزو الأمريكي- البريطاني للعراق ما لم تستجب لمطالب محددة أبرزها وقف دعمها لأعداء واشنطن في العراق ولحزب الله في لبنان ولحركة حماس وحركات فلسطينية أخرى تعتبرها واشنطن حركات إرهابية. وبلغت محاولات العزل ذروتها بعد عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري فبراير/ شباط عام 2005 واتهام دمشق بالتورط فيها. فقد جمد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك علاقاته مع دمشق على إثرها. وتم فرض مزيد من العقوبات التي طالت بنوك وشخصيات وشركات سورية. ويعاني السوريون من هذه العقوبات أكثر مما تعانيه حكومتهم منها.
مهارة سورية في تجاوز سياسة العزلة
غير أن سوريا اتبعت سياسة ماهرة على حد تعبير البروفسورغونتر ماير، رئيس مركز دراسات العالم العربي في جامعة ماينس الألمانية. وبفضل ذلك تمكنت من تجاوز تبعات محاولات العزل والمقاطعة إلى حد كبير رغم الأضرار السياسية والاقتصادية التي لحقت بها بسبب حظر التكنولوجيا الغربية عنها. وجئ نجاحها بالدرجة الأولى عبر توجهها شرقا للتعاون الاقتصادي مع الصين وماليزيا وبلدان أخرى كتركيا والهند. أما على الصعيدين العسكري والسياسي فقد عززت علاقاتها بشكل خاص مع إيران وروسيا.
وبفضل دعمها لقوى المقاومة اللبنانية وفي مقدمتها حزب الله المتشدد استطاعت مواجهة المخطط الإسرائيلي الرامي لتدميره خلال حرب صيف 2005 التي تمكنت خلالها ميليشيات الحزب من الصمود أمام قوة الجيش الإسرائيلي المتفوقة. وبهذا النجاح استطاعت دمشق الاستمرار في امتلاك أوراق حاسمة في ملفي القضية الفلسطينية والأزمة اللبنانية التي لم تنفرج حتى انتخاب ميشيل سليمان رئيسا للبنان بعد اتفاق الدوحة الذي شكل بداية لحل هذه الأزمة بعد توقيعه في مايو/ أيار الماضي.
شتاينماير كان السباق لسياسة فك العزلة عن دمشق
ويبدو أن نجاح سوريا إلى حد كبير في كسر طوق المقاطعة المفروض عليها من الغرب من جهة، ودعمها لحل الأزمة اللبنانية عبر دورها الإيجابي في التوصل لاتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين، إضافة إلى بدئها مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل برعاية تركية اقنع فرنسا ومعها معظم دول الاتحاد الأوروبي بضعف جدوى سياسة العزل والمقاطعة التي يتضرر منها المواطن العادي أكثر من رجال السلطة. وهي السياسة التي كان وزير الخارجية الألماني شتاينماير في مقدمة الساسة الأوروبيين الذين تمردوا عليها عندما زار دمشق أواخر عام 2006 رغم عدم حماس المستشارة ميركل لذلك.
وبفضل المعطيات الجديدة وطموحه إلى إعادة نفوذ فرنسا إلى منطقة حوض المتوسط بادر الرئيس الفرنسي نيكولاس ساركوزي إلى كسر الجمود في علاقات بلاده مع دمشق من خلال دعوة الرئيس السوري بشار الأسد لحضور قمة الاتحاد المتوسطي الأولى التي شهدتها باريس في النصف الأول من يوليو/ تموز الفائت.
مكاسب لفرنسا ولسوريا ومعهما أوروبا
وبما أن سوريا دولة مفصلية في منطقة الشرق الأوسط ولا سلام هناك بدونها حسب مقولة وزير الخارجية الأمريكية سابقا هنري كيسسنجر فإن زيارة الرئيس ساركوزي هذا اليوم 3 سبتمر/ أيلول 2008 إلى دمشق، تأتي لتخدم السياسة الفرنسية الرامية إلى إعادة نفوذ فرنسا التاريخي في منطقة حوض المتوسط وخاصة في الدول العربية المطلة عليه، لاسيما وأن هذا النفوذ شهد تراجعا كبيرا لصالح دول أخرى كالولايات المتحدة والصين خلال السنوات العشر الماضية.
كما تأتي حسب مراقبين ومحليين فرنسيين عديدين لتخدم رغبة فرنسا ودول الاتحاد الأوروبي الأخرى في لعب دور أقوى لحل مشكلة النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي المتسمر منذ أكثر من ستة عقود. أما على الصعيد السوري فإن زيارة الرئيس الفرنسي تعني قطع شوط كبير على طريق فك العزلة والحصار الغربيين المفروضين على دمشق منذ نحو خمس سنوات. ويعزز ذلك الحديث عن صفقات تجارية واستثمارية سيتم توقيعها خلال الزيارة. وتعد بعض هذه الصفقات مثل صفقة تجديد أسطول شركة الطيران السورية الذي يعتمد على طائرات إيرباص بالدرجة الأولى حيوية للاقتصاد السوري الذي يحتاج لتكنولوجيا غربية في مختلف القطاعات.