روسيا ولعبة الضغوط عبر الحروب التجارية
١ أكتوبر ٢٠١٦تنتقد موسكو العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب ضد الاتحاد الروسي (روسيا). لكن الكرملين يشارك عن كثب وعن طيب خاطر في سلاح اقتصادي هو الحظر. وأحدث مثال على ذلك هو الخلاف حول صادرات القمح الروسي إلى مصر، التي كانت في العام الماضي أكبر سوق خارجية للحبوب الروسية. وتسمح المعايير الدولية بمستوى 0.05 في المائة من فطر "الإرغوت"، لكن القاهرة طلبت هذا العام وبشكل مفاجيء أن تكون نسبة فطر الإرغوت في الحبوب هي صفر في المائة، أي أن تخلو الحبوب تماما من ذلك الفطر.
فرنسا وغيرها من الدول التي اعتادت تصدير الحبوب إلى مصر، لم تعد ببساطة تشارك في المناقصات التي تعلن عنها مصر. وفي المقابل لجأت روسيا للابتزاز. ففي يوم 19 سبتمبر/ أيلول 2016، أعلنت حظرا مؤقتا على استيراد الفواكه والخضروات من مصر بحجة واهية، هي "الانتهاك المنهجي للمتطلبات الدولية والروسية للصحة النباتية" من قبل الجانب المصري.
وبعد ذلك بيومين، ألغت مصر شرط صفر في المائة من الإرغوت في الحبوب. ومرة أخر، بعد خمسة أيام رجا وفد مصري في موسكو رفع الحظر الروسي عن الفواكه والخضروات. وأعلنت سلطات الرقابة الزراعية الروسية في نفس اليوم، إلغاء حظر الواردات المصرية باستثناء البطاطس. نجاح الحرب الخاطفة هذه بشأن القمح، بإمكانه أن يواصل تشجيع السلطات الروسية في اعتقادها بأن أساليب الضغط تؤدي بسرعة إلى الهدف المنشود.
حملة ناجحة ضد تركيا
وفي حين أن موسكو بخصوص مصر كانت تسوي مشكلة محلية تتعلق بالتجارة الخارجية، كان الكرملين في حربه التجارية الأخيرة مع تركيا يريد إيجاد حل لمهمتين طموحتين: فمن ناحية كان الأمر بالنسبة لموسكو هو إجراء عقابي يتعلق بالسياسة الخارجية، أي الثأر لإسقاط الجيش التركي لقاذفة القنابل الروسية، و من ناحية أخرى كان الأمر يتعلق بالنسبة لروسيا بحماية مزارعي الفاكهة والخضار الروسية من المنافسة التركية وتشجيع السياحة في منتجع سوتشي وشبه جزيرة القرم.
وفازت روسيا أيضا في هذه الحرب. فقد تكبد قطاع صناعة السياحة التركي خسائر بالمليارات. وغاب الملايين من السياح الروس عن الشواطيء التركية، لأن موسكو حظرت بيع الرحلات السياحية الشاملة إلى تركيا. وبالطبع، عانت أيضا شركات السياحة والطيران الروسية من هذا الحظر.
وفي نهاية المطاف، كان على الرئيس التركى رجب طيب أردوغان أن يسافر إلى سانت بطرسبرغ، حيث شدد في التاسع من أغسطس/ آب، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على رغبة بلديهما في عودة الحوار والعلاقات الثنائية. لكن حتى بعد ذلك لم تتوقف روسيا عن توجيه ضربات اقتصادية: إذ أن موسكو لم ترفع الحظر على الفواكه والخضروات التركية وإنما وعدت فقط بأن تفعل ذلك في المستقبل. أما بخصوص استئناف رحلات الطيران العارض إلى أنطاليا، فقد انتظر الكرملين حتى نهاية عطلة الصيف في روسيا.
الحماية تحت ستار العقوبات المضادة
لكن الحرب الاقتصادية الأكبر والأطول هي تلك التي تقوم بها روسيا ضد الاتحاد الاوروبي. هنا أيضا، موضوع الحماية هو الدافع. وبالتدريج تم إغلاق السوق الروسية في وجه المنتجات الزراعية الأوروبية، فيما يعد انتهاكا لقواعد منظمة التجارة العالمية.
بدأ هذا قبل وقت طويل من إصدار الرئيس الروسي بوتين لمرسوم في 6 أغسطس/ آب 2014 يحظر استيراد المواد الغذائية من الاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الغربية كرد فعل على العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب، على خلفية النزاع في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم. وهكذا بدأت بالفعل عملية الحد من استيراد البذور والبطاطس من الاتحاد الأوروبي في أول يوليو/ تموز 2013، ثم جرى في 27 يناير/ كانون الثاني 2014 حظر استيراد الخنازير الحية ولحم الخنزير من الاتحاد الأوروبي، وفي أول آب/ أغسطس 2014 تم وقف واردات التفاح وغيرها من الفواكه والخضروات من بولندا.
المنتجون المحليون في روسيا يستفيدون من هذه الحرب التجارية. وفي مقابل ذلك يعاني المستهلك الروسي، لأنه يحصل على منتجات بجودة أسوأ وأسعار أعلى. وفي الاتحاد الأوروبي يعاني من تلك الحرب التجارية بلدان أوروبا الشرقية بصفة خاصة، حيث يتوجب عليهم تكبد خسائر في مبيعات لحم الخنزير والحليب والفواكه والخضروات. لكن بروكسل تقدم لهم تعويضات جزئية. وقد تم توجيه معظم تلك المنتجات إلى أسواق أخرى أو خفض إنتاجها. ولا يوجد لهذه الحرب التجارية تأثير على الاقتصاد الكلي للاتحاد الأوروبي.
حرب تجارية في الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي؟
وفي الوقت نفسه، يبدو أن موسكو قد اعتادت على استخدام الضغط كسبيل لحل المشاكل التجارية. ومن الواضح أن الكرملين يستخدم مثل هذه الأساليب بشكل متزايد في العلاقات مع شركائه في الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي، على الرغم من وجود حروب تجارية داخل سوق داخلية مشتركة هو مسألة عبثية تماما.
وعلى سبيل المثال، لا تقوم روسيا بشكل رسمي بأي حروب اقتصادية ضد روسيا البيضاء. لكن رئيس البلاد الكسندر لوكاشينكو، اتهم روسيا في 20 سبتمبر/ أيلول، واتهم مباشرة هيئة الرقابة الزراعية الروسية بعرقلة استيراد بعض السلع البيلاروسية، وخاصة المواد الغذائية، من أجل مصالح النخبة الروسية المسيطرة (الأوليغارشية). و بعد ذلك بيومين، أعلنت السلطات الروسية أن هذه الشكاوى لا أساس لها. ومثل هذه اللهجة تكون عادة سمة من سمات الحرب التجارية الممتدة.
أندريه غوركوف/ صلاح شرارة