زراعة المخدرات تنشط في لبنان بسبب الأزمة السورية
١٦ ديسمبر ٢٠١٣المزارع أبو فادي (اسم مستعار) تحدث لـ DW عربية، بالتفصيل عن وضع زراعة القنب الهندي والأفيون في البقاع اللبناني، ورواجها في ظل الأزمة السورية. وقد تصحّ مقولة "مصائب قوم عند قوم فوائد" على ما يجري في سوريا وانعكاساته "الإيجابية" على زراعة الحشيشة في لبنان، والتي يؤكد بعض أهالي منطقة البقاع ازدهارها في هذه الفترة، بينما ينفي مصدر أمني رفيع المستوى ذلك، معللاً رواج المادة في السوق بأنه من مخزون العام الماضي.
ويؤكد أبو فادي أن الوضع الأمني في منطقة الهرمل بعلبك والبقاع الشمالي خارج عن سيطرة الدولة، مشيراً إلى أن الجيش وقوى الأمن الداخلي كانوا في السنوات الأخيرة يقومون بإتلاف القنب الهندي في الحقول، إلا أن الأزمة السورية صرفتهم عن قيامهم بواجبهم هذا.
سوريا دائماً حاضرة
والمفارقة أن سوريا كان لها دائماً دور في ما تمر به زراعة وتجارة القنب الهندي من مد وجزر، فبينما كان النظام السوري في زمن وجوده العسكري والاستخباراتي في لبنان قبل عام 2005، يجعل زراعة القنب الهندي في البقاع مادة ابتزاز ومساومة مع الولايات المتحدة، كان ضباط كبار من الجيش والاستخبارات السوريين يحمون مزارعيها وتجّارها لقاء حصص معينة من الإنتاج.
هذا ما يؤكده المزارع البقاعي الذي دخل أيضاً في عالم تجارة الممنوعات، مشيراً إلى أن إتلاف القنب الهندي بعد خروج سوريا كان يتم بانتظام إلى سنة 2011 بعد انطلاقة الثورة السورية، حيث تركت الأحداث في الشام تداعياتها السلبية على الوضع الأمني اللبناني.
وعن أسواق تصريف الإنتاج، يكشف أبو فادي أن ما ينتجه لبنان بالكاد يكفي السوق المحلية، موضحاً أن الموسم يبدأ في أول الصيف وينتهي في أول الخريف من كل عام. أما "زراعة الأفيون فهي محدودة جداً لأن هذه النبتة تنتج الهيرويين وتحتاج إلى معامل ومختبرات وخبراء لتصنيعها، لذلك يفضّل المزارعون القنب الهندي لأنه أسهل زراعة وترويجاً وأرخص ولا يحتاج سوى لرش البذر ومنها ما يظل بلا ري. كذلك لأن البعض يشعر بالذنب أكثر إذا تعامل بالأفيون كونه أخطر من القنب الهندي ومميت". بيد أن ابو فادي يؤكد أن زراعة زهرة الخشخاش (الأفيون) زادت هذا العام بسبب "الانفلات الأمني"، من دون معرفة حجم المساحات المزروعة من هذه النبتة.
"سنزرع الأفيون"
يوضح ابن البقاع الشمالي أن بعض مزارعي القنب الهندي سابقاً اتجهوا لزراعات بديلة، "لكن إذا ظلت الدولة غائبة عن المنطقة أمنياً واجتماعياً واقتصادياً ولم تدعم المزارع لإنتاج زراعات مفيدة، فإن الكثيرين سيتجهون لزراعة القنب الهندي بل أيضاً الأفيون الذي يمكن تهريبه إلى الخارج، خصوصاً دول الخليج".
وعن مواقع زراعة القنب الهندي يوضح أبو فادي أن المناطق الجردية في البقاع الشمالي من جرود الجبال الغربية على الحدود السورية إلى البقاع الأوسط، قد تجد فيها هذه المزروعات ولكنها رغم الفلتان الأمني، لا تزال بعيدة عن الطرقات، لافتاً الى أن الزراعة تتم في الجرود ومعظمها من دون ري، إذ تجعل النبتة أجود وأغلى ثمناً. ويقول إن سعر القنطار(70 كيلوغرام) خام يصل إلى 500 ألف ليرة لبنانية (نحو 250 يورو).
وتقدر الأوساط الأمنية حجم مساحة المزروعات بـ 33 ألف دونم، كل دونم حشيشة ينتج 3 قناطير خام، وبعد تصنيعه كيلوغرام "زهرة الخشخاش" اذا كان بعلاً و3 كيلوغرامات إذا كان مروياً بالماء، وكل دونم خشخاش ينتج 2 كيلوغراماً من الأفيون. ويتفاوت السعر بحسب الجودة، فهناك باب أول يسمونه "الزهرة" أو "الدونج" وتساوي الهقة (850 غرام) منه نحو 1200 دولار أميركي، أما الباب الثاني فيصل إلى 400 دولار. ولا يرى الرجل أي أهمية لقوى الأمن في قمع المخالفات "لأن كبارهم يتقاضون رشاوى ويزرعون مخبرين وسط المزارعين والتجار لابتزازهم. حين يعلنون عن القاء القبض على تاجر تكون ورقته قد احترقت؛ إما لأنه لم يدفع زيادة للضباط المرتشين أو أنه أصبح كبشاً لانجاز أمني مطلوب".
"حزب الله يغض الطرف"
ويؤكد أبو فادي أن هيمنة حزب الله على المنطقة لا تدفعه لمنع زراعة الحشيش لكنه يمنع الناس من زراعته بالقرب من معسكراته التدريبية فقط. الا أن الضاحية الجنوبية التي يسيطر عليها الحزب، تشهد رواجاً كبيراً للحشيش والمخدرات وحبوب الهلوسة، خصوصاً في الأحياء الشعبية المُكتظة، حيث توضح إحدى المقيمات في "حي السلم"، أن ظاهرة بيع الممنوعات أصبحت مألوفة، إذ يمكن معرفة الشبان الذين يعملون على ترويج الحشيش والمخدرات وحبوب الهلوسة على قارعة الطريق وأمام المدارس وبعض المقاهي التي تقدم النراجيل، بينما حزب الله يغض الطرف.
تتحدث السيدة لـ DW عربية، من دون أن تكشف هويتها لحساسية الموضوع، موضحةً بنبرة ممزوجة بالأسى والخوف عما وصلت إليه بعض المناطق من فوضى وتصاعد في نسب الجرائم والدعارة والوفيات نتيجة جرعات مخدرة زائدة، قائلة إن "كل هذا نتيجة الإهمال الرسمي وسيطرة المافيات و"الزعران" الذين يفرضون إتاوات على بعض التجار في مناطقهم".
وهذا لا يعني أن بقية المناطق محمية من هذه الآفة، فثمة أحياء أخرى في العديد من مناطق لبنان تشكل أرضية خصبة لترويج وتعاطي الممنوعات، بينما يتوزع التجار الكبار على جميع المناطق، خصوصاً بشري وزغرتا وإهدن.
"الأمن مستتب"
في المقابل، يتحدث القيمون على الموضوع الأمني وكأن اللبناني يعيش في بلد مثالي والأمن مستتب وأن كل ما يُقال عن ملاحقة تجار صغار وترك الكبار يسرحون ويمرحون، هو افتراء على أجهزة الأمن والدولة، وأن السلطات من قوى أمن وجيش يقومون بواجبهم، وإن كان بشكل نسبي بسبب الأوضاع أخيراً.
فقد أوضح مصدر أمني رفيع لـ DW عربية، لا يريد الكشف عن اسمه، أن زراعة الممنوعات لم تزدهر كما يُذاع في ظل الأزمة السورية، وأن ما يتم العثور عليه ومصادرته من ممنوعات هو من منتوجات الأعوام السابقة، مشيراً الى ان عمليات التلف تم تأجيلها العام الحالي بسبب الأوضاع السياسية المتأزمة، لكن العام الماضي تم اتلاف نصف الموسم تقريباً. ويشير إلى أن الدولة تحاول القيام بواجبها في محاربة هذه الآفة وكل من يعمل بها، نافياً أن يكون هناك أصحاب ياقات بيضاء فوق الحساب والملاحقة، وأن القانون فوق الجميع.