ريبيري.. "طفل الشارع" الذي وجد عشه الدافئ في حضن بايرن
٢ يناير ٢٠١٧الثلاثاء (الثالث من يناير/ كانون الثاني 2017) سيسافر فرانك ريبيري مع فريقه بايرن ميونيخ لإقامة معسكر تدريبي في الدوحة استعدادا لمرحلة الإياب بالدوري الألماني (بوندسليغا). وربما يكون الموسم الحالي هو الموسم قبل الأخير لريبيري مع الفريق، الذي انتقل إليه عام 2007 مقابل 25 مليون يورو، مبلغا كبيرا آنذاك. الآن بلغ ريبيري عامه الثالث والثلاثين ومدد بايرن عقده حتى يونيو/ حزيران 2018، وقد اقتربت لحظة تعليق حذاء الكرة على المسمار، كما يقول الألمان، كناية عن الاعتزال.
ظروف صعبة لم تكسره
يتذكر الصحفي "بنديكت فارمبرون"، المتخصص في شؤون بايرن ميونيخ لدى صحيفة زود دويتشه تسايتونغ، أنه رأى ريبيري قبيل قدوم عام 2017 مباشرة وهو يضع كوعه على ركبته ويطلق بصره في ساحة فريق بايرن ميونيخ ويقول: "لن أنسى أبدا من أنا ولا من أين جئت. أنا الآن سعيد جدا، ولأجل ذلك كان يتحتم علي أن أكافح كثيرا لسنوات طويلة. أريد دائما المزيد والمزيد، لكن يجب علي ألا أنسى أبدا كيف كنت في الشارع عندما كانت صغيرا."
ويقول فارمبرون "في الواقع، إنه ما يزال صغيرا، ولذلك فهو بالنسبة لجماهير بايرن أحد أكثر اللاعبين المحبوبين في تاريخ النادي، شخص يفكر فقط في الحيل والمقالب." ويتابع فارمبرون "إنه بالنسبة لكثيرين جناح مراوغ موهوب، لكن أيضا شخص انفعالي وغير ناضج. وفي بلده فرنسا يعتبر من الرياضيين غير المحبوبين."
سيدريك فانوكيا، مدرب الكرة حاليا للناشئين في نادي "رين" وصديق لفرانك ريبيري منذ كانا يلعبان سويا لنادي "برست" في دوري الدرجة الثالثة. ويحكي فانوكيا أن ريبيري عندما كان في العشرين من عمره كان خصم غير مريح للاعبين المنافسين "فأنت لا تعرف أبدا ماذا سيفعل في اللحظة المقبلة."
يتذكر فانوكيا، وفقا لصحيفة زود دويتشه، أن ريبيري كان لديه طموح جامح في كل مباراة، وكل لحظة وكل مراوغة "كان يريد أن يكسب كل مشهد ولو صغيرا." لكنه أيضا كان يعاني أشد المعاناة "كان آنذاك يحكي عن الألم وافتقاره للمال وعن اليأس، وحادثة السيارة، التي شوهت وجهه عندما كان عمره عامين، وكيف أن أطفالا آخرين كانوا يسمونه "فرانكنشتاين. ويحكي عن طرده من المدرسة الداخلية وعمله بالشارع مع والده." ويتابع صديق ريبيري" كانت لديه تجارب مؤلمة كثيرة جدا. وكنت أتعجب دائما من أن كل تلك الآلام لم تكسره."
علاقته بالمدربين تحدد مستواه
انتقل ريبيري بعد ذلك إلى نادي "ميتز" ومنه إلى غلاطه سراي التركي ثم عاد إلى فرنسا عبر أوليمبيك ليون وبقي بها عامين قبل أن ينتقل إلى بايرن ميونيخ. كان الفرنسيون يتوقعون أن يصبح خليفة زين الدين زيدان، لكنهم كانوا يطلقون النكات على لغته وأخطائه النحوية. وساءت علاقته مع مدرب المنتخب، دومينيك، وجماهير الكرة في بلدة منذ نكبة منتخب فرنسا في مونديال جنوب إفريقيا ليقرر فيما بعد اعتزال اللعب الدولي، بل وصل الأمر إلى مقاطعة أشخاص لمجرد أنهم فرنسيون، حسب بنديكت فارمبرون.
في بايرن ميونيخ وجد في البداية المدرب أوتمار هيتسفيلد، الذي تعامل معه كإنسان قبل أي شيء، و"اعترف" بقدراته، وقال المدرب الجنرال: "لاحظت على الفور أن فرانك يحتاج إلى عش دافئ وأنه يلعب بشكل أفضل عندما يشعر بالراحة."
تألق ريبيري وأصبح لاعبا عالميا في ظل وجود الجنرال، ويقول هيتسفيلد عن لاعبه "من يعرف قصته يعلم أنه قاتل من أجل حريته، وعندما يمنحه الإنسان هذه الحرية يصبح قادرا على أشياء لا تعرفها. فعندها يقدم لك وللفريق كل شيء، وهذا فقط لأنك تحترمه."
ترك هيتسفيلد النادي ليجئ مدرب آخر يتحدث عن نفسه أكثر من اللاعبين هو الهولندي لويس فان خال، وبالطبع لم يكن ريبيري مرتاحا مع شخصية المدرب الجديد. ولما خلفه يوب هاينكس في تدريب بايرن عاش ريبيري أعظم لحظاته الكروية، فاز بالثلاثية وبلقب أفضل لاعب في أوروبا 2013 وكاد يفوز بلقب أفضل لاعب في العالم لكنه حل ثالثا خلف رونالدو وميسي.
شخصية غوارديولا، الذي خلف، هاينكس في تدريب بايرن تختلف تماما عن شخصية ريبيري، فغوارديولا يرى أن الملعب عبارة عن طاولة شطرنج، كأنه في معركة تكتيكية أما ريبيري فيريد الحرية أكثر. وعانى ريبيري في مواسم غوارديولا، لكن ليس بسبب المدرب الإسباني فقط وإنما بسبب الإصابات المتلاحقة أيضا. والآن عاد ريبيري للتألق مع المدرب أنشيلوتي، الذي يشبه هيتسفيلد في تعامله مع اللاعب، كإنسان أولا.
يحرص فرانك ريبيري على حماية ابنائه من المصير الذي كان يعيشه. ولديه أربعة أولاد حيث رزق أولا بحظية وشاهيناز ثم سفيان وأخيرا محمد. وهو سعيد بأن ابنائه يتحدثون الألمانية أفضل منه، ويسكنون في منزل أفضل مما كان يسكن فيه في طفولته، ومستقبلهم لا تغلفه الآلام على عكس ما كان والدهم في صغره، ويقول : "إنني فخور بما حققته، إنه حلمي الذي لم اتشجع إطلاقا أن أحلم به عندما كنت صغيرا." ثم وجه ريبري كلامه للصحفي الألماني قائلا "اكتب: ريبيري هو الأفضل."